والصلاة والسلام على حبيب اله العالمين محمد المختار وعلى آله الطيبين الأبرار.
السلام عليكم - مستمعينا الافاضل- ورحمة الله وبركاته واهلاً بكم في برنامجكم هذا آملين ان تقضوا معه وقتاً طيباً ومفيداً.
مستمعينا الاعزاء: لقد كان من معالي اخلاق النبي (صلى الله عليه وآله) الاغراض عن الجاهلين، فقد ادبه الله تعالى بهذا الخلق الرفيع، قال تعالى: «خذ العفو وامر بالعرف واعرض عن الجاهلين» (الأعراف، 199).
فكان (صلى الله عليه وآله) يجادلهم بالتي هي احسن ولا يثير عليهم أية عاطفة فاذا اصروا ولم يخضعوا للمنطق اعرض عنهم وتركهم يعمهون في ظلمات الجهل.
مستمعينا الاكارم وننتقل الى الخاطرة التي رواها الحسين (عليه السلام) عن والده علي (عليه السلام) وهي عميقة الجذور، بعيدة المرمى، وفيها معان اخلاقية دقيقة وعظيمة، قال (عليه السلام): بينا امير المؤمنين (عليه السلام) ذات يوم جالس مع اصحابه يعبيهم للحرب اذ اتاه شيخ عليه شحبة السفر فقال: أين أمير المؤمنين؟ فقيل: هوذا فسلم عليه ثم قال: يا امير المؤمنين إني اتيتك من ناحية الشام وانا شيخ كبير قد سمعت فيك من الفضل ما لا احصي واني اظنك ستغتال، فعلمني مما علمك الله.
قال (عليه السلام): نعم يا شيخ من اعتدل يوماه فهو مغبون، ومن كانت الدنيا همته اشتدت حسرته عند فراقها، ومن كان غده شر يوميه فهو محروم، ومن لم يبال بما رزيء من آخرته اذا سلمت له دنياه فهو هالك، ومن لم يتعاهد النقص من نفسه، غلب عليه الهوى، ومن كان في نقص، فالموت خير له، يا شيخ ارض للناس ما ترضى لنفسك مآئت الى الناس ما تحب ان يؤتى اليك.
مستمعي الكريم سنستمع معاً لبقية الرواية بعد هذه الاستراحة القصيرة.
*******
ثم اقبل - (امير المؤمنين) (عليه السلام)- على اصحابه فقال: ايها الناس أما ترون الى اهل الدنيا يمسون ويصبحون على احوال شتى فبين صريع يتلوى وبين عائد ومعود وآخر بنفسه يجود وآخر لا يرجى وآخر مسجى وطالب الدنيا والموت يطلبه وغافل وليس بمغفول عنه وعلى اثر الماضي يصير الباقي.
فقال له زيد بن صوحان العبدي: يا (امير المؤمنين) اي سلطان اغلب واقوى؟
قال (عليه السلام): الهوى.
قال: فأي ذل أذل؟
قال (عليه السلام): الحرص على الدنيا.
قال: فأي فقر اشد؟
قال (عليه السلام): الكفر بعد الايمان.
قال: فأي دعوة اضل؟
قال (عليه السلام): الداعي بما لا يكون.
قال: فأي عمل افضل؟
قال (عليه السلام): التقوى.
قال: فأي عمل النجح؟
قال (عليه السلام): طلب ما عند الله عزوجل.
قال: فأي صاحب لك شر؟
قال (عليه السلام): المزين لك معصية الله عزوجل.
قال: فأي الخلق اشقى؟
قال (عليه السلام): من باع دينه بدنيا غيره.
قال: فأي الخلق اقوى؟
قال (عليه السلام): الحليم.
قال: فأي الخلق اشح؟
قال (عليه السلام): من اخذ المال من غير حله، فجعله في غير حقه.
قال: فأي الناس اكيس؟
قال (عليه السلام): من ابصر رشده من غيه فمال الى رشده.
قال: فمن احلم الناس؟
قال: الذي لا يغضب.
قال: فأي الناس اثبت رأياً؟
قال (عليه السلام): من لم يغره الناس من نفسه ومن لم تغره الدنيا بتشوفها.
قال: فأي الناس احمق؟
قال (عليه السلام): المغتر بالدنيا وهو يرى ما فيها من تقلب احوالها.
قال: فأي الناس اشد حسرة؟
قال (عليه السلام): الذي حرم الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين.
قال: فأي الخلق اعمى؟
قال (عليه السلام): الذي عمل لغير الله يطلب بعمله الثواب من عند الله عزوجل.
ويستمر زيد العبدي في طرح اسئلته قائلاً (لأمير المومنين) علي (عليه السلام): فأي القنوع افضل؟
قال (عليه السلام): القانع بما اعطاه الله عزوجل.
قال: فأي المصائب اشد؟
قال (عليه السلام): المصيبة بالدين.
قال: فأي الأعمال احب الى الله عزوجل؟
قال (عليه السلام): انتظار الفرج.
قال: فأي الناس خير عند الله؟
قال (عليه السلام): اخوفهم لله واعملهم بالتقوى وأزهدهم في الدنيا.
قال: فأي الكلام افضل؟
قال (عليه السلام): كثرة ذكره والتضرع اليه بالدعاء.
قال: فأي القول اصدق؟
قال (عليه السلام): شهادة ان لا اله الا الله.
قال: فأي الاعمال اعظم عند الله عزوجل؟
قال (عليه السلام): التسليم والورع.
قال: فأي الناس اصدق؟
قال (عليه السلام): من صدق في المواطن.
ثم اقبل (عليه السلام) على الشيخ فقال: يا شيخ ان الله عزوجل خلق خلقاً ضيق الدنيا عليهم نظراً لهم، فزهدهم فيها وفي حطامها فرغبوا في دار السلام التي دعاهم اليها وصبروا على ضيق المعيشة وصبروا على المكروه واشتاقوا الى ما عند الله عزوجل من الكرامة فبذلوا انفسهم ابتغاء رضوان الله وكانت خاتمة اعمالهم الشهادة، فلقوا الله عزوجل وهو عنهم راض وعلموا ان الموت سبيل من مضى ومن بقي فتزودوا لآخرتهم غير الذهب والفضة ولبسوا الخشن وصبروا على البلوى وقدموا الفضل واحبوا في الله وابغضوا في الله عزوجل اولئك المصابيح واهل النعيم في الآخرة والسلام.
قال الشيخ: فأين اذهب وادع الجنة وانا أراها وأرى اهلها معك يا (امير المؤمنين)، جهزني بقوة اتقوى بها على عدوك، فأعطاه (امير المؤمنين) (عليه السلام) سلاحاً وحمله وكان في الحرب بين يدي (امير المؤمنين) (عليه السلام) يضرب قدماً، وامير المؤمنين (عليه السلام) يعجب مما يصنع فلما اشتد الحرب اقدم فرسه حتى قتل (رحمة الله عليه) واتبعه رجل من اصحاب (امير المؤمنين) فوجده صريعاً ووجد دابته ووجد سيفه في ذراعه.
فلما انقضت الحرب أتي (امير المؤمنين) (عليه السلام) بدابته وسلاحه وصلى عليه (امير المؤمنين) (عليه السلام) وقال: هذا والله السعيد حقاً فترحموا على اخيكم.
نعم - مستمعي الكريم- لقد روى الامام الحسين (عليه السلام) في هذه الخاطرة الجميلة عن ابيه العظيم (عليه السلام) احسن الحديث واكمله في الاخلاق الروحية والاخلاق السلوكية والنموذج العملي في التأسي والتطبيق، فلم نتردد في الاقتداء؟ ابداً لا يتردد فيه محبو الاخلاق والفضيلة والسعادة. اللهم وفقنا ان نكون مثل ذلك السعيد في رياض السعداء.
وختاماً - ايها الاكارم- شكراً لكم على حسن المتابعة، وحتى اللقاء القادم نستودعكم الله والسلام عليكم. من اذاعة طهران صوت الجمهورية في ايران قدمنا لكم برنامج الخلق العظيم.
*******