بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على صفوة الله المصطفى رسول الله واله الهداة إلى الله. السلام عليكم أيها الأحباء.. وأهلا بكم في لقاء اليوم من هذا البرنامج أيها الأطائب.
إن من كرم الله عزوجل أن جعل الدعاء وسيلة لقضاء حوائج العباد ودفع البلاءات عنهم من جهة ومن جهة ثانية جعله وسيلة لإعطائهم الثواب الأخروي الجزيل أيضا. وهذا ما يصرح به مولانا الإمام الصادق – عليه السلام – في حديث دعاء (الإستفتاح) المبارك الذي علمه للسيدة الجليلة أم داوود الحسني فأنقذ الله به ولدها من حبس الطاغية العباسي أبي جعفر المنصور، لنتأمل مستمعينا الاكارم في قصة هذا الدعاء فهي تحمل دروسا عبادية جليلة، فكونوا معنا.
جاء في رواية السيد الجليل ابن طاووس لرواية عمل داوود في كتابه القيم (إقبال الأعمال) قوله – رضوان الله عليه –: (إن المنصور لما حبس عبدالله بن الحسن وجماعة من آل أبي طالب وقتل ولديه محمدا وإبراهيم، أخذ داوود بن الحسن بن الحسن وحمله مكبلا بالحديد. قالت أم داوود: فغاب عني حينا بالعراق ولم أسمع له خبرا، ولم أزل أدعو وأتضرع إلى الله جل اسمه وأسأل إخواني من أهل الديانة والجد والإجتهاد أن يدعوا الله تعالى لي وأنا في ذلك كله لا أرى في دعائي الإجابة. فدخلت على أبي عبد الله جعفر بن محمد صلوات الله عليه يوما أعوده من علة وجدها، فسألته عن حاله ودعوت له فقال لي: يا أم داوود! ما فعل داوود؟ وكنت قد أرضعته – عليه السلام – بلبنه؟ فقلت: يا سيدي، وأين داوود وقد فالرقني منذ مدة طويلة وهو محبوس بالعراق، فقال: وأين أنت عن دعاء الإستفتاح، وهو الدعاء الذي تفتح له أبواب السماء، ويلقى صاحبه الإجابة من ساعته، وليس لصاحبه عند الله تعالى جزاء إلا الجنة؟ فقلت له: كيف ذلك يا ابن الصادقين؟ فقال لي: يا أم داوود قد دنا الشهر الحرام العظيم شهر رجب، وهو شهر مسموع فيه الدعاء، شهر الله الأصم، فصومي الثلاثة الأيام البيض، وهو يوم الثالث عشر والرابع عشر، والخامس عشر، واغتسلي في يوم الخامس عشر وقت الزوال وصلي الزوال ثماني ركعات تحسني قنوتهن وركوعهن وسجودهن. ثم صلي الظهر وتركعين بعد الظهر، وتقولين بعد الركعتين: يا قاضي حوائج السائلين -مائة مرة-، ثم تصلين بعد ذلك ثماني ركعات – وفي رواية اخرى: تقرئين في كل ركعة -يعني من نوافل العصر- بعد الفاتحة ثلاث مرات (قل هو الله أحد) وسورة الكوثر مرة، ثم صلي العصر. ولتكن صلاتك في ثوب نظيف واجتهدي أن لا يدخل عليك أحد يكلمك، واجتهدي أن تسح عيناك ولو بقدر رأس ذباب دموعا، فإن آية الإجابة لهذا الدعاء حرقة القلب وانسكاب العبرة، واحفظي ما علمتك فإن فيه اسم الله الأعظم الذي إذا دعي به أجاب، وإذا سئل به أعطى، فلو أن السموات والأرض كانتا رتقا والبحار من دونها كان ذلك عند الله دون حاجتك لسهل الله تعالى الوصول إلى ذلك، ولو أن الجن والإنس أعداؤك لكفاك الله مؤونتهم وذلل رقابهم.
مستمعينا الأفاضل أكمل الإمام الصادق – عليه السلام – تعليم هذه الأمة الصالحة تفصيلات دعاء الإستفتاح فبعث في قلبها جميل الرجاء بلطف الله عزوجل، جاء في تتمة الرواية: (قالت أم داوود فكتبت هذا الدعاء وانصرفت ودخل شهر رجب وفعلت مثل ما أمرني به (تعني الصادق عليه السلام) ثم رقدت تلك الليلة، فلما كان في آخر الليل رأيت محمدا صلى الله عليه وآله وكل من صليت عليهم من الملائكة والنبيين، ومحمد صلى الله عليه وآله وعليهم يقول: يا أم داوود أبشري وكل من ترين من أعوانك وإخوانك وكلهم يشفعون لك، ويبشرونك بنجح حاجتك وأبشري فإن الله تعالى يحفظك ويحفظ ولدك ويرده عليك. قالت أم داوود: فانتبهت فما لبثت إلا قدر مسافة الطريق من العراق إلى المدينة للراكب المجد المسرع العجل، حتى قدم علي ولدي داود، فسألته عن حاله فقال: إني كنت محبوسا في أضيق حبس وأثقل حديد وأثقل قيد، إلى يوم النصف من رجب. فلما كان الليل رأيت في منامي كأن الأرض قد قبضت لي، فرأيتك على حصير صلاتك، وحولك رجال رؤوسهم في السماء، وأرجلهم في الأرض يسبحون الله تعالى حولك، فقال لي قائل منهم حسن الوجه، نظيف الثوب، طيب الرائحة خلته جدي رسول الله صلى الله عليه وآله: أبشر يا ابن العجوزة الصالحة، فقد استجاب الله لأمك فيك دعاءها. فانتبهت ورسل المنصور على الباب، فأدخلت عليه في جوف الليل فأمر بفك الحديد عني والإحسان إلي وأمر لي بعشرة آلاف درهم، وحملت على نجيب وسوقت بأشد السير وأسرعه، حتى دخلت المدينة.
أيها الإخوة والأخوات، ولم تعرف هذه العلوية الطاهرة – رضوان الله عليها – سبب تغيير موقف الطاغية المنصور تجاه ولدها وإطلاقه سراحه حتى أخبرها بذلك الإمام الصادق – عليه السلام – الذي أطلعه الله عزوجل على غيبه، جاء في خاتمة الرواية: قالت أم داوود: فمضيت به إلى أبي عبد الله عليه السلام، فقال عليه السلام: إن المنصور رأى أميرالمؤمنين عليا عليه السلام في المنام يقول له: أطلق ولدي وإلا ألقيتك في النار، ورأى كأن تحت قدميه النار، فاستيقظ وقد سقط في يديه فأطلقك يا داوود. قالت أم داوود: فقلت لأبي عبد الله عليه السلام: يا سيدي أيدعى بهذا الدعاء في غير رجب؟ قال نعم، يوم عرفة، وإن وافق ذلك يوم الجمعة لم يفرغ صاحبه منه حتى يغفر الله له، وفي كل شهر إذا أراد ذلك صام الأيام البيض ودعا به في آخرها كما وصفت. وفي روايتين: قال: نعم في يوم عرفة، وفي كل يوم دعا، فإن الله يجيب إن شاء الله تعالى.
وها نحن نصل أيها الإخوة والأخوات إلى ختام حلقة أخرى من برنامج (دعوات وإجابات) نشكر لكم حسن استماعكم له من إذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في إيران، في أمان الله.