مررت على ابيات آل محمدٍ
فلم أرها عهدي بها يوم حلت
فلا يُبعد الله الديار وأهلها
وإن أصبحت من أهلها قد تخلت
وكانوا رجاءً ثم صاروا رزيّة
ألا عظمت تلك الرزايا وجلت
الله لا تجعله آخر العهد من زيارتي قبر ابن أخي رسولك (صلى الله عليه وآله)، وارزقني زيارته أبداً ما أبقيتني، واحشرني معه ومع آبائه في الجنان، وعرّف بيني وبينه وبين رسولك وأوليائك.
لا زلنا نحوم حول الحائر الحسيني المبارك، نتقصى تاريخ عمارته، بعد أم اوقفتنا الروايات الشريفة على عظم فضله، منها قول الامام جعفر الصادق (عليه السلام): زوروا كربلاء ولا تقطعوها؛ فإن خير أولاد الانبياء ضمنته، ألا وإن الملائكة زارت كربلاء ألف عام ٍ من قبل أن يسكنها جديّ الحسين (عليه السلام).
وقال (عليه السلام): إن الله اتخذ بفضل قبره كربلاء حرماً آمناً مباركاً، قبل أن يتخذ مكة حرماً.
ومن قبل ذلك قال الامام السجاد (عليه السلام): اتخذ الله ارض كربلاء حرماً آمناً مباركاً قبل ان يخلق الله ارض الكعبة ويتخذها حرماً.
ومن قبلهما قال جدهما رسول الله (صلى الله عليه وآله): يقبر ابني بأرض يقال لها كربلاء، هي البقعة التي كانت فيها قبة الاسلام التي نجى الله عليها المؤمنين الذين آمنوا مع نوح في الطوفان.
وكم ورد تأكيد الائمة الاطهار على زيارة تلك البقعة الطاهرة، والتواصل مع قبر سيد الشهداء أبي عبد الله الحسين صلوات الله عليه، من ذلك ما جاء عن الامام ابي الحسن علي الهادي (سلام الله عليه): إن لله مواضع يحب أن يعبد فيها، وحائر الحسين (عليه السلام) من تلك المواضع. ان لله تعالى بقاعاً يحب ان يدعى فيها فيستجيب لمن دعاه، والحائر منها.
*******
نتلمس الاجابة عن هذا التساؤل في كلام خطيب المنبر الحسيني سماحة السيد محمد الشوكي في الحديث الهاتفي التالي:
المحاور: كربلاء المقدسة هي من البقاع المقدسة التي يحب الله تبارك وتعالى ان يزورها الناس طلباً لرحماته وبركاته جل جلاله، الامر الذي يشير الى حقيقة افضلية بعض البقاع عن غيرها وهي حقيقة نجد في كثير من النصوص الدينية من الآيات الكريمة والاحاديث تنبيهات لها وتعريف بها، لنستمع معاً اعزائنا الى ما يقوله ضيفنا الكريم في هذه الحلقة من برنامج "ارض الحسين (سلام الله عليه)"، سماحة السيد محمد الشوكي بهذا الخصوص.
السيد محمد الشوكي: بسم الله الرحمن الرحيم، اللهم صل على محمد وآل محمد، الحقيقة المطالع للنصوص الاسلامية يجد مجموعة كبيرة من النصوص التي تتحدث عن قدسية بعض الاماكن وبعض البقاع، حتى بالنسبة الى القرآن الكريم لما نقرأ القرآن الكريم نراه يتحدث عن بعض البقاع المباركة، كالبقعة التي نادى الله فيها نبيه موسى صلوات الله وسلام عليه وبعثه نبياً سماها القرآن بقعة مباركة، كذلك بعض الاراضي سماها القرآن اراضي مباركة، كذلك النصوص الاسلامية الاخرى يعني على مستوى الحديث تحدثت عن مجموعة من الاراضي والبقاع التي وصفتها بالبركة وبغير ذلك من الاوصاف، السر في ذلك، السر في تفضيل بعض البقاع على غيرها السر الحقيقي لا يعلمه الا الله تبارك وتعالى، هناك بعض النصوص تتحدث عن استجابة بعض البقاع للامر الالهي وهذه اسرار في الحقيقة لا نستطيع ان ندركها ربما بعقولة القاصرة، القرآن وان كان واضحاً في ذلك فقال لها وللارض اتيا طوعاً او كرهاً قالت اتينا طائعين، ربما يظهر من بعض النصوص ان للاراضي نوع ادراكي لا اقول ادراك كادراكنا وانما يوجد نوع ادراك نوع طاعة ولهذا تشهد على الانسان يوم القيامة كما ورد في النصوص الشريفة، على اية حال ربما البعض من الاسباب يرجع الى هذا المعنى ان لها امتثال للاوامر الالهية والا كيفية نعرف طبيعته ونعرف كيفيته هذا من جهة، من جهة اخرى شرافة بعض البقاع بما يقع فيها وبما يقع عليها مثلاً بعض البقاع شرفت لانها تضمنت جسد المعصوم (سلام الله عليه) سواء كان نبياً او كان ولياً طبتم وطابت التي فيها دفنتم، ربما بعض الاراضي فضلت وشرفت لانها احتضنت وقائع تأريخية مهمة وعظيمة في تاريخ الصراع بين الحق والباطل، اذن يمكن ان نلمح مجموعة من الاسباب والاسرار في تفضيل بعض البقاع على غيرها من البقاع الاخرى ربما لان بعضها فضل مثلاً لانه مجتمع المؤمنين الذين يجتمعون فيه بالدعاء والتبتل كأرض عرفة الاماكن المقدسة في مكة والمدينة، اذن هناك اسباب التي تؤدي الى تفضيل وتشريف بعض الاراضي والبقاع على غيرها.
شكراً لسماحة السيد محمد الشوكي على ما بينه في الاتصال الهاتفي المتقدم، وشكراً لكم احبائنا على طيب الاصغاء للحلقة الخامسة عشرة من برنامج "ارض الحسين (عليه السلام)".
*******
والآن نواصل الحديث حول تاريخ مرقد الامام الحسين (عليه السلام) في القرن الهجريّ الاول، فنجد المصادر التاريخية تؤكد بأنه كانت هنالك شجرة سدرة في كربلاء ـ أيام الحكم الاموي ـ يستظل بفيئها، ويستدل بها على قبر الامام الحسين الحسين (عليه السلام)؛ولذلك سميّ الباب الواقع في الشمال الغربيّ من صحن الحائر الحسينيّ ـ فيما بعد ـ بـ (باب السدرة). وقد امتد عمر بناء الحرم الحسيني المؤلف من المسجد والمرقد ذي القبة طوال العهد الامويّ، بالرغم من المسالح المزاحة والمانعة للزوّار؛ لصدّهم عن قصد قبر سيّد الشهداء (عليه السلام).
ولما ضعفت الدولة الامويّة في أواخر عهدها، كسر حاجز الخوف، فتدفقت الافواج من الزائرين على زيارة الحسين، حتى لم يتمكن أحد من منعهم، وحتى انصرف الذين عزموا على تخريب المرقد عن قصدهم.
وقد ثبت المؤرخون لسنة ۱۲۲ هجرية ـ أي في عهد هشام بن عبد الملك الحاقد على اهل البيت تقاطر الزوّار على الضريح المقدّس يتبركوّن به، فكتب السيد محمد بن أبي طالب في (نزهة المجالس وزينة المجالس) أنه اتخذ على الرمس الأقدس ـ أي المرقد الحسيني ـ في عهد الدولة المروانية مسجد. ولعلّ المقصود من ذلك قصد الناس لذلك المسجد للزيارة والصلاة فيه، والا فإنه انشيء قبل ذلك.
أما بعد سقوط الدولة الاموية عام ۱۳۲ هجريّ، وقيام الدولة العباسية ابتداء من حكم أبي العباس السفاح، فقد فسح المجال لزيارة قبر الامام الحسين (عليه السلام)، وبنيت سقيفة أخرى على جانب القبر تظل القبر قبور الشهداء. حتى جاء المنصور الدوانيقيّ ـ الذي حكم ما بين سنة مئة وست وثلاثين ومئة وثمان وخمسين هجرية، فصب جام غضبه على آل البيت وأتباعهم، وعقب آثار الائمة متطاولا ً في ذلك على القبر المطهر لسيد شباب اهل الجنة أبي عبد الله الحسين (سلام الله عليه).
فهدم عام ستةٍ وأربيعن ومئةٍ هجريّ تلك السقيفة التي أظلت القبر الشريف، وفي ذلك يقول الشيخ محمد طاهر السمّاويّ:
وشيّدوا البنا عليه قبة
ذات سقيفة لتأوي العصبة
ثم دعا المنصور حقد أيّد
فثل من أحقاده المشيد
فلما ولىّ المنصور الى حيث ما يستحقه من غضب الله عام ثمانيةٍ وخمسين ومئة اعيد تشييد السقيفة.
ولما كانت سنة مئة وثلاث وتسعين هجريّة، ضيق هارون الرشيد على زائري قبر الحسين (عليه السلام)، وقطع السدرة التي كانت عند القبر وكانت دليلاً أليه، وكرب موضع القبر الشريف، وهدم الابنية التي كانت تحيط بضريح سيّد الشهداء وقبور الشهداء، ثم زرع تلك الأرض ليمحو بذلك أي أثر ومعلم لواقعة طفّ كربلاء، وذلك على يد واليه على الكوفة موسى بن عيسى وكان لأبن عياش ويحيى الحمّاني قصة رؤيا في ذلك، أنكراً فيها على والي الرشيد هذا ما فعله بقبر الامام الحسين (عليه السلام).
ويبقى الأمر هكذا الى أن جاء المأمون، فكان من سياسته الشيطانية امتصاص نقمة الموالين لأهل البيت وإخماد حرارة ثوراتهم بعد مظلوميتهم على امتداد التاريخ، أن فسح المجال لزيارة القبر الطاهر، وبناء قبةٍ وتشييد حرم واسع، فعادت السكنى من جديد في كربلاء، وذلك سنة ثمانٍ وتسعين ومئة هجرية.
وبذلك يكون قد حصل تعميران:
الاول: خلال فترة الصراع بين الأمين والمأمون ما بين عامي ثلاثة وتسعين ومئة وثمانية وتسعين ومئة.
والثاني: بعد قتل المأمون لأخيه الأمين، وطمع المأمون في استحكام ملكه من خلال سياسات وإجراءات سريعة ومهمة، كان منها ارضاء العلويين، ورفع حرمانهم من زيارة مولاهم أبي عبد الله الحسين (عليه السلام).
اذن يتضح من العرض التأريخي المتقدم أن طواغيت بني العباس قد ساروا في محاربة زيارة الحرم الحسيني المقدس كخط اسراتيجي عام وإن كانوا قد تجنبوا التشديد في بعض الاوقات لمصالح سياسية معينة.
*******