خبير البرنامج: الدكتور هاشم الحسيني الباحث الإجتماعي والإسلامي من بيروت
بسم الله الرحمن الرحيم
مستمعينا في كل مكان طابت أوقاتكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أهلا ومرحبا بكم مستمعينا الكرام في لقاءٍ جديد لبرنامج(آداب شرعية لحياة طيبة) وموضوع هذه الحلقة هو(حسن الظن). نأمل أن تقضوا وقتاً ممتعا مع فقرات هذه الحلقة.
أيها الإخوة والأخوات:- من العوامل التي تؤدي الى راحة البال وهناء العيش وصفاء الفكر وطمأنينة القلب، النظرة المتفائلة وحسن الظن بالآخرين. ولعل الثقة وحسن الظن بالخلق وبالحياة وبخالق الحياة أفضل ضمان للعيش الرغيد والحياة السعيدة.
الاسلام دعا الى حسن الظن من اجل ان يعيش افراد المجتمع في حب وسلام ووئام، وان يسود التعاون والبر والعطاء بين افراد المجتمع، ولضمان الوحدة والاتحاد ونبذ الفرقة والاختلاف وترك العصبية والغرور والأنانية.
يقول الله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ". (سورة الحجرات :۱۲)
وقال تعالى: "وَظَنَنتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنتُمْ قَوْمًا بُورًا". (سورة الفتح:۱۲)
اما سوء الظن بالله تعالى الخالق المنعم المتفضل فاستمع لما يقوله سبحانه "وذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنتُم بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ". (سورة المائدة:۲۷)
أيها الإخوة والأخوات، وفي الأحاديث المروية عن اهل البيت الاطهارعليهم السلام: "ان حسن الظن بالله تعالى ينجي الانسان ويدخله الجنة".
هذا فيما يتعلق بالعلاقة مع الله عزّ وجل، أما عن حسن الظن بالآخرين فقد جاء في وصية للامام علي بن ابي طالب –عليه السلام- لولده الحسن عليه السلام: "يا بني قارن اهل الخير تكن منهم وباين اهل الشر تبن منهم. لايغلبن عليك سوء الظن فانه لايدع بينك وبين صديق صفحا".
ومن هنا، مستمعينا الكرام، يتضح إن سوء الظن بالاخرين يقترن مع النظرة المتشائمة للحياة والامام امير المؤمنين ينهى عن سوء الظن بالآخرين لأنه يخرق المجتمع ويباعد بين افراده.
بينما حسن الظن يحفظ المجتمع ووحدته وانسجامه ويكون قويا متماسكا ويتبادل أفراده نظرات الحب والوداد.
مع سوء الظن يقف المرء مترددا في مواقف الحياة لايعقد صفقة تجارية ولايدخل في شراكة مع أحد ولايتعامل مع غيره خوفا من القدر. فيقف الانسان وحيدا في خضّم الحياة لايجد من يواسيه ويدله على الطريق الصحيح- طريق الحياة الناجحة السعيدة.
مستمعينا الكرام، ضيفنا الكريم في هذا اللقاء الدكتور هاشم الحسيني، الباحث الإسلامي والإجتماعي من بيروت، يحدثنا عن آثار حسن الظن بالآخرين، على الفرد والمجتمع، فلنستمع معاً لما يقوله الدكتور هاشم الحسيني.
الحسيني: من المفترض في العلاقات الإجتماعية ان تكون الصراحة سائدة بين جميع الفرقاء وإذا جاءني شخص ليخبرني شيئاً او يطلب مني شيئاً آخر عليّ أن أصدقه بإعتبار أن من المفترض أن يكون صادقاً في قوله ولكن هذه مسئلة يمكن ان تعرض صاحبها الى المخاطر بمعنى أن هذا الشخص الذي يحدثني ربما لايكون صادقاً فيما ذهب اليه وهو يريد شيئاً آخر قد أخفاه في نفسه وبذلك يكون قد ضللني وجعلني ضحية هذه المسئلة. طبعاً خطورتها تتعلق بمدى أهمية هذه القضية التي نبحثها ولكن من حيث المبدأ عليّ أن أصدق ومن ثم أعود الى الشك ولكن لاأشك في كل مايقال لي أما إذا كنت ضحية هذا الشك فيعني ذلك أن حسن الظن بالآخرين سبباً من أسباب الإضرار بالذات وهذا ايضاً سبباً من أسباب الإضرار بالعلاقات الإجتماعية لأن مثل هذه الظاهرة لو تكررت يمكن أن تتسبب بموقف مرتاب من الآخرين وإنعدام الثقة بهم ويكون بالتالي الإتصال الإجتماعي مسيئاً للشخص نفسه وللآخرين. إذن نذكر بأن نصدق وأن نتصرف على هذا الأساس ولانبدأ بالتشكيك بالشخص الآخر لأن حسن الظن يسهل أمور الحياة، لأن الحسن الظن بالآخرين يعني أنني أثق بالآخرين وأصدقهم وأتفاعل معهم على نحو إيجابي فأنا على صلة جيدة بأصدقائي، أصدقهم الكلام ويصدقوني الكلام ولاأشكك بما يقولونه فهذا يسهل الحياة الإجتماعية ويجعل الإنسان الآخر موضع ثقة ويجعل متلقي هذا الظن ايضاً موضع ثقة الآخرين.
نشكر الدكتور هاشم الحسيني، الباحث الإسلامي والإجتماعي من بيروت، على هذه التوضيحات ونتابع تقديم هذه الحلقة من برنامجكم (آداب شرعية لحياة طيبة)، من إذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران.
أيها الإخوة والأخوات: قال الامام علي -عليه السلام-:
"ضع أمر أخيك على احسنه حتى يأتيك ما يقلبه منك ولاتظنّن بكلمة خرجت من أخيك سوءً وأنت تجد لها في الخير محملاً".
وقد بيّن أمير المؤمنين علي -عليه السلام- في احاديث متعددة فوائد وآثار حسن الظن والتفاؤل في جلب السعادة منها قوله: "حسن الظن راحة القلب وسلامة الدين". وقال عليه السلام: "حسن الظن ينجي من تقلّد الاثم".
لان من يسيء الظن قد يضّاب الآخرين وقد يتهمهم بامورلا أساس لها ولاتوجد إلا في مخيلته.
نعم عزيزي المستمع، إن النظرة المتقائلة في الحياة كالنور في الظلمات تتّسع في ظلالها آفاق التفكير والابداع وتنمي في الانسان حب الاحسان، وبهذا يزداد التواصل الاجتماعي والترابطي الأسري. فالاخ يحب اخيه والزوج يثق بزوجته ويكرمها ويحترمها، وتقوى العلاقات بين الارحام وتقوى علاقات الانسان مع بقية الناس من المعارف والزملاء وكلما كانت العلاقات بين الأفراد أعمق وأكثر تقدّم المجتمع وسار في طريق التعاون والبر والاحسان.
مستمع الكريم، لتجنّب سوء الظن يجب الابتعاد عن مواضع التهمة وان لايضع الانسان نفسه موضعا مثيراً للشكوك والشبهات، حتى لايسيء به الظن احد. وقد قال رسول الله -صلى الله عليه وآله-: "اتقوا مواضع التهم". وفي الحديث: "ومن جلس مجالس السوء إتّهم".
روي في الاخبار أن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- كان في طريق عام يكلّم زوجته صفية بنت حيي بن أخطب فمرّ به رجل من الانصار. فدعاه رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- وقال: يا فلان هذه زوجتي صفية. فقال يا رسول الله أفنظنّ بك الا خيراً. قال: ان الشيطان يجري في الانسان مجرى الدم من العروق فخشيت ان يدخل عليك.
وقال الامام علي-عليه السلام-: "من عرّض نفسه للتهمة فلايلومنّ من أساء به الظن".
أعزائنا المستمعين، ان حسن الظن هنا لايعني مطلقا الثقة بكل أحد واعتبار كل الناس ملائكة وموضع أمان وثقة. فمن الناس من ليسوا أهلاً للاعتماد عليهم وربما يؤدي حسن الظن بكل انسان الى مشاكل وأزمات تبدء ولاتنتهي فمن الحزم سوء الظن بمن لا تعرفه ولم تطمئن اليه ولم تجربة فربما يبتسم في وجهك ويريد بك الشر وانت لاتعلم.
نعم ليس كل انسان موضع ثقة واطمئنان خصوصا في التعامل وإجراء العقود. ولكن لابد من حسن الظن مع المؤمنين ومع اهل الاحسان والخير والتواضع.
أيها الاخوة والاخوات: ضيفنا الكريم الدكتور هاشم الحسيني، الباحث الإسلامي والإجتماعي من بيروت، يعرّفنا أكثر بالموارد التي ينبغي للإنسان أن يتجنب فيها حسن الظن بالآخرين، نستمع معاً الى هذا الحوار.
الحسيني: ثمة أمور تعرض على الإنسان يتوقف عندها لأنها أولاً جديدة عليه وبأنها تحمل محاذير كثيرة، كأن يأتيني شخص بمشروع لاسابقة له في تجربتي وأن يطلب مني شيئاً ما له طابع خاص، هذا الطابع الخاص عليّ أن أتوقف عنده وأن أفكر فيه ملياً لأنني لست معتاداً على مثل هذا النوع من الطلب، أيضاً نوع الطلب بحد ذاته مدعاة للشك مثلاً يحدث في أحيان كثيرة أنه يأتي شخص يطالب بتبرعات لمؤسسات إجتماعية وقد يكون منتحلاً لهذه الصفة، يقول أعطيني بهذه المناسبة مثلاً مناسبة الأعياد، أريد تبرعاً للفقراء وأنا تابع لجمعية ما وهذه تحدث كثيراً فإذا أحسنت الظن به سأعمد على الفور وأنا قادر وأعمد لأعطاءه مايريد وتكون النتيجة أنه قد إنتحل الصفة وإنطلاقاً من إنتحاله لهذه الصفة ومن حسن ظني به قد أعطيته مالايستحقه وكنت ضحية له وكانت المؤسسة التي يدعي أنه يمثلها ضحية له ايضاً وبالتالي من الطبيعي أن أكون حذراً جداً ولاأنساق وراء أي مسئلة ممكن أن تأتيني على نحو عفوي، يجب أن أفكر قبل أن أقدم على التصرف المطلوب.
اعزاءنا المستمعين، مع نهاية هذه الحلقة من برنامج(آداب شرعية لحياة طيبة) لايسعنا الا ان نقدم لكم جزيل الشكر وفائق التقدير لحسن الاصغاء والاستماع لهذا البرنامج، الذي يأتيكم من إذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران. حتى الملتقى أطيب التحيات والمنى، ودمتم في أمان الله. الى اللقاء.