السلام عليكم أحبة المصطفى _صلى الله عليه وآله_ أهلاً بكم في حلقة أخرى من هذا البرنامج نتعرض فيها لمعرفة خصوصية أخرى من خصوصيات بيان سيد البلغاء والفصحاء وصاحب المحجة البيضاء والشريعة السمحاء _صلى الله عليه وآله_.
إنها خصوصية ينبغي لكل مبلغٍ وداعية اسلامي أن يجعلها نصب عينه وهو يعرض الإسلام على الآخرين... ألا وهي خصوصية الشمولية والجامعية في بناء الشخصية الإسلامية لدى المخاطب وللتفصيل تابعونا مشكورين.
النبي الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يستعين بالخطبة والمثل والوصيّة والحكمة والنثر المرسل في موجات من الكلام البديع رافقت عمليات التغيير والبناء التي كان يمارسها (صلى الله عليه وآله وسلم)، وهو يبلّغ للبشرية خاتمة الرسالات الإلهية الكاملة والخالدة الى يوم القيامة.
اتّخذت هذه الأساليب النبوية في التبليغ منهج البناء التدريجي للأطر الاجتماعية والسياسية والإقتصادية لمجتمع التوحيد، وكان الرسول يمارس عملية البناء هذه بأسلوب العمل والإسناد الإعلامي المتزامن مع هذا التغيير، فالنبي يسند هذا العمل والتغيير بالحكمة والمثل.
لقد صار الأدب النبوي ينبوعاً ثرّاً للأفكار والمعاني والنظريات، فتحمل الأحاديث الشريفة لنا سيلاً من الأفكار و الرؤى، سواء كانت في عالم الإقتصاد أو لإدارة أوتنظيم الاسرة أو غيرها من شؤون المجتمع البشري التي لا يمكن حصرها وعدّها… ويظهر للمتأمل والدارس أن هذه النصوص قد استوعبت شؤون الإنسان كلّها. لاحظوا أعزاءنا مثلاً قوله _صلى الله عليه وآله_: "من اقتصد في معيشته رزقه الله، ومن بذّر حرّمه الله".
فهذا نصّ يوحي بمبدأ اقتصادي أصبح يدخل في برامج الدول والحكومات في البرمجة لاقتصادها ولتجنيبها أزمة اقتصادية كبيرة تعاني منها المجتمعات الاستهلاكية، فالمفردات الصغيرة واليومية للأسرة تنعكس على الاقتصاد الوطني والقومي، والاقتصاد القومي يعتمد على السيطرة على السلوك الاستهلاكي للفرد، فوضع دالّة اقتصادية إرشادية للمستهلك خير معين لاقتصاد الدولة، وهذا ما حملته نظائر النص النبوي المتقدم ذات المحتوى الاقتصادي. وهكذا الحال في الشؤون الحياتية الأخرى.
مستمعينا الأفاضل، ونلتقي في رواية أخرى باسلوب من البيان النبوي، يشتمل على شمولية البناء للشخصية الإسلامية في شؤونها المعنوية والإجتماعية، فقد روي عن أبي ذر الغفاري رضوان الله عليه قال:-
((دخلت المسجد الحرام والنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) جالس، فجلست اليه فقال: "إن للمسجد تحية وتحيته ركعتان، قم يا أباذر فاركعهما" فقمت فركعتهما وجلست إليه فقلت: يا رسول الله، إنك أمرتني بالصلاة، ما الصلاة؟ قال: "الصلاة خير موضوع استكثر أم استقلّ".
قلت: فأي الصلاة أفضل؟ قال: "طول القنوت ".
قلت: فأي الليل أفضل؟ قال: "جوف الليل الغابر".
قلت: فأي المؤمنين أفضل ايماناً؟ قال: "أحسنهم خلقاً".
قلت: فأي ألمسلمين أسلم؟ قال "من سلم الناس من يده ولسانه".
قلت: فأي الهجرة أفضل ؟ قال: "من هجر السيّئات".
قلت: فاي الجهاد أفضل: قال: "من عقر جواده وأهريق دمه".
قلت: فأي الرقاب أفضل؟ قال: "أغلاها ثمناً وأنعمها عند أهلها".
قلت: فأي الصدقة أفضل؟ قال: "جهد من مقلّ الى فقير محتاج".
قلت: فأيّ آية نزلت عليك أفضل؟ قال: "آية الكرسي".
أيها الأخوة والأخوات، وفي ختام هذا اللقاء نلخّص النتيجة التي نستفيدها مما تقدم فيه وهي أن البيان المحمدي إمتاز بسعيه لبناء مقومات الشخصية الإسلامية بجميع أبعادها الذاتية والإجتماعية فلا يغفل جانباً منها لإهتمامه بجانبٍ آخر وهذه في الحقيقة هي الميزة المحورية للشريعة الخاتمة التي جاء بها سيد الرسل- صلى الله عليه وآله-، وبهذا ننهي اعزاءنا حلقة اليوم من برنامج (تأملات في أدب المصطفى) استمعتم لها من إذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران، تقبلوا منا خالص التحيات ودمتم بكل خير.