الشيخ مهدي النراقي المتوفى عام 1209هـ رحمه الله مؤلف كتاب "جامع السعادات" الرائع في علم الاخلاق وتزكية النفس، كان مجسداً للاخلاق الفاضلة قبل ان يكتب عنها، وهذا ما تصدقه الحادثة التالية: عندما ألف رضوان الله عليه كتابه "جامع السعادات" بعثه قبل نشره الى المرحوم آية الله العظمى السيد مهدي بحر العلوم، ذلك المثل الاعلى في التقوى ليستنير من ملاحظاته القيمة حول الكتاب، وبعد فترة من ارساله الكتاب انطلق الشيخ من بلدته في ايران متجهاً الى النجف الاشرف للقاء بالسيد بحر العلوم وتقصي ارائه حول الكتاب فانتشر خبر مجيئه وجاء العلماء للقاء به والسلام عليه ماعدا السيد بحر العلوم!
مرة ايام والشيخ بين من يدخل عليه ومن يخرج من عنده، حتى قلت لقاءاته، فقام بنفسه لزيارة السيد بحر العلوم .. دخل عليه وسلم وجلس متواضعاً ولكنه لم يحصل على ود السيد واحترامه وترحيبه كما هو المتوقع جلس قليلاً ثم خرج وعاد بعد ايام وكذلك لم يعر له بالاً، وكأنه لا يعرفه ابداً.
وقرر في المرة الثالثة ان يدخل على السيد بحر العلوم بشكل طبيعي تماماً من دون ان يفكر انه ضيف وان السيد ينبغي له ان يأتيه، او انه لماذا دخل على السيد مرتين، ولم يرحب به كما هو المفترض عرفياً.
وهكذا جاء وطرق الشيخ الباب عرف السبب بان الشيخ وراء الباب فقام بنفسه حافياً واحتضن الشيخ بحرارة وبالغ في احترامه وبعد ان سأله عن حاله قال لقد الفت كتاباً حول الاخلاق وتزكية النفس، وبعثت بنسخة منه الي، وانا قرأته من اوله الى آخره بدقة، حقاً انه كتاب رائع في الاخلاق ونادر في تربية الذات، واما السبب في انني ماجئتك، ولما جئتني لم اعر لك اهمية فلأجل ان اختبر مدى التزامك بما كتبته في الاخلاق وضبط النفس والصبر والحلم وكظم الغيظ!
كنت اقصد من تصرفي معك كيف تكبح هواك وتسيطر على غضبك هل انت مثل الذين يكتبون ما لا يعملون ويقولون ما لا يفعلون؟
ولكن ثبت الآن انك لست منهم، وقد نلت في الاخلاق وتزكية النفس درجة عالية فانت بنفسك كتاب اخلاق، تهدي الآخرين باخلاقك وليس بكتابك فحسب.
لقد كان الشريف المرتضى من اجلاء علماء الامامية كانت له قرية تعود ملكيتها اليه شخصياً فاوقف منافعها وعائداتها الى مصرف شراء الورق لتاليف ونسخ الكتب النافعة للناس.
واما مجلسه فكان مفتوحاً للضيوف والواردين عليه باستمرار سئل مرة ابو العلاء المعري الشاعر المعروف المشهور وهو عائد من العراق: كيف وجدت السيد مرتضى؟ فانشد قائلاً:
يا سائلي عنه لما جئت تسأله
الا هو الرجل العاري من العاري
لو جئته لرايت الناس في رجل
والدهر في ساعة والارض في دار
نعم احبتنا المستمعين وكان السيد المرتضى الملقب بعلم الهدى يمنح طلبة العلوم الدينية رواتب شهرية، وفي سنة من السنوات عرض جفاف على الناس واصابهم القحط والفقر فقام السيد بالانفاق عليهم ايضاً، وكان في الناس رجل من اليهود، قد شمله القحط وضاقت يداه، فاضطر الى المجيء الى السيد، فقال انني مستعد ان ادرس الطلبة علم النجوم مقابل اعانتي، الا ان السيد لم ير حاجة الى ذلك اقترح عليه ان يحضر دروس الشريعة الاسلامية مقابل ما يعطيه من مال فوافق الرجل واخذ يحضر الدروس ويصغي للافكار الاسلامية وتعاليم الدين، واستمر فيها حتى اهتدى الى الاسلام لما رأى ذلك السلوط الانساني الرفيع وهذا الفكر السماوي الحكيم.
*******