ضيف البرنامج: سماحة الشيخ ابراهيم الحجاب الباحث الاسلامي من السعودية
مستمعينا الكرام.. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. مرحبا بكم في لقاء جديد لبرنامج (آداب شرعية لحياة طيبة) وموضوع هذه الحلقة هو (نعمة البصر) نرجو قضاء وقت ممتع مع فقرات هذه الحلقة.. ونتمى لكم كل خير وسعادة وهناء.
أيها الإخوة والأخوات: العين من أعظم نعم الله على الإنسان وهي أداة التعلم وكسب الخير، والتجارب في الحياة، بها يتطلع الإنسان إلى مظاهر الطبيعة وجمال الحياة وينظر إلى عجائب خلق الله في السماء والأرض والجبال والبحار والأنهار وبها يحقق الإكتشافات في مجال العلم والطب والصناعة والزراعة. إن الطفل يتعلم عن طريق السمع والبصر ويفتح عينيه مع الحياة ليكسب الخيرات وبالقراءة والبحث يبلغ درجات عالية في سلم الحياة.
عزيزي المستمع: في اللغة، العين حاسة الرؤية وهي مؤنثة وجمعها (أعين) و (عيون) و(أعيان) والعين أيضا عين الماء وعين الشمس وعين الشيء خياره وعين الشيء نفسه يقال: هو بعينه، ولا آخذ إلا درهمي بعينه، ولا أطلب أثرا بعد عين. وأعيان القوم أشرافهم. وبنو الأعيان الاخوة من الأبوين. قال الله تعالى: "وَهُوَ الَّذِي أَنشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ" (سورة المؤمنون۷۸)فنعمة البصر تستحق شكر الله سبحانه وتعالى وطاعته. والخضوع لأوامره لبلوغ السعادة. المؤمنون إذا تليت عليهم آيات الرحمن يبكون من خشية الله تعالى. ويسجدون إذا رأوا آيات الله عزوجل وفي الحديث المروي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): كل عين باكية يوم القيامة إلا عين سهرت في طاعة الله وعين غضت الطرف عما حرم الله، وعين فاضت من خشية الله.
مستمعينا الأفضل، وهنا نسأل: ما هي أهم الأمور التي أمرنا بها الإسلام لكي نستفيد من نعمة البصر بالصورة التي يرضاها الله عزوجل، لنستمع لما يقوله ضيفنا الكريم سماحة (الشيخ ابراهيم الحجاب الباحث الاسلامي في السعودية) بهذا الخصوص
عزيزي المستمع: مما يخفف هموم الحياة وآلامها ويزيل تعب الإنسان وإرهاقه النظر والتأمل في جمال الحياة والتمتع بمباهج الطبيعة والتدبر في آيات الله في الكون وما فيه من بديع صنع الله مما يدهش اللب.
إن الله سبحانه جميل يحب الجمال. ومن ثم فإنه تعالى خلق الجمال وبثه في كل مكان في السماء حيث تسبح النجوم وفي الأرض حيث تنفجر مياه العيون والأنهار وتتفتح البراعم الطرية على شمس الربيع ودفئه. والله سبحانه لم يخلق الجمال فحسب بل أعطى الإنسان نعمة البصر ونعمة الإحساس، يشعر بهذا الجمال ويتطلع إلى ما هو أعظم منه وهي الجنان التي خلقها الله لمن أطاعه وتقرب إليه بأداء الفرائض والإحسان إلى الآخرين وطلب العفو والرحمة منه سبحانه وتعالى. عزيزي المستمع، العين ليست أداة للرؤية فقط بل هي أداة تعبر عن الإنفعالات البشرية والنفسية كالفرح والسرور وكذلك الإيمان والنفاق والصدق والكذب. والقرآن الكريم يصف حال المؤمنين بالثبات وعدم الخوف ورباطة الجأش عند ما يرون الأعداء. ففي غزوة الخندق مثلا عندما أحاط المشركون بالمدينة دخل الرعب في نفوس المنافقين وظهر ذلك في عيونهم. يقول تعالى: "إذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا". (سورة الأحزاب الاية العاشرة) بينما المؤمنون هم كانوا رابطي الجأش رغم شدة الموقف. قال تعالى: " وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَاناً وَتَسْلِيماً". (سورة الأحزاب۲۲)
عزيزي المستمع نستطيع أن نعرف من العين كلما تكنه النفس البشرية وما يضمره الإنسان يظهر في عينيه و لذلك يقول سبحانه:"يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ" (سورة غافر۱۹) والعين تعبر عن الحالة الوجدانية لصاحبها فعين المحب لا ترى عيوب الطرف الآخر (المحبوب) إذ أن حب الشيء يعمي ويصم. يقول الشاعر:
وعين الرضا عن كل عيب كليلة
ولكن عين السوء تبدي المساويا
والقرآن الكريم يشير أيضا إلى النظرة القاسية التي تدل على الحسد إذ الحسد يظهر في العين يقول تعالى في الآية الحادي والخمسين من سورة القلم: "وَإِن يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ{٥۱} وَمَا هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ{٥۲}". أيها الإخوة والأخوات وهنا نسأل ما معنى (خائنة الأعين) وكيف تكون العين خائنة؟ عن هذا السؤال يجيبنا مشكورا ضيفنا الكريم سماحة (الشيخ ابراهيم الحجاب الباحث الاسلامي من السعودية) نسمع لإجابته.
الحجاب: من اكبر النعم التي انعم الله بها علينا هي نعمة البصر ولكي نشكر هذه النعمة اولاً من الامور المهمة اننا نتدبر في هذا الكون الفسيح، ننظر الى خلق الله، ننظر الى هذا الكون الرائع، ننظر الى الشمس، ننظر الى القمر، ننظر الى النجوم، ننظر الى مخلوقات الله فنتأمل لنصل الى حقيقة عظيمة وهي "ربنا ماخلقت هذا باطلاً سبحانك فقنا عذاب النار" ايضاً ان ننظر الى كتاب الله ونقرأ ونتدبر ونفهم لأن النظر الى كتاب الله عزوجل يقوي النظر ويقوي البصر والبصيرة، يقوي العقل ايضاً والامور التي ترضي الله جل وعلا لأننا نقرأ كل شيء يفيد، كل شيء ينفع، يجعل الانسان يطلع من خلال المعرفة والعلم ليصل الى اعلى نتيجة في العلم والمعرفة وهي حقيقة الله عزوجل ان الله ما خلق لنا هذه الحاسة عبثاً بل خلقها لكي نستفيد منها ونشكره، نقرأ ونتدبر ثم نفهم الناس ما قرأنا ايضاً ان ننظر الى كل شيء فيه فائدة واطلاع ومعرفة.
الحجاب: خائنة الاعين لها معاني كثيرة ولكن واضح من خلال صياغ الاية ان خيانة العين هو ان ينظر الانسان النظرات المحرمة التي تغضب الله عزوجل كالنظر الى النساء الاجنبيات مثلاً، كالنظر الى الاشياء المحرمة كتتبع عورات الاخرين وفضحهم، كالتجسس على الاخرين ولأجل ذلك يسمى الانسان الذي يتجسس على الاخرين عين من باب انه يسلط عينه على عورات الاخرين، يسلط عينه على الامور التي سترها الله عزوجل وهو اراد ان يكشفها عصياناً وعدم خوف من الله عزوجل فخائنة الاعين هي الاشياء التي الله عزوجل امرنا بالابتعاد عنها ونحن نقوم بعصيان الله عزوجل ونجعل هذه العين تخون لأن الله عزوجل ما خلقها لتتبع عورات الاخرين وخلقها للنظر الى الاشياء المحرمة بل خلقها لنستفيد منها.
عزيزي المستمع: إن جمود العين يدل على قساوة القلب وضعف الإيمان. جاء رجل إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقال يا رسول الله إني أشعر بجمود العين وقساوة القلب. وأطلب الحل وما العلاج لنفسي؟ قال له رسول الله (ص) بما مضمونه ابحث عن طفل يتيم امسح على رأسه وادخل السرور في قلبه تشعر برقة القلب وتدمع العين.
ولما رأى المسلمون رسول الله (ص) يبكي بحرقة قلب على ولده إبراهيم عجبوا من ذلك وسألوا رسول الله عن سبب ذلك البكاء فقال إنه رحمة وقال: تدمع العين ويحزن القلب ولا نقول ما يسخط الرب. وإنا لفراقك يا إبراهيم لمحزونون.
عزيزي المستمع، والعين تظهر السرور والبهجة وتظهر لمعان وجه المنعمين المسترخي البال المطمئنين بالإيمان يقول تعالى في الايات الثاني والعشرين والثالثة والعشرين من سورة القيامة: "وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ{۲۲} إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ{۲۳}" وكذلك قوله تعالى في الآيات الثاني والعشرين والرابعة والعشرين من سورة المطففين: "إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ{۲۲} عَلَى الْأَرَائِكِ يَنظُرُونَ{۲۳} تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ{۲٤}".
أعزائنا المستمعين إلى هنا نأتي إلى ختام حديثنا في موضوع نعمة البصر على أمل اللقاء بكم في حلقة أخرى نستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.