البث المباشر

الحوزات العلمية ودورها في نشر معارف القرآن وأهل البيت (ع)

الإثنين 5 مايو 2025 - 13:27 بتوقيت طهران
الحوزات العلمية ودورها في نشر معارف القرآن وأهل البيت (ع)

إن السؤال الأساسي الذي تواجهه الحوزات العلمية حاليا هو كيف تحدد علاقتها بمشروع الحضارة الإسلامية الجديدة. وإذا كان للأمة الإسلامية أن تعود إلى مكانتها الملهمة للعالم، فإن هذا لن يكون ممكنا إلا بإحياء العقلانية الدينية، الأخلاق القرآنية، والعدالة العلوية.

مما لا شك فيه أن الحوزة العلمية باعتبارها أقدم مؤسسة دينية شيعية لعبت على الدوام دورا محورياً في الصيانة، التبيين، التطوير والنشر لتعاليم القرآن الكريم وأهل البيت (عليهم السلام).

إن هذه المؤسسة ليست فقط مصدراً للفقه والاجتهاد ومركزاً لتكوين علماء الدين، بل هي أيضاً قاعدة اجتماعية وثقافية استطاعت أن تحافظ على الركيزة المعرفية والروحية للمجتمع الشيعي على مدى قرون طويلة.

 

الحوزات العلمية في المنظومة المعرفية الشيعية

على النقيض من بعض المدارس التي تعتبر التعليم الديني حكرا على فئة معينة من رجال الدين، فإن المعرفة الدينية في مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) تتمتع بنوع من "الفقه الديناميكي والنشط" الذي يعتمد على العقلانية، الاجتهاد والتفسير المستمر. تحاول الحوزات العلمية أن تكون التجسيد المؤسسي لهذا النهج؛ مراكز كانت منذ القرون الأولى للإسلام، وخاصة بعد عصر الغيبة الكبرى، مسؤولة عن حفظ سنة النبي (ص) والأئمة الأطهار (عليهم السلام)، وأخذت على عاتقها مهمة "إبلاغ ما نزل عليهم" بشكل منظم.

النقطة المهمة هنا هي أن الحوزات العلمية الشيعية، خلافا لمدارس الكنسية أو غيرها من المراكز الدينية التقليدية، كانت دائماً ذات طابع اجتهادي وتحليلي، وليس مجرد تقليد وخطابة. وهذه الخاصية نفسها هي التي ضمنت عدم تعرض تراث أهل البيت (عليهم السلام) للتشويه أو الانغلاق مع مروره عبر منعطفات التاريخ، بل تدفق بشكل أعمق في حياة الشيعة يوما بعد يوم.

 

القرآن الكريم وأهل البيت (ع): الجناحان الرئيسيان للحوزات العلمية

قال النبي الأكرم (ص) في حديث الثقلين المشهور صراحة: (إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي).

إن هذين التراثين يشكلان المحور الرئيسي للمعرفة الدينية، والحوزات العلمية هي المؤسسات المسؤولة بشكل خاص عن صيانة هذين الكنزين، تفسيرهما، تبيينهما وتوسيعهما.

رغم أن كثيراً من المراكز الدينية في العالم الإسلامي ركزت على القرآن الكريم فقط، إلا أن الحوزات العلمية الشيعية، مستفيدة من سيرة أهل البيت (عليهم السلام)، وفهمت القرآن الكريم في ضوء سنة المعصومين (عليهم السلام)، وقدمت هذا الفهم على أنه فهم كامل وصحيح لدين الإسلام.

إن التعليقات الفقهية، العقائدية والعرفانية العديدة التي جمعت في الحوزات هي مثال على هذا الارتباط بين الكتاب والعترة. وتعتبر كتب مثل تفسير الميزان للعلامة الطباطبائي (ره) أو مجمع البيان للطبرسي مظهرا ملموسا لهذا التفاعل العميق. تفاعل يستخدم القرآن الكريم وأحاديث أهل البيت (ع) لفهمه بعمق وشمول قدر الإمكان.

 

المهام المحددة للحوزات العلمية في العصر الحديث

في عالم اليوم، لم تعد الحوزات العلمية مجرد مراكز لتدريس العلوم التقليدية؛ بل إنها تلعب دورا فاعلا في الثقافة، المجتمع، الإعلام وحتى السياسة. ومن المهام الخاصة للحوزات العلمية في نشر تعاليم أهل البيت (ع)، وخاصة في عصر الاتصالات الرقمية، هي إنتاج المعرفة الدينية وفقاً للاحتياجات المعاصرة.

يجب علي الحوزات العلمية أن تستجيب للأسئلة، التحديات والاحتياجات المعرفية للإنسان الحديث. ولا ينبغي أن يقتصر هذا الإنتاج العلمي على الفقه الفردي، بل ينبغي أن يشمل أيضاً مجالات مثل الفقه النظامي، الأخلاق التطبيقية، الإلهيات اجتماعيا، فلسفة الدين، وحتى العلوم الإنسانية الإسلامية.

كما أنه تعد تربية المبلغين والمفسرين الدوليين مهمة خاصة أخرى للحوزات العلمية في العصر الحديث. إن مهمة نشر تعاليم أهل البيت (ع) اليوم لم تعد تقتصر على الحدود الجغرافية. ولذلك فإن تعليم الطلاب الذين يتقنون اللغات العالمية، ويتعرفون على الثقافات، ويمتلكون أدوات الاتصال الحديثة، يعد أولوية استراتيجية لها.

تقع على عاتق الحوزات العلمية أيضًا مسؤولية حماية الهوية الدينية ضد الهجمات المعرفية. وينبغي عليها في عصر هيمنة الإعلام الغربي، أن تكون حصناً معرفياً ضد الترويج لأسلوب حياة علماني، تفسيرات مشوهة للدين، وتفسيرات سلفية. وهذا يتطلب إنتاج محتوى ديني قوي، حديث وعقلاني.

لقد تم التعريف في الحوزات العلمية أيضا التواصل الذكي مع المجتمع، بحيث يجب أن تنأى بنفسها عن العزلة التقليدية وتعود إلى سياقه. ويجب إعادة تعريف دور رجال الدين في المساجد، الإعلام، الجامعات، الأسر والتعليم والتربية لتعزيز العلاقة بين الحوزات العلمية والجمهور.

 

النقد الداخلي وضرورة التحول

إلى جانب كل هذه القدرات، تحتاج الحوزات العلمية، مثل أي مؤسسات تاريخية أخرى، إلى النقد الداخلي وإعادة بناء الذات. وتشمل بعض الأضرار المحتملة، التركيز المفرط على العلوم التقليدية مع إهمال العلوم الدينية التطبيقية، الضعف في تنظيم إنتاج العلوم والاستجابة للاحتياجات الاجتماعية، الفشل في تحديث أساليب الدعاية والتعليم في العصر الرقمي، وعدم الاهتمام بجذب النخب وتعزيز رأس المال البشري في الحوزات.

إن التحول في الحوزات العلمية لا يعني التخلي عن التقاليد، بل إحيائها بشكل يتناسب مع متطلبات العصر. كما أن السنة الأصلية هي التي تستطيع أن تكتسب روحاً جديدة في أي وقت، وتقدم الرسالة الخالدة لأهل البيت (عليهم السلام) في أشكال جديدة.

 

الحوزات العلمية والحضارة الإسلامية الحديثة 

إن من أهم الأسئلة الاستراتيجية الأساسية التي تواجهها الحوزات العلمية هي كيفية تحديد علاقتها بمشروع الحضارة الإسلامية الجديدة. وإذا كان للأمة الإسلامية أن تعود إلى مكانتها الملهمة للعالم، فإن هذا لن يكون ممكنا إلا بإحياء العقلانية الدينية، الأخلاق القرآنية، والعدالة العلوية. ولا يمكن تشكيل هذا المثلث إلا من خلال مسار الحوزات العلمية.

ويجب علي الحوزات العلمية أن تصبح محركا لإنتاج المعنى في العالم المعاصر؛ معنى إلهي وإنساني في آن واحد، معنى تفوق التاريخ وأيضا مرتبطة بحقائق اليوم.

إذا استطاعت الحوزات العلمية، مع الحفاظ على عمقها المعرفي، أن تفكر في آفاق عالمية وتتابع رسالتها التاريخية بأدوات جديدة، فإنها بلا شك ستواصل لعب دورها الفريد في نشر تعاليم القرآن الكريم والعترة الطاهرة (ع).

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة