والصلاة والسلام على سيد الخلق اجمعين محمد وعلى آله الاطهار الاخيار.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وأهلاً بكم في برنامجكم هذا راجين ان تقضوا معه وقتاً طيباً ومفيداً.
احبتي الكرام ان خلق التواضع في معاملة الناس بقدر ما هو عبادة اسلامية يندب الشرع الالهي اليها كذلك هو يعبر عن احدى صيغ التعامل الفاضلة بين الناس لتوحيد الكلمة وجمع الصفوف واشاعة الود والوفاق بين ابناء الامة واشعاره بالكرامة، والغاء أي تعالٍ ولاي سبب من الاسباب من مواقعهم. ولقد كان رسول الله(ص) بقدر ما يحث على التزام فضيلة التواضع في التعامل والعلاقات فانه من ناحية عملية كان المتواضع الاول في دنيا المسلمين تجسد هذه الحقيقة سيرته العظيمة مع الناس.
عن بن عباس(رض) قال: (كان رسول الله(ص) يجلس على الارض ويأكل على الارض، ويعتقل الشاة، ويجيب دعوة المملوك على خبز الشعير).
وعن ابي عبد الله(ع) قال: (كان رسول الله(ص) اذا دخل منزلاً قعد في ادنى المجلس). وسئلت عائشة ما كان النبي(ص) يصنع اذا خلا؟
قالت: (يخيط ثوبه ويخصف نعله ويصنع ما يصنع الرجل في اهله).
ومع احتلاله(ص) مركز قيادتة الامة في الفكر والعمل فانه كان يبدو فرداً من الناس لم يحط نفسه بالالقاء ولا بزخارف الملك والسيادة وما يتبعهما من خيلاء وزينة. كان(ص) قريباً سهلاً هيناً يلقى ابعد الناس واقربهم اصحابه واعدائه وأهل بيته ووفود دول الارض المعاصرة لدولة الاسلام بلا تصنع ولا تكلف فكل شيء يصدر عنه كان طبيعياً على سجيته. عن ابن ابي اوفى قال: (كان رسول الله(ص) لا يأنف ولا يستكبر ان يمشي مع الارملة والمسكين فيقضي له حاجته).
بعد مقتل الخليفة الثالث عثمان بن عفان اجمعت الامة على بيعة الامام علي(ع) خليفة لها وقد اجتاحت النفوس موجة من العاطفة نحوه، ولكنه رد على موقف الناس بقوله(ع): (دعوني والتمسوا غيري). فان علياً(ع) ابى ان يكون اسيراً للعاطفة فلعل نقمة الناس على الخليفة الثالث هي التي اججت نحوه العاطفة وشدت اليه التيار، وهو يريد من الامة اقراراً ارادياً لامامته، ليس محكوماً بالانفعال الآني. ثم ان علياً(ع) ليس من تغريه المناصب وتستهويه الكراسي حتى يستجيب فور اقبال الناس عليه فالامرة كلها لا تساوي لديه جناح بعوضة بل الدنيا كلها عنده كعفطة عنز، والقيادة لا تساوي عنده شيئاً مذكوراً ان لم يقم من خلالها الحق ويبطل الباطل، ولهذا لم يستجب لضغط الجمهور في باديء الامر قبل وضعهم امام اختبار ليتأكد من مدى قدرة الناس على تلقي مناهجه والاستجابة لخططه اذا تسلم زمام الامور. فبالرغم من ان العاصمة المقدسة ـ المدينة المنورة ـ قد اصرت على اختياره على شكل تظاهرات حقيقية وتجمعات مكثفة حتى صارت المطالبة بقيادته اجماعية لا جماعية، فانه(ع) بقي عند موقفه المتريث، على ان اصرار الامة على بيعته جعله يطرح عليها شروطه لقبول الخلافة، فان بايعته الامة وفقاً لما يملي من شروط استجاب هو لمطلبها في استخلافه وحين اذاع(ع) بيانه المتضمن لشروطه ومنه قوله: «واعلموا اني ان اجبتكم ركبت بكم ما اعلم، ولم اصغ الى قول القائل وعتب العاتب» (نهج البلاغة، النص 92). سارعت الامة مذعنة لشروطه ومدت اليه يد البيعة على الطاعة ولبى هو مطلبها ليواجه مسؤولياته القيادية في الامة الاسلامية على الصعيد الفكري والعملي، وقد كانت من اولى مهامه(ع) ان يزيل صور الانحرافات المختلفة التي طرأت على الحياة الاسلامية، وان يعود بالامة الى اصالة المنهج الالهي.
روي عن الامام الحسين(ع) انه قال: (صح عندي قول النبي(ص) افضل الاعمال بعد الصلاة ادخال السرور في قلب المؤمن بما لا إثم فيه، فاني رأيت غلاماً يواكل كلباً فقلت له في ذلك)، فقال: يا بن رسول الله(ص) اني مغموم اطلب سروراً بسروره لان صاحبي يهودي اريد ان افارقه فأتى اليهودي الغلام فداء لخطاك، وهذا البستان له، ورددت عليك المال فقال(ع): (وانا قد وهبت لك المال).
قال: قبلت المال ووهبته للغلام، فقال الحسين(ع): (اعتقت الغلام ووهبته له جميعاً).
فقالت امرأته: قد اسلمت ووهبت زوجي مهري.
فقال اليهودي: وانا ايضاً اسلمت واعطيتها هذه الدار.
اجل ما اربح هذه الصفات الاخلاقية فكلها عظمة وشموخ في المعنوية والجود والاخلاق.
وفي الختام ـ ايها الاعزاء ـ نشكركم على حسن المتابعة وحتى اللقاء القادم نستودعكم الباري تعالى والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
*******