نواصل حديثنا عن الأدعية المباركة ومنها أحد أدعية الامام علي عليه السلام حيث يُقرأ ليالي الجمعة، وقد استهل الدعاء بالفقرات الآتية (اللهم إني أثني عليك بمعونتك على ما نلت به الثناء عليك وأقرُّ لك على نفسي ما أنت أهله) ونحدثك أولاً عن الفقرة الاستهلالية التي تقول: (اللهم إني أثني عليك بمعونتك، على ما نلت به الثناء عليك).
إن هذه الشريحة التي يستفتح بها الدعاء تتضمن حقيقة عبادية تتصل بتعامل قارئ الدعاء مع الله تعالى من حيث صلة ذلك بالثناء على الله تعالى وتمجيده. وهي حقيقة تتطلب مزيداً من الإيضاح، حتى يثرى بها جهازنا المعرفي في تعاملنا مع الله تعالى. إذن لنحدثك عن هذا الجانب..
الافتتاحية من الدعاء تقول: (اللهم إني أثني عليك بمعونتك) والسؤال هو الثناء على الله تعالى هو ممارسة يقوم العبد بها لأنه يعتقد خالصاً بأن الله تعالى قادر وعالم ومبدع ومهيمن، ولذلك يستحق الثناء، وهذه الحقيقة يستقيها العبد من خلال تجاربه الدنيوية أي تعامله مع الآخرين. فكل منّا حينما يواجه عالماً كبيراً أو مكتشفاً أو مفكراً أو بطلاً، فإنه بالضرورة يحس بمشروعية أو مفروضية احترامه وتقديره لهذه الشخصية المكتشفة أو المخترعة أو المفكرة أو البطلة. فإذا نقلنا الحقيقة المتقدمة إلى التعامل مع الله تعالى حينئذ نحس بوضوح أن الله تعالى هو المتفرد ولا شريك له في قدرته وعلمه وإرادته ورحمته. وهذا يقتادنا بالضرورة من طريق أولى أن نثني عليه ونحمده، إلا أن السؤال الأشد أهمية هو صحيح أن العبد يقر بمفروضية الثناء على الله تعالى إلا أن النصوص الشرعية تحدد لنا المصادر أو الأسرار الكامنة وراء الثناء على الله تعالى، وهذا ما نبدأ به بإلقاء الإنارة عليه.
تقول عبارة الدعاء (أثني عليك بمعونتك) ترى ما المقصود من ذلك؟
الإجابة واضحة وهي أن العبد حينما يثني على الله تعالى إنما يتم ذلك بمعونة من الله تعالى. كيف ذلك؟ من البين أن العبد في غالبية البشر يحيا غافلاً عن الله تعالى في مختلف أنماط سلوكه، فالإنسان قد يأكل ويشرب ويتكلم ويفكر ويتحرك دواماً، دون أن يتذكر بأن فاعليته المذكورة إنما هي من الله تعالى ولكنه غافل عن ذلك، وتبعاً لذلك لا نجده متذكراً لعظمة الله تعالى ونعمه فيما وكأنه مستقل عن فاعلية الله تعالى، لذلك فإن الدعاء الذي نتحدث عنه يقرر بأن العبد إذا أثنى على الله تعالى فهذا يعني أنه يحيا أو يعايش أو يذكر الله تعالى وليس بغافل عن ذلك. فإذا كان غير غافل فهذا يعني أنه استمد هذه الممارسة أي الثناء على الله تعالى بمعونة أو من معونة من الله تعالى، أي أن الله تعالى وفقه إلى أن يثني على الله تعالى ولذلك جاءت العبارة بعدها بهذا النحو: (أثني عليك بمعونتك على ما نلت به الثناء عليك) أي الثناء على الله تعالى هو عطاء يناله من الله تعالى وبكلمة أشد وضوحاً أن الثناء على الله تعالى لا يتم إلا لأنه تعالى وفق عبده لأن يلتفت إلى الله تعالى ويحمده ويثني عليه وإلا بدون العناية المتقدمة يظل الانسان غافلاً عن الله تعالى.
إذن أمكننا أن نتبين بوضوح ما حفلت به عبارة الدعاء المذكورة أي العبارة القائلة بأن الثناء على الله هو عطاء من الله علينا على أن نوفق لممارسة الثناء عليه.
ختاماً نتوسل به تعالى أن يوفقنا إلى الثناء عليه دوماً وأن يوفقنا إلى ممارسة الطاعة بعامة والتصاعد بها إلى النحو المطلوب.