السلام عليكم أعزائنا ورحمة الله، تحية مباركة طيبة نهديها لكم وندعوكم بها للإستماع لحلقة اليوم من برنامجكم هذا ووقفة عند الحوار الهادئ في أدب النبي الأكرم _صلى الله عليه وآله_ وعترته الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين _كونوا معنا_.
أعزائنا المستمعين كان الرسول الأكرم _صلى الله عليه وآله_ يحترم ويحاور الثقافات والأديان المتنوعة انطلاقا من مبدأ "لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ" فكان كثير من معتنقي الديانات الأخرى مهما كانت يلمس هذا الإحترام والتفهم لهم ولمعتقداتهم مما أسلم كثير منهم بلغة الحوار والمناقشة العلمية الهادئة بعيداً عن لغة السيف والتهديد، وكان الأئمة المعصومون _عليهم السلام_ اقتداء بجدهم النبي _صلى الله عليه وآله وسلم_ يعقدون المؤتمرات والحلقات الفكرية والعلمية لمختلف التيارات الدينية والفكرية المعادية للإسلام، وقد سجلت لنا الوثائق التاريخية حوارات الإمام الصادق _عليه السلام_ الرائعة في المدينة المنورة بدون ممارسة أي نوع من أنواع التسلط والإرهاب الفكري مع الخصوم، مستلهما سيرة جده النبي _صلى الله عليه وآله وسلم_ في حواراته مع الطوائف والأديان. ومثل ذلك نقرأه في سيرة الإمام الرضا – عليه السلام – ومناظراته المباركة مع أرباب وعلماء الأديان المختلفة في مجلس الطاغية العباسي المأمون، كما كانت للإمام الباقر _عليه السلام_ حوارات مؤثرة مع علماء النصارى في الشام أيام استجلاب الطاغية الأموي هشام بن عبد الملك له – عليه السلام – بهدف إخضاعه للإقامة الجبرية فيها، وبسبب شدة تأثير الحوار الهادئ الذي أجراه باقر علوم النبيين _عليهم السلام_ على علماء النصارى إضطر الطاغية الأموي هشام ابن عبد الملك إلى التراجع عن قراره و إعادة الإمام الباقر _عليه السلام_ إلى المدينة المنورة.
مستمعينا الأفاضل، إن النماذج المتقدمة وغيرها المشهودة في تراث أئمة العترة المحمدية _عليهم السلام_ هي جميعا تعرفنا في الواقع بخصوصيات كلام جدهم المصطفى _صلي الله عليه وآله_ في الحوار الهادئ، فهم المعبرون حقاً عن خصوصيات الأدب المحمدي..
الأدب النبوي والأدب المحمدي
فمثلا ليسا بغريب عن الإمام علي _عليه السلام_ أن يكون كلامه مثل سيده وأستاذه المصطفى _صلى الله عليه وآله وسلم_ الذي زقّه العلم وأوقفه العلم على باب مدينته فجعله مسلك مدينة العلم والطريق الذي ينبغي أن يورد لمن أراد التعلم والتفقه، وما الفصاحة والبلاغة والبيان إلا صفحة من صفحات العلم والأدب النبوي، فملكة الفصاحة والبلاغة العلوية هي مظهر من مظاهر الأدب والفصاحة التي اتسم بهذا الأستاذ، وقد برع بها الإمام علي _عليه السلام_ براعة حملت أعدائه وحساده على الإقرار بها...
نعم لقد كان الإمام يستفيد من أدب النبي وعلومه وفنه، فلا يمكن فصم الأدب ألعلوي عن الأدب النبوي فالنبي _صلى الله عليه وآله وسلم_ وعلي _عليه السلام_ نور واحد وشجرة واحدة، يقول النبي: " خلق الناس من شجر شتي، وخلقت وعلي بن أبي طالب من شجرة واحدة".
وما الفصاحة والبلاغة إلا ورقة ناصعة تتلألأ من إشعاع روحيهما، لأن الإشعاع الذي سطع هو من فيض الأنوار الربانية ويمر بالنبي أولا ثم ينعكس في علي _عليه السلام_ وعقله، فالإشارات والتلميحات لا يفهمها كل إنسان، وإنما تلتقطها حواس الأنبياء والأوصياء، فاللغة الإيمائية وغير المباشرة تترجم في حس النبي وعقله إلى صور واقعية يدرك مداها وأبعادها.. وهذا الإلتقاط للإشارات الكونية والتلميحات الكائنة في الوجود يوجد عند الإمام أيضا.. وهذا الفهم جاء لعلي _عليه السلام_ من قلب النبي _صلى الله عليه وآله وسلم_ ولا يمكن للإمام أن يدرك شيئا إلا من خلال قلب النبي وعقله، فلم يزل هذا ملازما له.. وكل ما لدي علي _عليه السلام_ من فيض وجود النبي _صلى الله عليه وآله وسلم_ وشلال عطائه.. وكلّه ذلك من فضل الباري عزوجل ولطفه..
يقول الإمام علي _عليه السلام_ فيما يقول عن نشأته في أحضان الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم):.. "ولقد كنت أتبعه اتباع الفصيل أثر أمه يرفع لي في كل يوم من أخلاقه علما، ويأمرني بالإقتداء به. ولقد كان يجاور في كل سنة بحراء فأراه، فلا يراه غيري. ولم يجمع بيت واحد يومئذ في الإسلام غير رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وخديجة و أنا ثالثهما أرى نور الوحي والرسالة، وأشم ريح النبوة". ولقد سمعت رنة الشيطان حين نزل الوحي عليه (صلى الله عليه وآله وسلم) فقلت: يارسول الله ما هذه الرنة ؟ "فقال: هذا الشيطان قد أيس من عبادته. إنك تسمع ما أسمع وترى ما أرى، إلا أنك لست بنبي ولكنك لوزير وإنك لعلي خير".
ومن الأدب النبوي قوله _صلى الله عليه وآله وسلم_ في البغي: " لو بغي جبل على جبل لجعل الله عزوجل الباغي منهما دكّاً" وفي ذلك يقول الإمام علي _عليه السلام_ : "لو بغى جبل على جبل لهلك الباغي".
وبهذا النموذج المحمدي العلوي ننهي مستمعينا الأكارم حلقة اليوم من برنامج (تأملات في أدب المصطف) إستمعتم لها من إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في إيران تقبل الله منكم حسن الإصغاء ودمتم في رعايته سالمين.