وصلى الله على حبيبه محمد المصطفى وعلى آله الطيبين الطاهرين.
السلام عليكم - ايها الأحبة الكرام- ورحمة الله وبركاته واهلاً بكم في برنامجكم هذا راجين ان تقضوا معه وقتاً طيباً ومفيداً.
مستمعينا الاعزاء لقد كان من معالي أخلاق النبي (صلى الله عليه وآله) حبه الشديد للفقراء، فكان أباً وحصناً وملاذاً وكهناً لهم وقد وجدوا في كنف مراعاته من البر مالا يوصف وقد اثرت عنه الكثير من الاخبار في الحث على الاحسان اليهم وقد جعل لهم نصيباً مفروضاً في اموال الأغنياء فشرعت الزكاة لتنفق عليهم وكان يدعو الله تعالى ان يحشره في زمرتهم.
فقد روى ابو سعيد قائلاً: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يدعو «اللهم أحيني مسكيناً وتوفني مسكيناً واحشرني في زمرة المساكين وان اشقى الاشقياء من اجتمع عليه فقر الدنيا وعذاب الآخرة».
وروى أنس: ان النبي (صلى الله عليه وآله) قال: «اللهم أحيني مسكيناً واحشرني في زمرة المساكين يوم القيامة» فأنبرت اليه عائشة قائلة: لم يا رسول الله؟
فقال (صلى الله عليه وآله): انهم يدخلون الجنة قبل اغنيائهم بأربعين خريفاً.
*******
مستمعينا الأكارم لقد كان من معالي اخلاق امير المؤمنين علي (عليه السلام) تطبيقه للعدالة الاسلامية كما أمر الله ورسوله ولم تأخذه في ذلك لومة لائم، نقل المؤرخ المعروف الطبري كيفية بيعة الامام (عليه السلام) عن واحد من اهل المدينة شهد احداثها فقال: عن أبي بشير العابدي قال: كنت بالمدينة حين قتل عثمان واجتمع المهاجرون والأنصار وفيهم طلحة والزبير فأتوا علياً فقالوا: يا أبا حسن هلم نبايعك فقال: لا حاجة لي في امركم انا معكم فمن اخترتم فقد رضيت به فأختاروا، فقالوا: والله ما نختار غيرك.
قال - اي أبو بشير العابدي- فاختلفوا اليه بعدما قتل عثمان مراراً ثم اتوه في آخر ذلك فقالوا له: انه لا يصلح الناس الا بإمرة وقد طال الأمر، فقال لهم: انكم قد اختلفتم الي وأتيتم واني قائل لكم قولاً ان قبلتموه قبلت امركم والا فلاحاجة لي فيه.
فقالوا: ما قلت من شيء قبلناه ان شاء الله.
فجاء (عليه السلام) فصعد المنبر فاجتمع الناس اليه، فقال: اني قد كنت كارهاً لأمركم فأبيتم الا ان اكون عليكم الا وانه ليس لي أمر دونكم الا ان مفاتيح مالكم معي الا وانه ليس لي ان اخذ منه درهماً دونكم، رضيتم؟
قالوا: نعم، قال: «اللهم اشهد عليهم». ثم بايعهم على ذلك.
اجل - مستمعي الكريم- لقد كان الامام علي (عليه السلام) يعلم ان العدالة الاسلامية التي اراد تطبيقها في حكومته ستكون ثقيلة على نفوس المنتفعين والوصوليين والانتهازيين الذين استغلوا الظروف السائدة في زمن الخليفة عثمان فنهبوا الأموال وتمتعوا بالامتيازات وكنزوا الذهب والفضة بسبب القرابة أو العشيرة أو كونهم من انصار هذا الطرف أو ذاك.
لذلك حاول الامام (عليه السلام) ان يفهم الذين بايعوه بان نهجه في التعامل معهم سيكون كما امر به الاسلام وان موافقتهم على مبايعته يجب ان لاتتم من خلال فورة عاطفية بل عن قناعة تامة عما هم عليه مبايعون.
ونبقى مستمعينا الاعزاء مع امام المتقين علي (عليه السلام)، فقد صح ما توقعه من ان تطبيقه للعدالة الاسلامية سيثير غضب رجالات قريش الذين دأبوا على العيش برفاهية مما ينهبونه من أفواه الجياع والمحرومين وكبر عليهم ان ينهج امير المؤمنين نهج المساواة في الحقوق فلا يميز بين حر وعبد وبين أسود وأبيض وبين عربي واعجمي كان الجميع أمامه سواسية كأسنان المشط، أليس هو خليفتهم جميعاً دون تمييز؟
لقد انكر الزبير بن العوام وطلحة بن عبيد الله علي الامام (عليه السلام) سياسته تلك واعتبراها مخالفة للنهج الذي ألفه الناس، فقال لهما الامام (عليه السلام): ما الذي كرهتما من امري حتى رأيتما خلافي؟
قالا: انك جعلت حقنا في القسم كحق غيرنا، وسويت بيننا وبين من لا يماثلنا فيما أفاء الله علينا بأسيافنا ورماحنا واوجفنا عليه بخيلنا ورجلنا وظهرت عليه دعوتنا وأخذناه قسراً قهراً فمن لا يرى الاسلام الا كرها.
فقال لهما الامام (عليه السلام): لقد نقمتما يسيراً وارجأتما كثيراً الا تخبراني أي شيء كان لكما فيه حق دفعتكما عنه؟ أم أي قسم استأثرت عليكما به؟ أم اي حق رفعه الي احد من المسلمين ضعفت عنه أم جهلته أم اخطات بابه؟ والله ما كانت لي في الخلافة رغبة ولا في الولاية اربة ولكنكم دعوتموني اليها وحملتموني عليها فلما افضت الى نظرت الى كتاب الله وما وضع لنا وامرنا بالحكم به فاتبعته وما استن النبي (صلى الله عليه وآله) فاقتديته، فلم احتج في ذلك الى رأيكما ولا رأي غيركما ولا وقع حكم جهلته فاستشيركما واخواني من المسلمين ولو كان ذلك لم ارغب عنكما ولا عن غيركما.
ويستمر امام المتقين (عليه السلام) في كلامه لطلحة والزبير قائلاً: واما ما ذكرتما من أمر الاسوة - أي التسوية في العطاء- فان ذلك أمر لم احكم انا فيه برأيي ولا وليته هوىً مني بل وجدت انا وانتما ما جاء به رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد فرغ منه، فلم احتج اليكما فيما قد فرغ الله من قسمه وامضى فيه حكمه فليس لكما والله عندي ولا لغيركما في هذا عتبى اخذ الله بقلوبنا وقلوبكم الى الحق والهمنا واياكم الصبر، رحم الله رجلاً رأى حقاً فأعان عليه، أو رأى جوراً فرده، وكان عوناً بالحق على صاحبه. (نهج البلاغة 205).
وفي الختام - ايها الاكارم- نشكركم على حسن المتابعة. وحتى اللقاء القادم نستودعكم الباري تعالى والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
*******