البث المباشر

لماذا يعتبر تخصيب اليورانيوم خطا أحمر بالنسبة لإيران؟

السبت 7 يونيو 2025 - 14:41 بتوقيت طهران
لماذا يعتبر تخصيب اليورانيوم خطا أحمر بالنسبة لإيران؟

إن قدرة الجمهورية الإسلامية الإيرانية على تخصيب اليورانيوم والحفاظ على دورة إنتاج الوقود النووي على أراضيها، مع السعي لتحقيق ذلك في إطار الاستخدامات السلمية وتحت إشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية، تُشكّل بطبيعة الحال نوعا من "الردع الاستراتيجي".

ففي الأيام الأخيرة، وبعد تصاعد النقاشات حول تخصيب اليورانيوم من قِبل إيران، وخاصةً في سياق المفاوضات النووية، أثارت هذه القضية فضولًا كبيرًا. كما أنه يُمثّل التخصيب أكبر فارق بين إيران والولايات المتحدة فيما يتعلق بالتوصل إلى اتفاق نهائي، على الأقل في هذه المرحلة. وهو خط أحمر مهم وجريء من طهران، وهي غير مستعدة للتراجع عنه. وهو خط أحمر تكرر باستمرار في مفاوضات خطة العمل الشاملة المشتركة، وتمكنت هذه المفاوضات من التوصل إلى قرار بشأن تخصيب أدنى بنسبة 3.67% على الأراضي الإيرانية.

من ناحية أخرى، يدّعي الأمريكيون أن التخصيب لا جدوى منطقية منه لأي دولة إلا إذا كانت ترغب في صنع قنبلة ذرية، وبالتالي لا ينبغي أن يكون لأي دولة لا تمتلك قنبلة ذرية هذا الحق أو هذه القدرة. وقد أكد ترامب مؤخرًا في تغريدة على أنه لا يوجد مستوى محدد للتخصيب.

وفي ظل هذه الظروف، يصبح السؤال أكثر أهمية من أي وقت مضى:

"لماذا تحتاج إيران إلى التخصيب في الدرجة الأولى، ولماذا يجب أن تصبح هذه القضية خط أحمر مهما لهذه الدولة في المفاوضات؟.


قدرة إيران على التخصيب، رافعة دبلوماسية فعالة


اليوم أصبحت دول في العالم رائدة في مجال العلوم والتكنولوجيا، وتشكل المعرفة النووية جزءا مهمًا من هذا المجال. وتعتمد إيران بشكل كبير في خطتها للعقدين المقبلين على الطاقة النووية التي تصل إلى 20 ألف ميغاواط، وعلى إنتاج الأدوية المشعة لمليون مريض.

بالتأكيد، وبالنظر إلى الظروف العالمية وخبرة الجمهورية الإسلامية السابقة في توفير الوقود اللازم لمفاعلاتها وضمان عملية إمداد دائمة بالوقود والتي واجهت العديد من الخروقات لالتزامات الأطراف الغربية، هناك سياسة استراتيجية في البلاد مفادها أنه لن يتم إيقاف التخصيب أو إزالته من إيران تحت أي ظرف من الظروف.

أدت هذه السياسة الاستراتيجية إلى عدم استعداد إيران لوقف التخصيب ولو للحظة واحدة، على الرغم من تأكيد ستة قرارات لمجلس الأمن على وقف أو تعليق التخصيب في الأعوام من 2006 إلى 2013، حتى تمكنت من إثبات التخصيب كحق مشروع لنفسها بناءً على خطة العمل الشاملة المشتركة والقرار 2231، بناءً على المادة 4 من معاهدة حظر الانتشار النووي "NPT".

ولهذا السبب، خلصت طهران إلى أن عدم الاستقلال في إنتاج الوقود النووي والاعتماد على هذه المادة الاستراتيجية يمكن أن يكون له عواقب وخيمة لا يمكن إصلاحها على البلاد.

ومن ناحية أخرى، تُعزز قدرة إيران التقنية والعملية في تخصيب اليورانيوم، وخاصةً قدرتها على خفض أو زيادة مستوى التخصيب، كرافعة دبلوماسية فعّالة، مكانتها الاستراتيجية في المفاوضات الدولية، بما في ذلك خطة العمل الشاملة المشتركة والمفاوضات الحالية والمستقبلية. وباعتبارها أداة ردع مشروعة، تُمكّن إيران من المشاركة الفعالة والمرنة والهادفة في الترتيبات الأمنية والسياسية الدولية. وحتى بإمكانت الجمهورية الإسلامية الإيرانية استخدام هذه الأداة لتبني سياسات متبادلة متناسبة وعقابية وقانونية ردًا على التزام الطرف الآخر أو عدم امتثاله.

إن قدرة إيران على تخصيب اليورانيوم والحفاظ على دورة إنتاج الوقود النووي على أراضيها، مع السعي لتحقيق ذلك في إطار الاستخدامات السلمية وتحت إشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية، تُنشئ بطبيعة الحال نوعًا من "الردع الاستراتيجي".

ويُثير هذا الردع الاستراتيجي قلقًا دائمًا لدى الأطراف الأخرى، وخاصةً أعداء إيران الإقليميين والخارجيين، من أن أي خطأ في حساباتهم قد تكون له عواقب وخيمة في منطقة التوتر في آلية منع الانتشار النووي.

 

التخصيب المحلي لليورانيوم 

يتطلب تخصيب اليورانيوم دمج العلوم والهندسة المتقدمة، والتي تلعب دورًا حيويًا في تطوير التكنولوجيا النووية. وأن الفيزياء النووية في تطوير صيغ فصل اليورانيوم، الهندسة الميكانيكية في تصميم وبناء أجهزة الطرد المركزي عالية الدقة، علوم المواد والمعادن لإنتاج مواد وسبائك مقاومة للظروف البيئية وعمليات الإطلاق النووية، الهندسة الكهربائية والتحكم بهدف تطوير أنظمة تحكم دقيقة، أجهزة استشعار ذكية وأتمتة عملية التخصيب، وتكنولوجيا الفراغ والنانو لتوفير بيئة فراغية والتحكم على نطاق النانو لزيادة دقة وكفاءة العملية، فكلها تندرج ضمن هذه العلوم والتقنيات عالية المستوى التي سنشهد نموها في إيران مع تخصيب اليورانيوم.

وبالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يوفر نمو هذه العلوم أيضًا لمئات التخصصات الفرعية ذات الصلة مزيدًا من المعرفة والاستفادة من فيض المعرفة المتعلقة بالتخصيب من العلوم الأخرى.

ومن النقاط المهمة للغاية في مجال التكنولوجيا أن ما تمكنت إيران من تطويره في علم التخصيب هو محلي تمامًا وبطريقة مستقلة. وفي الواقع، تمكنت إيران من تصميم وإنتاج أجهزة طرد مركزي من الجيل الجديد بكفاءة عالية جدًا تُنافس المعايير العالمية من حيث التكنولوجيا، مما أثار احتجاجها وضجيجها، لأنه في ظل العقوبات، يعكس القدرات العلمية العالية للبلاد.


هيبة وسمعة إقليمية ودولية

إن من أهم نتائج التخصيب على الأراضي الإيرانية هو المكانة والسمعة الدولية. وفي الواقع، تُعد جمهورية إيران الإسلامية الدولة الوحيدة في منطقة غرب آسيا التي حققت تقنية تخصيب اليورانيوم على مختلف المستويات بالاعتماد على المعرفة والقدرات المحلية، مما خلق سمعة طيبة للبلاد. ولا تزال معظم دول المنطقة، على الرغم من امتلاكها موارد مالية هائلة، في المراحل الأولى من تطوير دورة الوقود النووي، وتعتمد كليًا على جهات خارجية.

ومع ذلك، وبتجاوز هذه المرحلة، تُعتبر إيران دولة تتمتع باستقلال تكنولوجي في المجال النووي الحساس. ووفقًا لمعاهدة حظر الانتشار النووي، يُعد الحق في تطوير دورة الوقود النووي وتخصيب اليورانيوم للاستخدامات السلمية حقًا أساسيًا.

استطاعت الجمهورية الإسلامية الإيرانية من خلال تأكيد هذا الحق القانوني، الدفاع عن موقفها المشروع والموثق في وجه الضغوط السياسية والقانونية، ومواصلة أنشطتها تحت إشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية. وقد جعل هذا النهج من إيران رمزًا للدفاع النشط عن حقوق الدول النامية في استغلال التقنيات الجديدة والمتقدمة. وقد عزز إتقان إيران لتكنولوجيا التخصيب ودورة الوقود النووي الكاملة دورها كقوة علمية وتكنولوجية مستقلة على المستوى العالمي.

ونتيجة لذلك، فإن تخصيب اليورانيوم في إيران ليس مجرد إجراء تكنولوجي، بل يُعتبر أداة استراتيجية لتثبيت المكانة الوطنية في النظام الدولي متعدد الأقطاب ومقاومة الهيمنة التكنولوجية.

وفي واقع الأمر، تُعد تكنولوجيا تخصيب اليورانيوم في الأراضي الإيرانية ظاهرة "متعددة الأبعاد واستراتيجية"، إذ إنها، بالإضافة إلى مساهمتها في حل مشاكل الطاقة، يمكن أن توفر لإيران دعمًا كبيرا من حيث المصداقية الدولية والقدرة على الردع، ويمكن أن يكون فقدان هذه القوة مقلقا بنفس القدر.

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة