سلام من الله عليكم أيها ألأحبة ورحمة منه تعالى وبركات.
تحية مباركة طيبة نستهل بها لقاء اليوم من هذا البرنامج، ولنا فيه إشارات الى عناصر الخيال في أدب سيد البلغاء والفصحاء _صلى الله عليه وآله وسلم_ وما يميزه عن الخيال لدى سائر أرباب البيان... تابعونا على بركة الله.
لايخفى عليكم مستمعينا الافاضل، أن عنصر الخيال يعتبر من أهم عناصر الأدب والفن عموما ومن أبرز مقوماته.
وقد ظهر هذا العنصر في الكلام المحمدي بصور بليغة تميزه عن غيره من كلام الفصحاء... فمثلا جعل النبي الأكرم _صلى الله عليه وآله وسلم_ وفي صورة جميلة جعل العلماء مصابيح تطرد ظلام الجهل، وبعلومهم تهتدي قوافل السائرين فقال: "إن مثل العلماء في الأرض كمثل النجوم في السماء يهتدى بها في ضلمات البر والبحر، فإذا طمست أوشك أن تضل الهداة".
وثمة فارق مهم بين الخيال عند الأديب وعند النبي صلى الله عليه وآله وسلم ـ لأن الأديب يحمل تصورات وتمنيات بعضها يميتها الزمن وبعض منها يحيا فيقيدها الواقع بقيد الحقيقة، أما النبي _صلى الله عليه وآله وسلم_ فإنه يضع أمام الناس صورة المستقبل غير المرئي لمن عايشه وأدرك زمانه.
ومن الخيال المبدع أو بتعبير آخر الإدراك المبدع للرسول صلى الله عليه وآله وسلم قوله واصفا صلاة المنافق: "يجلس يرقب الشمس، حتى إذا كانت بين قرني الشيطان قام فنقرها أربعا لايذكر الله فيها إلا قليلا".
ان الرسول _صلى الله عليه وآله وسلم_كان يرى الرؤيا وهي زيادة كمال وعلم وقناة اتصال مفتوحة مع المولى القدير وأنساً له صلى الله عليه وآله.
اما الخيال لدى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فهو حاسة باطنة كبقية الحواس ينزر من خلالها الأشياء.
والخيال يقوم بتأليف علاقة ورابطة بين الأشياء التي ليس لها تآلف حقيقي ورابط في الوجود الخارجي بل يخلق لها خطوط اتصال من خلال حواس باطنية سميت بالخيال المؤلف، ومن الخيال النبوي المؤلف قوله _صلى الله عليه وآله وسلم_ "أن الولد الصالح ريحانة من رياحين الجنة"
ومن ذلك قوله: "العلم خزائن ومفتاحه السؤال فاسألوا يرحمكم الله فأنه يوجر فيه أربعة: السائل، والمعلم، والمستمع، والمحب لهم".
كل هذه الأمور مستمعي الكريم ونظائره المنشورة في كتب الحديث النبوي قد تشكلت وترتبت بالخيال الخلاق الذي هندس خيوط الارتباط بين عناصر الصورة وأجزائها. ولا يعني عنصر التخيّل في الأدب النبوي تصوير أوهام أو طرح الواقع الوهمي الذي لا يمكن إدراك أبعاده في المدركات الذهنية للإنسان، وانما هو عملية تصوير فعنصر الصورة أو العنصر الصوري هو نتيجة حتمية لعملية التخيل الفني …أجل.. الخيال الفني يقوم بتركيب الصورة أوتعميقها أو توضيحها وتقريبها أو تأكيدها، فقد تكون الصورة مرئية إلا أن الخيال الفني أو التخيل يعيد تصويرها بإعادة تركيب عناصرها أو ألوانها أو أبطالها.
ونستطيع القول إن الخيال ــ كما يسمى ــ هو مظهر من مظاهر أدب ألوصف لدى النبي الأكرم صلى اله عليه وآله وسلم، فالوصف الذي ينقله لنا النبي هو تحويل هذه الصورة من خلال عدسة يمتلكها النبي صلى الله عليه وآله وسلم، أو من حاسة باطنة مودعة في عقله وقلبه نرى الحقائق ونبصرها ماثلة مشخصة، إلا أننا لانمتلك هذه العدسة فنطلق على ماغاب عن بصرنا بالخيال أو رؤيا الخيال.
وختاما نشير أعزاءنا المستمعين الى أن المتأمل في ظهور عنصر الخيال في الكلام النبوي يلاحظ بوضوح أمرين، الأول صدق الخيال فيه وتعبيره عن الواقع بصورة دقيقة، أما الثاني فهو تجنيد هذا العنصر لإيقاع التأثير المطلوب في نفوس السامعين للكلام النبوي بحيث تتفاعل قلوبهم مع الحقائق التي يجسدها.
وبهذه الملاحظة نختم أيها الأكارم لقاء اليوم من يرنامج (تأملات في أدب المصطفى) صلى الله عليه وآله وسلم، قدمناه لكم من إذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في إيران، تقبل الله منكم جميل الإصغاء ودمتم في رعايته سالمين.