لم يكن السيد الشريف الرضي السيد محمد بن حسين الموسوي جامع كلمات وخطب الامام علي (عليه السلام) في كتابه الرائع نهج البلاغة، لم يقبل من أحد هدية ولا مساعدة مالية ولا حتى مكافاة ازاء جهد يبذله خدمة للاسلام والعلم ولقد سعى ملوك آل بويه بشتى الاساليب لأجل ان يقبل عطية من عطاياهم فباء سعيهم بالفشل. وانتهز احد الوزراء الملقب بفخر الملك فرصة رزق السيد بمولود، فأرسل اليه هدية ومعها رسالة جاء فيها «من عادة الاصدقاء في مثل هذه المناسبات تقديم الهدايا للمرأة القابلة، أرجو ان تتقبلوها» فما كان من الشريف الرضي الا ان ردها وارفقها برسالة جاء فيها «ليس من عادتنا ان تطلع امراةً اجنبية على احوال العائلة، ونساؤنا هن يؤدين وظيفة التوليد، ولا يأخذن اجرة ولا هديةً، فأعاد الوزير تلك الهدية التي كانت عبارة عن الف دينار وهو مبلغ كبير جداً في ذلك الزمان وقال انها هدية للمولود نفسه ولا علاقة لكم بها! فردها الشريف الرضي قائلاً للمبعوث ان اطفالنا كذلك لا يقبلون شيئاً من احد» ومرة اخرى اعادها الوزير قائلاً، «وزعها بين تلامذتك الذين يحضرون دروسك».
ففتحها السيد الرضي امام الطلبة وقال «ليأخذ منها كل من يحتاج منكم فقام بين اولئك الطلبة واحد فقط، واخذ نصف دينار». فسأله السيد الرضي، لم لا تأخذه كاملا؟
قال التلميذ: لقد نفد عندي البارحة زيت المصباح، فجئت الى خزانتكم في المدرسة لآخذ شيئاً من الزيت فكانت مقفولةً، لذلك ذهبت الى البقال واستدنت منه زيتاً للمصباح والآن اريد تسديد الدين ولا اريد اكثر. واخيراً كان مصير تلك الهدية انها عادت للمرة الثالثة الى الوزير ولم يؤخذ منها سوى نصف دينار.
*******
ينقل السيد العلوي ان المرجع المرحوم السيد المرعشي رحمه الله كان يحدثنا عن الاخلاق والعرفان، وفي يوم من الايام تحدث عن الحسد فقال: الحسد في بداية الامر كالنقطة السوداء في قلب الحسود، فلابد ان يعالج الحسود نفسه بالاساليب التي ذكرها علماء الاخلاق، كأن يدعو.. جل جلاله ان يزيلها منه، ويفكر في ذلك، بأنه لماذا يريد ازالة النعمة من اخيه، فان الله هو المعطي وهو المانع وهو الضار، فيطلب النعمة من ربه كما أنعم الله على محسوده، ومن ثم يعالج نفسه، فان بذرة الحسد لولا علاجها واماتتها في النطفة، فانها تنمو، وتصبح في يوم شجرة ظلماء تأخذ تمام وجود الانسان.
ثم قال: كان والدي يحضر درس الآخوند صاحب الكفاية وكنت ارافقه في الطريق، وكان يرى شخصاً ممن تلبس بزي اهل العلم، وما كاد يراه والدي الا ويدعو عليه قائلاً اللهم اخذ له في الدنيا والاخرة، وسمعت ذلك منه مراراً فسألته يوماً عن سبب ذلك.
فقال والدي: هذا الذي تراه كان يحضر مع شيخ آخر من بلدته درس الآخوند وكان الاستاذ يمدح صاحبه بالذكاء والفطنة، واذا بفتيلة الحسد قد اشتعلت في وجود هذا الشيخ، وقد ابتلي الطالب الذكي بالزكام، وكنت عنده لعيادته فدخل هذا الشيخ وقال له، عندي دواؤك فجاءه بمسحوق ووضعه في اناء وناوله. وبعد سويعة اخذ المسكين يتقيأ وتغير لونه، وبعد ساعات ارتحل الى جوار ربه، وعلمنا انه سقاه السم، وذلك من شدة حسده، وقد ايتم اربعة اطفال وحرمهم من حنان الأب، وهكذا يفعل الحسد بأهله ويأكل الايمان كما تأكل النار الحطب.
*******