ضيف البرنامج: الدكتور الاستاذ سعد الشحمان
المحاورة: بسم الله الرحمن الرحيم سلام من الله عليكم أعزائنا المستمعين ورحمة منه وبركات مع حصاد آخر من العبر والدروس من ذخائر الأدب الفارسي ونفائسه نأتيكم به على أمل أن يتقبل الخالق منّا وأن تكون لنا ذخراً نستلهم منه الدلالات والإضاءات في حياتنا.
المحاورة: سنتوقف في لقاءنا معكم أيها الأحبة في هذا الأسبوع عبر جولة في أشعار مسعود سعد سلمان شاعر العهد الغزنوي الأيراني أصلاً الهندي مولداً والذي عرف من دعائم نظم القصائد على الأسلوب الخراساني، تلك الأشعار الخالدة التي عرفت على مر العصور بالحبسيات والتي نظمها خلال الفترة التي قضاها في سجون السلاطين الغزنويين والتي إستمرت على ماقيل ثمانية عشر عاماً. نرحب بكم خير ترحيب ونقدم لكم شكرنا سلفاً على هذا الوقت الذي خصصتموه للبرنامج ونرحب ايضاً بالأستاذ سعد الشحمان معنا في حلقة اليوم، أهلاً بكم أستاذ
الشحمان: أهلاً ومرحباً بكم وبالأخوة المستمعين الكرام، يسرنا أن اُسهم مرة أخرى بالتعريف بالتراث الإسلامي
المحاورة: ونحن كذلك
الشحمان: التراث المكتوب اللغة الفارسية لنقدم للمستمعين الكرام قطوفاً دانية من الدروس والعبر التي تحفل بها هذه الروائع
المحاورة: إن شاء الله، أستاذ ماذا عن سعد سلمان او مسعود سعد السلمان وعن حياته؟ تفضلوا
الشحمان: الشاعر المعروف مسعود سعد سلمان ولد سنة ٤۳۸ للهجرة، يقال إن أجداده ينحدرون من مدينة همدان الإيرانية وأن والده ايضاً كان من أهالي همدان ولكن الشاعر عاش فترة طويلة من حياته او ربما ولد في بلاد الهند وربما رحل صغيراً الى بلاد الهند وعاش بقية حياته في هذه البلاد وإحتفظ بلغته الفارسية ونظم بها بالإضافة الى إجادته اللغة الهندية او السنسكريتية.
المحاورة: جميل
الشحمان: كانت حياة مسعود سعد سلمان صادفت حكم الملوك الغزنويين، عاصر ستة من الملوك الغزنويين وخدم في بلاطهم وعندما ولى السلطان مسعود إبنه مجدود على حكم الهند بعث الشاعر سعد سلمان كما يقال في مقتبل عمره الى هذا البلد وعاش هناك، قضى هذا الشاعر وكما هو معروف عن حياته فترة يعتد بها من حياته في السجن يقال إنه قضى حوالي ثماني سنوات في السجون لجفوة حصلت بينه وبين الملك الذي كان يحكم في ذلك الوقت وأنشد خلال هذه الفترة التي عاشها في السجون أشعاره الشهيرة التي عرف بها والتي سميت بالحبسيات. في الحقيقة إن ظاهرة الحبسيات هي ظاهرة لاتقتصر على شاعرنا مسعود سعد سلمان وإنما جربها بعض الشعراء الآخرين مثلاً في تراث الشعر العربي نجد أبا فراس الحمداني ايضاً له نوع من أشعار الحبسيات عرفت في الأدب العربي بإسم الروميات
المحاورة: نعم يعني مايقال في السجن
الشحمان: نعم مايقال في السجن ومايعبر الشاعر من خلاله عن محنته في السجن. نعم الشاعر المعاصر ايضاً الصافي النجفي ايضاً له بعض الأشعار نظمها وهو يعيش في السجن. كما قلنا سبب شهرة هذا الشاعر هي القصائد الحبسية التي نظمها في سجنه وتعتبر هذه الحبسيات من أفضل نماذج هذا النوع من الشعر في الشعر الفارسي
المحاوزرة: جميل
الشحمان: بالنسبة للأسلوب الشعري لمسعود سعد سلمان وخصائصه، في الحقيقة يعتبر ناظماً للقصائد، يقال بالفارسية "قصيدة سرا" يعني يميل الى نظم القصائد الطويلة فبالإضافة الى الحبسيات فإن قسماً كبيراً من قصائده خصصها للمدح، مدح الحكام الذين عاصرهم فنحن نلاحظ اغلب الأشكال والقوالب الشعرية منعكسة في أشعاره وايضاً ضمّن أشعاره الكثير من المفاهيم والأغراض التي كانت متداولة في القرن الخامس الميلادي إلا أن مدائح هذا الشاعر قد تتخللها بعض المبالغة وهو تأثر ببقية الشعراء في هذا المجال، تأثر في مجال المدح بالشاعر الكبير عنصري وفي الأشعار الغزلية تأثر بأشعار الشاعر الكبير فرخي سيستاني بل أورد في بعض الأحيان من مضامين أغراض الشعراء من العهد الغزنوي وتأثر ايضاً بالشاعر الكبير الفردوسي ونحن نلاحظ هذا التأثر جلياً في المنتخبات التي إختارها الشاعر من ديوان الشاهنامة لأبي القاسم الفردوسي، يبدو أن الوقت قد أدركنا في الحلقة القادمة إن شاء الله سنحاول أن نكمل هذا الحديث حول هذا الشاعر.
المحاورة: شكراً لك ضيفنا الكريم على الصورة التي قدمتها لنا وللمستمعين الأعزة على أمل أن تكمل لنا في الأسبوع القادم بإذن الله من خلال تسليط الضوء على حبسيات الشاعر مسعود سعد سلمان وقيمتها الأدبية والفنية ومكانتها بن نظائرها من الأشعار الأخرى . شكراً لك
الشحمان: شكراً لكم ونلتقيكم في الحلقة القادمة
المحاورة: إن شاء الله، والان نرجو من المستمعين الأحبة متابعتنا في فقرة البرنامج التالية عبر جولة في جوانب من هذه الأشعار
المحاورة: في جولة من المقطعات حول حبسيات الشاعر مسعود سعد سلمان المترجمة شعراً الى اللغة العربية يبدو الشاعر السجين في طائفة منها قوياً مستهيناً بالمخاطر والأحداث التي من شأنها أن تهد عزائم الرجال فيما نراه في اخرى يبدو مهزوزاً خائر القوى، قد هده السجن فإذا به يستسلم او يكاد لليأس فنراه يقول تارة معلناً عن قوة عزمه التي لاتثنيه ولاتهدده الحصون مهما كانت رهيبة مرعبة:
ماعلى عزم المتين إذا ما
خرّ من قسوة الحصون الرهيبة
فأنين الفؤاد يعلو وئيداً
أنهكت عزمه وزادت وجيبة
الى أن الضعف البشري مايلبث أن يتسلل الى قلب شاعرنا ويسارع في العودة اليه وهو يرى نفسه حبيساً بين أسوار القلعة الشاهقة المرصوفة بالحجارة الصماء با أنه يطلق العنان لدموعه فتسيل معلنة خوار عزمه كشفاً عن لحظات ضعفه فيطلق عقيرته بالأنين والشكوى معلناً إنتصار هذه القلعة على إرادته وتمالكه لنفسه ويكاد أن يستسلم للجزع وتنهار نفسه لولا تعزيه بالشعر ولولا أن الله حباه بهذه الموهبة الفطرية التي من شأنها أن تنفس عن الهموم وتهب للشاعر الصبر والجلد وإذا به يهتف قائلاً:
قلعة الناي ياحصوناً أفاضت
دمع عيني وكاد قبل
فالهواء المحزون أتعب صدري
فهمى الدمع من عيوني نشيداً
أوَ ما كدت أيها الفلك الدوار
تقضي من العذاب عِليّاً
وأتاني الشعر الحبيب عزاءاً
عدت من نظمه القوي قوياً
وهكذا يستمد الشاعر قوته ويستعيد مقاومته وصموده ويلملم فلول إرادته فهو يرى نفسه ربّ الكلام وسيّد القوافي وفارس النظم والإنشاد والتعبير عن خلجات النفس فيعود اليه شيء من عزمه الشارد ويقبل نحوه قدراً من العزاء الذي كادت أن تفتك به القلعة الحجرية الصماء فيحاول أن يتعالى على الألم والمحنة ويسمو على آلامه وأوجاعه فينشد لنا أبياتاً هي من أجمل ما نظمه الشعراء في تحدي الصعاب ومآسي والتعالي عليها. فلنستمع معاً أخوتنا المستمعين الى الأبيات التالية التي بها سنختتم حلقتنا لهذا الأسبوع على أمل أن نستكمل جولتنا بين جنبات حبسيات الشاعر مسعود سعد سلمان في حلقة البرنامج القادمة بإذن الله تعالى
لن تهد السجون يوماً بنائي
لا ولم يدرك العذاب قضائي
إن قدري في السجون يعلو
وجاهي وغداً يعلم الزمان إبائي
هامتي تنطح السحاب وإني
بإبائي فوق الثريا أسير
جاري البدو والنجوم رفاقي
وكما شئت في مداها أطير