يعتبر الأربعين حدثا فريدا في تاريخ البشرية، حيث تُوجد فيه عناصر قيّمة لطالما بحثت عنها فطرة الإنسان الساعية إلى الله، لكنها غالبًا ما ضاعت في صخب الحياة العصرية.
إن الطبيعة البشرية والفطرة الإنسانية متعطشة للصدق، العدالة والإيثار، الحنان والتعاطف؛ لكن هذه الجواهر الثمينة تتلاشى ببطء وسط غبار الدنيا وهموم الحياة، ويجد الإنسان نفسه بعيدًا عن جوهره. والأربعين يعد أكثر من مجرد مناسبة دينية، وبل هو ملتقى عظيم للعودة إلى هذه الينابيع النقية.
يجتمع الناس في مسيرة الأربعين، من جنسيات وأديان وثقافات مختلفة دون توقعات مادية وبنوايا صافية. ويوفر هذا التجمع الضخم مساحة جديدة لممارسة التعاطف والحوار والتسامح وقبول الآخرين. ربما لم تتح للكثيرين فرصة تجربة التعايش السلمي والعطاء خلال العام، ولكن هنا، يجد التائهون طريق الحب والمودة من جديد، ويتبادلون الهدايا.
تكتسب قيمٌ كالإيثار والضيافة معنىً أعمق خلال الأربعين. فالناس الذين يبذلون دون انتظار شيء من ممتلكاتهم المادية، والزوار الذين يضحون بالراحة والرفاهية ليستفيدوا من مشاق الطريق الروحي، يجدون أنفسهم في جوٍّ من البهجة والسرور تجاه الدنيا، ويقتربون من حقيقة الوجود. وفي هذه الأثناء، حتى الأطفال الصغار والمراهقون وكبار السن يدركون معنى المشاركة والتعاطف والتضامن بكل وجودهم.
ومن الإنجازات العظيمة الأخرى للأربعين استعادة الشعور بالعدالة ومقاومة الظلم، وإعادة تأهيله. كما أن إن ذكرى الإمام الحسين وأصحابه (ع)، بثباتهم وعدم مهادنتهم للباطل، تُلهم الإنسان المعاصر للنهوض من جديد والحفاظ على قيمه إذا شعر بضياع العدالة والحرية، مستلهما هذه الحقيقة التاريخية. ويتخذ هذا التعافي شكلًا جماعيًا واعيًا، ويربط الإنسان برسالته التاريخية في نصرة المظلومين.
يجد الإنسان وسط هذا الحشد وصحبة ملايين البشر، فرصة للتفكير في معنى الحياة وإعادة تفسير هويته. ويرى العديد من الزوار أنفسهم في المرآة من منظور مختلف، ويلمسون بشكل أفضل آلامهم ورغباتهم وآمالهم المشتركة. وهذه التجربة الجماعية لا تُعزز الروحانية الفردية فحسب، بل تُوفر أيضًا رصيدًا روحيًا لإصلاح المجتمع والتآزر الفكري والعملي.
إذن الأربعين ليس مجرد إحياء للقيم المفقودة، بل هو أيضا مدرسة إنسانية وحضارية؛ تجربة تُظهر أن الإنسان، بانخراطه في هذه الشعائر، يستطيع العودة إلى منبع الفضائل والنقاء، وبترميم هذه القيم، يلعب دورا فعالًا في بناء مستقبل أكثر إشراقًا للبشرية. كما أن الأربعين فرصة لهذه العودة المجيدة وتذكير بعهد جديد مع الذات ومع الله سبحانه وتعالى.