لما كنت في شبابي طالباً في مدرسة علمية، تعرض بعض الاشخاص لغيبة آية الله العظمى السيد حجت رحمه الله في المجلس الذي ضمني معهم فاستمعت للغيبة انجراراً مع الجو الذي كان يحكم ذلك المجلس، هذا مع ان السيد كان استاذي، لاني درست عنده فترة، وحصلت منه على جائزة في مسابقة علمية اجراها لنا مع طلبة اخرين، فغدوت اعاتب نفسي لماذا سيطر علي جو ذلك المجلس فاغتبت السيد صرت بعد ذلك ابحث عن فرصة مناسبة لالتقي به واسترضيه عني، حتى جاءت الفرصة في صيف كان السيد قادماً الى زيارة مرقد السيد عبد العظيم الحسني "في طهران" فذهبت الى البيت الذي يقيم فيه، وكان الوقت عصراً، فلما فتحوا الباب اخبروا السيد حجت بوجودي فأذن لي بالدخول، وعندما دخلت عليه رأيته واضعاً قلنسوة على رأسه متكئاً على مسند وكان يبدو عليه اثر المرض والتعب لشيخوخته، قلت له سيدي جئت لاقول لك شيئاً قال السيد ما هو ذلك الشيء؟
قلت انني اغتبتك بعض الشيء ولكني استمعت اليها من الآخرين اكثر والان انا نادم على ذلك بشدة ولأني قررت ان لا استغيبك مرة اخرى، ولا استمع للغيبة ايضاً، جئت اليك لتعفو عني!
قال السيد حجت وبكل طيب وعظمة: ان الغيبة لامثالنا على نوعين: تارة تكون الغيبة استهزاء بالاسلام وتوجيه اهانة للدين وتارة تكون الغيبة موجهة لشخصي انا!
فقلت له سيدي انا ما اهنت الاسلام، وانما اغتبتك انت شخصياً! فقال: السيد اذن عفوت عنك!
ويضيف هذا العالم الذي نقل قصته في محاضرته حول التوبة وحقوق الناس ان الانسان اذا اراد ان يتوب يلزمه اعطاء حقوق الناس التي عليه، فاذا اغتاب احداً او اتهمه مثلاً وجب عليه ان يسترضيه واذا كان طرفه ميتاً، وجب عليه ان يستغفر الله له على اغتيابه، ويطلب المغفرة لاولئك ويحسن بالخيرات لهم، حتى يجلب رضاهم.
واخيراً، هل تعلم مستمعي الكريم من هو هذا العالم الذي تغلب على هواه يوم كان شاباً وهو في بداية اشتغاله بدراسة العلوم الدينية؟
هو العلامة الشهيد آية الله مرتضى المطهري قدس سره الشريف ولم يصل الى الدرجة التي وصل اليها في حياته الا بعد ان مارس الجهاد الاكبر لترويض نفسه.
هكذا يطهر الهادفون في الحياة نفوسهم من ادران الخطيئة.
حقاً انها عملية تربوية شجاعة، ولذا فانها تستعقب خيراً وعظمة.
في زمن الشاه المخلوع محمد رضا بهلوي، كانت مجلة نسائية ماجنة تصدر في طهران اسمها ("زن روز " يعني المرأة العصرية) ولا تستغرب اذا كان العلامة الشهيد آية الله المطهري يكتب فيها مقالاته الهادفة! ولذلك نالته السنة الجاهلين بالطبع، واشاعوا اقاويل كثيرة حوله بهدف النيل من شخصيته، بما فيهم بعض المتدينيين.
يقول الكاتب الايراني "مصطفى رحمان دوست" سألته يوماً لماذا تكتب مقالاتك في هذه المجلة وتضع صورتك بالعمامة .. انها لا تليق بمكانتك؟ فاجابني الشهيد المطهري: انكم تقرأون مقالاتي في الكتب والمجلات الدينية، ولكن قراء هذه المجلة لا يقرأون تلك الكتب والمجلات، فاحببت ان اوصل اليهم الافكار الاسلامية لعلهم يهتدون فهذا استمرار على خط الواجب التبليغي ليس اكثر.
*******