وصلى الله على ذي الخلق العظيم محمد وعلى آله البررة الكرام.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وأهلاً بكم في برنامجكم هذا راجين ان تقضوا معه وقتاً طيباً ومفيداً.
ان من اهم واجبات الامام رعاية المجتمع الاسلامي عن كثب وملاحظة كل صغيرة وكبيرة في الحياة الاجتماعية ورصدها لاصلاحها ودفع المفاسد والاضرار بالاساليب الصالحة والامكانات المتوافرة ودعماً للامة الاسلامية وحفظاً للمجتمع من الانهيار او التصدع، وقد ورد عن الامام الحسين(ع) حديث مهم يدل على عمق اهتمام الامام بهذا الامر المهم: قال جعيد الهمداني: اتيت الحسين بن علي فسالني فقال: اخبرني عن شباب العرب؟ قلت اصحاب جلاهقات ومجالس، قال(ع) فاخبرني عن الموالي؟ قلت: آكل ربا، او حريص على الدنيا، قال(ع): «انَّا لله وانا اليه راجعون» واله انهما للصنفان اللذان كنا نتحدث ان الله تبارك وتعالى ينتصر بهما لدينه، يا جعيد همدان: الناس اربعة: فمنهم من له خلاق ـ أي نصيب من الخير ـ وليس له خلق، ومنهم من له خلق وليس له خلاق، ومنهم من ليس له خلق ولا خلاق فذاك اشر الناس ومنهم من له خلق وخلاق فذاك افضل الناس.
وهذا الحديث يدل على جميل مراقبة الامام الحسين(ع) لمجتمع عصره فقوله: كنا نتحدث ـ يدل بوضوح على تداول الامر والتدبير الحكيم والمشورة المستمرة من الامام ومن كان معه حول السبل الكفيلة لنصرة الدين واعزازه وتقوية جانبه وتهيئة الكوادر الكفوءة لهذه الاغراض وانجاحها. والتركيز على شباب العرب بالذات، يعني الاعتماد على الجانب الكيفي في الكوادر العاملة، اذ بالشباب يتحقق التحرك السريع والجريء منهم عصب الحياة الفعال وعليهم تعقد الآمال.
واما الموالي فهم القاعدة العريضة التي ترتفع ارقامها في اكثر المواجهات والحركات وهم اصحاب العمل والمال والذين دخلوا هذا الدين عن قناعة بالحق وحاجة الى العدل ولكن سياسة التهجين والتدجين الاموية جرت شباب العرب الى اللهو واللعب وجرت الموالي الى الانشغال بالاموال والتكاثر بها، وهنا تأتي كلمة «انا لله وانا اليه راجعون» في موقعها المناسب لانها تقال عند المصيبة والمصيبة الحقيقية ان تموت روح القوة والتضحية والجهاد في هذين القطاعين المهمين من الامة.
وتقسيمه(ع) المجتمع الى من له "خلق" وكرامة وشرف يعتمد الاعراف والفساد والامتهان ويرغب في الحياة الحرة الكريمة في الدنيا. والى من له "خلاق" ودين وعمل صالح وضمير ووجدان وعقيدة ورجاء ثواب، يدفعه كل ذلك الى نبذ الباطل وبذل الجهد في سبيل احقاق الحق. فمن جمع الامرين فهوا افضل الناس جميعاً، وهو ممن تكون له حمية ويسعى في الدخول فيمن ينتصر الله به لدينه.
لقد كان الامام الحسين(ع) منذ صغره مهتماً ببناء المجتمع على هدى الاخلاق الرسالية وجده رسول الله(ص) خير اسوة فدعا الى التأسي به وقد اختاره امتثالاً لقول الله تعالى: «لقد كان لكم في رسول الله اسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً» (الاحزاب، 21).
اما في مجال التحلي بالاخلاق الحسينية فينبغي:
اولاً: معرفة الامام الحسين(ع) كشخص كريم ذي مكانة خاصة وكسيرة اخلاقية طاهرة وتتطلب هذه المرحلة قراءة الكتب المعنية او الاستماع الى الخطباء الواعين.
ثانياً: تجلب هذه المعرفة محبة الحسين(ع) ومحبة ما كان يدعو اليه ويعمل به، وهنا يتفاعل العارف روحياً مع ما عرفه من الحسين(ع).
ثالثاً: بعد المعرفة والمحبة لا يبقى سبيل لصاحبهما الا سبيل الطاعة للامام الحسين في اخلاقه العظيمة ويدخل العارف المحب الى هذه المرحلة بشوق وتطوع واصرار يصل الى حد التفاني والذوبان في طريق الحسين(ع) ومع ازدياد المعرفة والمحبة والطاعة يسمو صاحبها الى درجة الذين اجنهم حب الحسين(ع) فتسابقوا معه الى الشهادة في سبيل الله دون مبالاة بالموانع الزائفة والاحساس بالحواجز المادية.
نم وكان الحسين(ع) لتكون تلك الاخلاق المحمدية العلوية متلالئة في حسنها وجمالها وديمومتها وكان الحسين(ع) لتكون الفضائل السلوكية دوماً تنادي الى الحياة الطيبة وتبشر بها الفرد والاسرة والامة، وكان الحسين(ع) لتكون العواطف الانسانية متأصلة في الوجود لا يزعزعها جور الظالمين ولا جهل الفاشلين، وكان الحسين(ع) لتكون الضمائر الحية ممتدة على صفحات التأريخ تشعر بالوخز في باطن المنتهكين للمثل الاخلاقية وكان الحسين(ع) لتكون الثورة فتحاً للقيم النبيلة لافوضى سياسية تدمر قيم الاسلام ولا شعاراً من دون شريعة، وهكذا اعتنقت الروح الحسينية المقدسة مع نور الله في السماوات والارض لتكون ذكرى لمن كان له قلب اوالقى السمع وهو شهيد، وبذلك فالحسين(ع) حقاً هو وارث الانبياء والاوصياء والاولياء في صفاتهم ورسالاتهم الى البشرية جمعاء.
وختاماً ـ ايها الاعزاء ـ شكراً لكم على حسن المتابعة وحتى اللقاء القادم نستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
*******