خبير البرنامج: الدكتور سعد الشحمان
المحاورة: بسم الله الرحمن الرحيم وبه تبارك وتعالى نستعين مستمعينا الأفاضل في كل مكان السلام عليكم نحييكم أجمل تحية بتحايانا القلبية الخالصة لكم في هذه المحطة الجديدة التي يسرنا أن تجمعنا بكم بين آفاق اخرى من آفاق الشعر العربي عبر روائع قصائده التي خلدتها الأجيال وتناقلتها الألسن بالنظر الى مضامينها الانسانية وروعة صورها الفنية. تابعونا مستمعينا الأفاضل مع قصيدتنا وشاعرنا لهذا الأسبوع.
المحاورة: قصيدتنا التي إقتطفناها لكم هذا الأسبوع من رياض الشعر العربي هي لشاعرة وليست لشاعر وإن كان الانسان كل انسان واحداً في مشاعره وأحاسيسه وتوجهاته، إنها الشاعرة المبدعة القديرة والمتصرفة في أغراض الشعر ليلى الأخيلية التي فاقت أقرانها من الشاعرات فصاحة وبلاغة وجمال بيان اللهم إلا اذا إستثنينا شاعرة العرب الكبرى الخنساء. هذه الشاعرة أي ليلى التي شخذ موهبتها حبها واخلاصها للرجل الذي أحبته وكانت صادقة معه في حبه إبن عمها توبة العامري الذي كان هو شاعراً ايضاً. والقصيدة التي نقدمها لهذا الأسبوع هي احدى رثائيات الشاعرة لصاحبها توبة وسبب هذه القصيدة هو وفاة أحد الوجهاء في عصرها فطلب القوم منها أن تنظم قصيدة في رثاءه ولكنها رفضت بعد أن آلت على نفسها أن لاترثي أحداً بعد توبة. ندعوكم أيها الأحبة للإصغاء الى انشودة الحب العذري الخالد من محب هاجت به الذكريات وسرحت به الذاكرة بعيداً الى الماضي الجميل.
أقسمت أرثي بعد توبة هالكاً
واحفل من دارت عليه الدوائر
لعلك ما بالموت عار على الفتى
اذا لم تصبه في الحياة المعاير
وما أحد حي وإن عاش سالماً
بأخلد ممن غيبته المقابر
ومن كان ممن يحدث الدهر جازعاً
فلابد يوماً أن يرى وهو صابر
وليس لذي عيش عن الموت مقصر
وليس على الأيام والدهر غابر
ولا الحي مما يحدث الدهر معتب
ولا الميت إن لم يصبر الحي ناشر
المحاورة: حقاً أيها الأحية نحن نقف بين يدي شاعرة متميزة قيل عنها إنها فاقت أكثر الفحول من الشعراء فشهدوا لها بالفصاحة والابداع. ومن الذين أعجبوا بشعرها الفرزدق حتى أنه فضل ليلى على نفسه، وابو نواس الذي حفظ العديد من قصائدها وابو تمام الذي ضرب بشعرها المثل وابو العلاء المعري الذي وصف شعرها بأنه حسن ظاهره، ولكننا لانعلم ماهو رأي خبير البرنامج الذي شرفنا بحضوره في الستوديو الدكتور سعدي الشحمان وكيف سيقمها. بداية دكتور أهلاً ومرحباً بكم
الشحمان: حياكم الله وسلام من الله عليكم وعلى المستمعين
المحاورة: وعليكم السلام والرحمة
الشحمان: في الحقيقة أقول فيها ما قاله كبار الشعراء النقاد من أن هذه الشاعرة المعروفة غنية عن التعريف وتمتلك الكثير الكثير من القدرة على نظم الشعر وعلى الموهبة الشعرية والطبع الشعري. هذه الشاعرة التي تنتمي الى قبيلة بني عامر وكما تعلمون قبيلة بني عامر عرفت بذلك اللون من الحب الذي عرف في تاريخ العرب بالحب العذري. وأنتجت هذه القبيلة الكثير الكثير من هؤلاء الشعراء الذين تخصصوا بهذا اللون من الغزل. هذه الشاعرة تعتبر من الشاعرات الاسلاميات أي اللواتي عشن في العصر الاسلامي وعاصرت فترة صدر الاسلام وكذلك العصر الأموي، طبعاً هذه التقسيمات هي تقسيمات أدبية يعني عندما نقول العصر الأموي لانقصد به عصر اسلامي وإنما هي تقسيمات أدبية للشعراء الذين عاشوا هذه الفترة من تاريخ الاسلام. هذه الشاعرة عرفت بأنها جمعت بين الجمال الظاهري وبين قوة الشخصية وبين الفصاحة والبلاغة وكلما ذكر أسمها، كلما ذكر اسم ليلى الأخيلية تبادر الى الأذهان اسم توبة الذي كان ينتمي الى نفس القبيلة وبالعكس كلما ذكرنا توبة ذكرت معه ليلى الأخيلية وكأنما مصيرهما كان مرتبطاً مع بعضهما البعض، توطدت علاقة الحب العذري بين هذين الاثنين ولكن كالعادة وكما نرى في قصص الحب العذري رفض القبيلة او رفض والد الحبيبة او المحبوبة يؤدي الى الفصل بين الحبيبن ويؤدي الى نهاية مأساوية لهما كما حدث بالنسبة الى قصة ليلى الأخيلية وتوبة. في الحقيقة كانت ليلى الأخيلية في تلك الفترة التي عاشت فيها تمثل شخصية معروفة بين الأمراء وبين الخلفاء والحكام واستطاعت أن تحظى بمكانة رفيعة ومرموقة وأن تنتزع الاحترام الكبير من هذه الشخصيات. وكانت بين الحين والآخر تترد على الخلفاء والحكام وتنشد بعض الأشعار وتنال منهم بعض الصلات وبعض العطيات. وكانت ايضاً تمتلك القدرة على نقد الشعر فكان بعض الشعراء يفدون عليها ويحتكمون اليها وكانت تصدر الأحكام بشأن أشعارهم وكما ذكرتم فأن اغلب القدماء من النقاد ومن الشعراء أشادوا بليلى الأخيلية ولاأريد أن أكرر في هذا المجال مثل أبي العلاء المعري والفرزدق وابي نواس. الحقيقة ليلى الأخيلية كما تعلمون هي امرأة شاعرة وشعر النساء يتميز ولانلاحظ فرق بين النزعة الانسانية بين شعر الرجل وشعر المرأة ولكن شعر النساء يتميز بالرقة ويتميز بالعاطفة، يتميز بنفس هادئ وخاصة الشاعرات الكلاسيكيات القديمات..
المحاورة: مثل الخنساء
الشحمان: مثل الخنساء ومثل ليلى الأخيلية التي نحن بصددها وغيرهن من الشاعرات. في الحقيقة تاريخ الشعر العربي مليء بالكثير من الأسماء النسائية في مجال نظم الشعر وتتميز أشعارهن بشكل عام بالهدوء والاستسلام للقضاء والقدر. خصوصيات شعر ليلى الأخيلية نلاحظ فيه شيء من النظريات والآراء الفلسفية التي لاتشكل نظرية متكاملة وإنما هي تزدي بآراءها في الحياة ونلاحظها إنما تسجل تأملاتها في الوجود. كما نلاحظ في القصيدة التي تفضلتم بإنشاد البعض منها. طبعاً هي كشاعرة عاشت في صدر الاسلام وعاشت في العصر الأموي، كما تعلمون البيئة الأموية كانت تعتمد فيها الكثير من التيارات السياسية والكثير من المفاخرات القبلية فنلاحظ إنعكاس هذه التيارات على شعر ليلى الأخيلية بشكل واضح كقولها مفتخرة بقبيلتها تقول:
نحن الأخايل لايزال غلامنا
حتى يدب على العصا مشهوراً
تبكي الرماح اذا فقدنا اكفنا
جزعاً وتعرفنا الرفاق بحوراً
الشحمان: بهذا القدر اكتفي بالحديث عن ليلى الأخيلية وأوكل بقية الحديث الى الحلقة القادمة إن شاء الله لكي يتسنى لكم إنشاد المزيد من أشعارها.
المحاورة: إن شاء الله. كل الشكر والتقدير لكم وبعد اذنكم بالطبع نواصل جولتنا في رحاب قصيدة الشاعرة ليلى الأخيلية في رثاء توبة حيث نرى الشاعرة تواصل إزجاء مواعظها ونصائحها في الحياة في قالب الرثاء الذي يستدعي عادة مثل هذه المضامين والأغراض فلنستمع معاً بعد الفاصل.
وكل شباب او جديد غلى بلى
وكل امرء يوماً الى الله صائر
وكل قريني ألفة لتفرق شتاتاً
وإن ظن وطال التعاشر
فآليت لاأنفك أبكيك ما دعت
على صنم ورقاء او طار طائر
قتيل بني عوف فيا لهفة له
لها بدروب روم باب وحاضر
المحاورة: مستمعينا الأفاضل وصلنا واياكم الى نهاية هذه الحلقة من برنامجكم سير القصائد. شكراً لكم دكتور على حضوركم وعلى هذه الايضاحات
الشحمان: حياكم الله
المحاورة: نعم حول شاعرتنا ليلى الأخيلية وإن شاء الله نجدد اللقاء بكم وبالمستمعين الأفاضل في الحلقة المقبلة من هذا البرنامج. حتى الملتقى أطيب المنى في أمان الله.