البث المباشر

جلال الدين محمد -۱٦

الإثنين 17 يونيو 2019 - 14:15 بتوقيت طهران
جلال الدين محمد -۱٦

في متابعتنا لاحداث قصة حياة الشاعر الايراني جلال الدين المولوي، ذكرنا ان مولانا قد تعرف على شمس وكان من عرفاء تبريز، وادت هذه المعرفة الى ان يهجر مولانا دروسه وجلسات وعظه، فلقاء العارف الرومي بشمس التبريزي كان ولادة جديدة لشاعر العرفان، جلال الدين محمد.
وفي تلك المدة ايقن مولانا ان وجوده هو في وجود شمس، وكان يحبه اكثر من اي شخص آخر، لقد تخلى جلال الدين من اجل شمس عن كل شيء حتى عن شهرته، لا بل انه نسى هيبته ووقاره اللذين كان يزينانه بين اهله في بيته وبين طلابه ومريديه في مدرسته ومجلس وعظه.
كان الرومي على استعداد لان يتخلى عن كل شيء من اجل شمس ويتبعه اينما حلّ ورحل ولسنا نبالغ انما هي حقيقة التاريخ اذا ما قلنا ان كل كلام غير كلام شمس كان يفتقد الجاذبية واللطف بالنسبة لمولانا. وعلى مدى ذلك الاختلاء العرفاني والكلام الروحاني بعيدا عن أعين النظار نمق شمس دنيا مولانا واستقطبه الى دنياه التي كانت دنيا التلهف والوله.
وما كان احد ليعرف شيئا عن ماضي هذا الغريب العابر، قد يكون ماضيه قد تبلور في روح لاتعرف للاستقرار من معنى، ما كان لشيء ان يدخل السرور في قلب شمس على مدى سنوات عمره. ولم يعلق خاطره بأحد، كان قد مضى من عمره 60 عاما. اما هو فكان يرى ان عمره قد انقضى ولم يستقر له في يوم منه قرار.
وانطلق شمس من تبريز ووصل به المقام في قونية، وخلال ترحاله مرّ على مدن عديدة وتوقف في بعض منها، لقد رأى شمس الكثير من مشايخ عصره، لكن لم يهدأ باله وكان قد هدأ حقا عندما حلّ في قونية وعندما التقى بجلال الدين محمد الواعظ والمفتي الخراساني الاصل والمهاجر الى بلاد الروم.
لقد ادرك جلال الدين حال شمس وعرف آلامه وكان يتفهم مشاعره، في تلك المدة كان مولانا يرى نفسه تلميذا حديث التعلم في مدرسة شمس واصبح مولانا رهن اشارة شمس لاينجز عملا الا بمشورته، ترى ما كان يريد شمس؟ وهل في مكنون قلبه كان شخص مولانا؟ الظاهر ان شمسا كان يريد ان يخرج مولانا من دنيا ضيقة دنيا الغرور الذي يستولي على ذات الانسان وينشأ عن الشهرة والزهو بالمقام.
وكان شمس يحول دون ان يحضر مولانا دروسه ومجالس وعظه كما كان قد ألف واعتاد لا بل ان مولانا قد باين مطالعته وتأملاته في آثار الماضين، ذلك ان شمسا كان يرى ان كل هذه الامور تحول دون ولوج القلب عالم الروح.
وطلب شمس من مولانا ان يكون سماعا. ذلك ان شمسا كان يعتقد ان الموسيقى تربط الانسان بعالم القلب وعالم الروح والعالم المفعم بالذوق والعشق الروحي.
اختلاء روحاني بين شمس ومولانا لم يظفر بالعبور منه احد الا صلاح الدين وكان شيخا وحسام الدين وكان شابا، والاثنان هما من مريدي مولانا، وبين صوتي الناي والربابة كان مولانا يغرق في بحر العرفان.
ولو اردنا الاسهاب في الحالة التي كان عليها مولانا وهو في معية شمس، لقلنا ان حديث شمس لمولانا ما كان ليضمه الكلام من عبارات وكلمات، كان شمس يحدث مولانا بلغة الاشارة يقول اشياء يعجز عن قولها اللسان. وثمة لغة اخرى استخدمها شمس انها لغة النظرات التي خالطتها لغة السماع لاسيما عندما كان يعجز الحوار عن بيان مكنون القلب واللسان، ومرت اوقات واوقات ومولانا غارق في بحر العارف التبريزي، كل شيء كان بالنسبة له في شمس في نظراته وفي روحانياته كان كل شيء في الوجود يتجلى عندم مولانا في شمس.
وانقضت اشهر ثلاثة خرج بعدها مولانا من اختلائه الروحي مع شمس، لكنه كان نسخة اخرى من جلال الدين غير جلال الدين الذي خرج ذات يوم من مدرسة باعة القطن وحظي بما حظي في موعد اللقاء مع الغريب الذي كلفه البحث عن المولوي السفر الطويل وكثير العناء.
وعاد مولانا الى طلابه الذين اشتاقوا اليه كثيرا، لكن لم تكن هناك مجالس درس ووعظ كان جلال الدين يجلس في مجالس شمس يستمع يها بك دقة الى حديث محبوبه شيخ القوم هذه المرة هو شمس لا جلال الدين شمس كان يتكلم بوقاحة ما كان ليحتملها مريدو جلال الدين. الا ان سكوت الرومي اسكت تلاميذه كذلك، واكثر طلاب جلال الدين كانوا مغتاضين من شمس وان اظهروا له التكريم في حضرة استاذهم. لقد هدد التلاميذ شمسا بالقتل وفي الحادث والعشرين من شوال من عام 644 او 643 حسب بعض الروايات غاب شمس عن الانظار حيث ترك قونية من دون ان يخبر مولانا عن عزمه على مغادرة هذه المدينة، وكان ان لقي حتفه من بعد ذلك على يد بعض تلاميذ الرومي كما كنا قد ألمحنا الى ذلك في هذا البرنامج، وفي الاسبوع القادم سنتابع الحديث عن جلال الدين محمد، شاعر العرفان.

*******

 

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة