خبير البرنامج: سماحة الشيخ جعفر عساف الباحث الإسلامي من لبنان
مستمعينا الكرام.. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
نرحب بكم في لقاء جديد لبرنامج (آداب شرعية لحياة طيبة) وموضوع هذه الحلقة هو: (السلام تحية الإسلام) نرجو قضاء وقت ممتع مع فقرات هذه الحلقة.
عزيزي المستمع؛ كل شعب له عادات وتقاليد في السلام والمصافحة والترحيب فالعرب قبل الإسلام كانوا يحيي بعضهم بعضاً بعبارة: أنعم صباحاً وأنعم مساءً، وبعض الشعوب تحيتهم برفع الأيدي وفي اليابان التحية بالإنحناء والإشارة باليد، والبعض تحيتهم بالتقاء الأنوف وتقبيلها؛ وفي الهند التحية بالإنحناء والإبتسامة وفي مجتمعنا شاع التقليد للغرب برفع الأيدي للتحية وعبارة مرحبا أو صباح الخير ومساء الخير.
ولكن أجمل عبارة للتحية هي (السلام عليكم) وهي تحية الإسلام الأولى وهي كلمة تحمل معنى المحبة والمودة ونبذ الكراهية والحقد وعلامة على الصلح ونسيان الماضي إن كان هناك حساسية أو سوء فهم، خصوصاً عندما السلام يقترن بالمصافحة والمعانقة أحياناً.
إن طبيعة السلام الشامل في العلاقات الإجتماعية داخل الأمة وبناء شبكة العلاقات الطيبة في الأمة الإسلامية على أساس متين من السلام تجعل هذه الأمة أسرة واحدة متضامنة ومتكافئة ومتماسكة وجسداً واحداً يتملكه شعور واحد وإحساس واحد بالألم والراحة؛ المؤمن أخو المؤمن كالجسد الواحد إن اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى، والسلام مما يجعل هذه الأسرة الواحدة تتماسك وتترابط فيما بينها وتنشر المحبة والأخوة والمودة بين أعضاء الأسرة وأفرادها كبارا وصغارا، ذكورا وإناثاً آباءً وأبناءً؛ ولذلك عده الإسلام من حقوق المسلم على أخيه، ففي نص يرويه الإمام أمير المؤمنين (ع) عن رسول الله (ص) أنه قال: للمسلم على المسلم ثلاثون حقاً، لا براءة له منها إلا بالأداء أو العفو؛ يغفر زلته ويرحم عبرته، إلى أن قال: ويرد سلامه ويطيب كلامه ويبر إنعامه، إلى نهاية الحديث الشريف وقد ورد في النصوص الشريفة تأكيد على ثواب السلام ورد السلام أيضاً بأحسن منه ولذلك حكمة جليلة يشير إلى بعضها ضيفنا الكريم (سماحة الشيخ جعفر عساف الباحث الديني من لبنان).
عساف: بسم الله الرحمن الرحيم وأفضل الصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين
ماتفضلتم به حول التحية لعله من أبرز ما تعرض له القرآن الكريم حول أن يرد الإنسان التحية بمثلها او أحسن منها وقد ورد ذلك في قوله «بسم الله الرحمن الرحيم وَإِذَا حُيِّيْتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيباً» (سورة النساء۸٦). نلاحظ أن القرآن الكريم مضافاً الى السنة النبوية التي وردت وحثت المسلمين بأن يردوا التحية وكأن التحية ناشئة من معنى الحياة والتحية بمعنى الحياة وكان التحية هي التي تستقيم بها الحياة لذلك الحكمة في التحية هي معبرة عن مدى إلتزام المجتمع فيما بينهم وعن مدى تقبل الأفراد لبعضهم البعض لأن المجتمع الذي لاتحية فيه بين أفراده كأنه مجتمع يضمر الحقد لبعضه والبغض لبعضهم البعض لذلك نستطيع أن نقول التحية الإسلامية هي عبارة عن إظهار المودة والمحبة والسلامة والطمأنينة اتجاه الآخرين وهذا هو وجه السلام في الشريعة الإسلامية.
عزيزي المستمع؛ إن علاقة الله تعالى بعباده قائمة على أساس من السلام و(الرحمة) وهو عز شأنه مبدئ كل سلام ورحمة، فمن أسمائه تعالى: (السلام) كما يشير لذلك قوله عزوجل في الآية ۳۲ من سورة الحشر:
هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ.
والله تعالى يهدي عباده سبل السلام ومناهج السلام في حياتهم ومعيشتهم:
...قَدْ جَاءكُم مِّنَ اللّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ{۱٥} يَهْدِي بِهِ اللّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ وَيُخْرِجُهُم مِّنِ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ....(المائدة ۱٥-۱٦)
فإذا اتبع الإنسان سبل السلام التي هواه الله إليها فسوف يعيش حياة سعيدة ملؤها السلام مع أولياء الأمور ومع المجتمع ومع أسرته وأهله وذويه ومع نفسه ومع الأشياء.
السلام يقوي الروابط الإجتماعية ويزيد في المحبة المودة وهو وسيلة التعارف وأول خطوة لجذب قلوب الناس وكسب محبتهم وصداقتهم واحترامهم وإذا اقترن مع الإبتسامة والمصافحة والسؤال عن الصحة والأحوال يكون من عوامل التواصل الإجتماعي ومن أسباب كسب الأصدقاء ومن طرق السعادة والسلام وأنه يزيل آثار التنافر والعداوة والبغضاء وأنه يزيد في الحسنات ويؤدي إلى إصلاح ذات البين.
جاء في كتاب أمالي الصدوق عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) أنه قال: (جمع رسول الله – صلى الله عليه وآله – بني عبد المطلب فقال: يا بني عبد المطلب أفشوا السلام، وصلوا الأرحام، وتهجدوا والناس نيام، واطعموا الطعام وأطيبوا الكلام، تدخلوا الجنة بسلام).
وعن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنه قال: (إن أولى الناس بالله ورسوله من بدء بالسلام) وعنه (صلى الله عليه وآله) أيضاً أنه قال: (أطوعكم لله الذي يبدء صاحبه بالسلام).
وهنا أهم الآداب الشرعية للسلام والتحية في الإسلام؟ عن هذا السؤال يجيبنا مشكوراً ضيفنا الكريم سماحة (الشيخ جعفر عساف الباحث الإسلامي من بيروت) فلنستمع معاً:
عساف: لعل من أهم الآداب التي تعرض لها القرآن الكريم في مسئلة التحية أنه عندما يحيوا الإنسان بتحية فلابد أن تكون الإجابة والرد أفضل مما بدأه الآخرون وهذا ما قلنا إنه يؤكد عليه القرآن الكريم "واذا حييتم بتحية فحييوا بأحسن منها او ردوها إن الله كان على كل شيء حسيباً" فلابد أن تكون التحية بمثلها او أفضل منها وهذا هو اهم ادب في التحية أنه عندما يسلم علينا وجاء في النصوص اذا قال أحد للآخر السلام عليكم فيقول له السلام عليكم ورحمة الله. واذا قال السلام عليكم ورحمة الله فليقول له وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته. فليضف عليه مايشعر الطرف الآخر بالقبول لهذا السلام وهذه التحية لذلك اهم مافي التحية أن الإنسان لابد أن يجيبها بأحسن منها وأفضل منها وهذا مايعبر ايضاً عن التقبل للآخر وكأنه عندما يرد التحية بأفضل منها واحسن منها فإننا نشعر الطرف الآخر بأننا تقبلنا سلامه بل نحن مسرورون بهذا السلام ونحن مرتاحون لسلامه ولذلك نعطيه بأكثر ما إبتدأ به ونعطيه أكثر مما تقدم به الينا. وهذا ما أستطيع أن أدعو اليه المسلمين أنه الإبتداء بالتحية قد يشكل عاملاً مهماً للمسلم في حياته اتجاه الاخرين ولكن هناك أمر مهم جداً للآخرين أن يتقبلوه بأفضل ما تقدم اليهم وباحسن مما توجه به اليهم. وهذه التحية الإسلامية التي ركز عليها النبي صلى الله عليه وآله بل دعا الى اكثر من ذلك بأن لانكتفي فقط بالسلام بألسنتنا بل أن نمد أيدينا ونصافح بعضنا البعض لنشعر الطرف الاخر الذي يسلم علينا بأننا نحن مطمئنون اليه ومسالمون له ونحن اليه في أشد المحبة وأشد التواضع وأشد العلاقة الطيبة مع الآخرين.
عزيزي المستمع؛ السلام مستحب مؤكد ولكن رد السلام واجب والأفضل الرد مع زيادة إذ قال الله تعالى: وَإِذَا حُيِّيْتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا...(النساء-۸٦)
عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنه قال: السلام تطوع والرد فريضة.
والسلام يدل على التواضع وحسن الخلق والسماح، كان رسول الله (ص) يسلم على النساء والصبيان، ويستحب السلام عند دخول البيت والسلام على من نلقاه في الطريق والسلام عند دخول المسجد أو أي مكان آخر.
عن أبي جعفر الباقر (ع) عن رسول الله (ص) أنه قال: (إذا تلاقيتم فتلاقوا بالتسليم والتصافح وإذا تفرقتم فتفرقوا بالإستغفار).
وعن رسول الله (ص) أنه قال: من بدأ بالكلام قبل السلام فلا تجيبوه.
وعنه (ص): إن أعجز الناس من عجز عن الدعاء وإن أبخل الناس من بخل بالسلام.
وختاماً ننهي لقاء اليوم من برنامجكم (آداب شرعية لحياة طيبة) بتجديد تحية السلام والأمان والمحبة والمودة، فنقول مودعين السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.