البث المباشر

تعزيز قوة الردع الإيرانية وتغيير المعادلات الاستراتيجية

الأحد 6 إبريل 2025 - 20:13 بتوقيت طهران
تعزيز قوة الردع الإيرانية وتغيير المعادلات الاستراتيجية

يشكل الهجوم الجوي الإسرائيلي على القنصلية الإيرانية في دمشق بتاريخ 1 أبريل 2024 نقطة تحول في التوترات الإقليمية، حيث ترك تأثيرات كبيرة على النظام الأمني لغرب آسيا وعلى موازين القوى الإقليمية.

وأدى الهجوم الذي استشهد فيه عدد من قادة فيلق القدس في حرس الثورة الإسلامية والمستشارين الإيرانيين إلى كشف أبعاد جديدة للصراعات والتحولات الاستراتيجية خلال السنة الماضية.

وأبرز هذه التحولات كان سقوط الحكومة السورية في ديسمبر 2024، مما غيّر موازين القوى الإقليمية. كما أن رد الفعل الإيراني الحازم أحدث تحولات جذرية في المفاهيم الأمنية والعسكرية بالمنطقة، مما دفع إلى إعادة تقييم أدوار اللاعبين الرئيسيين.

 

الخروج النسبي من حالة "حرب الظل"

تُعرف "حرب الظل" بأنها صراع غير مباشر يتم عبر عمليات خفية دون إعلان صريح من الأطراف. تاريخياً، يمكن مقارنتها بصراعات الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي. وخلال العقدين الماضيين، اتسمت المواجهة بين إيران وإسرائيل بهذا النمط عبر الهجمات السيبرانية والاغتيالات المستهدفة.

غير أن الهجوم على القنصلية الإيرانية بدّد هذا النمط، حيث لجأت إسرائيل إلى استراتيجية المغامرة لاختبار ردود الفعل الإيرانية. ومن جانبها، أظهرت طهران تحولاً في حسابات المخاطرة، وردّت بـ"عملية الوعد الصادق 1" بإطلاق 300 صاروخ وطائرة مسيرة نحو إسرائيل، مما مثّل أول مواجهة عسكرية مباشرة بين البلدين.

التأثيرات والتداعيات:

1- تصعيد الحرب وتغيير نمط الصراعات: 

من خلال تنفيذ هذا الهجوم واستشهاد العميد محمد رضا زاهدي (قائد فيلق القدس في سوريا ولبنان) والعميد محمد هادي حاجي رحيمي، كانت إسرائيل تسعى إلى ضرب البنية العسكرية الإيرانية في المنطقة بشكل مباشر.

ورداً على هجوم إسرائيل على قنصليتها في دمشق، أطلقت إيران 300 طائرة مسيرة وصاروخ على إسرائيل، مما شكل أول مواجهة عسكرية مباشرة بين البلدين. وأظهر هذا الهجوم جاهزية إيران لمواجهة التهديدات ضد البلاد، وبعد عام من هذا الهجوم تواصل تعزيز قدراتها الدفاعية والهجومية من خلال تطوير أنظمة الدفاع ومشروع المدن الصاروخية.

في المقابل، يحاول الكيان الصهيوني أيضًا خلق ردع ضد التهديدات الصاروخية الإيرانية من خلال تعزيز أنظمته الدفاعية والتعاون مع الولايات المتحدة.

 

2- تغيير التكتيكات: 

يعتبر رد إيران على الهجوم الإسرائيلي على قنصليتها في دمشق نقطة تحول في العلاقات الإقليمية. لقد أحدث هذا الإجراء إرباكاً في الأنظمة الفكرية والإدراكية للولايات المتحدة والكيان الصهيوني فيما يتعلق بإيران ومحور المقاومة. لقد تغير تماما التصور السابق بأن إيران سوف تمتنع عن الرد المباشر، الأمر الذي أدى إلى تحول جذري في استراتيجيات الأمن الإقليمي. وكان رد إيران على هذا الهجوم مهما من عدة نواح.

أولا، أظهر هذا الإجراء أن إيران لن تتراجع عن خطوطها الحمراء عندما تواجه أي انتهاك لسيادتها ومصالحها الوطنية.

ثانياً، نجح هذا الرد في تعزيز قوة الردع الإيرانية وتغيير المعادلات الاستراتيجية في المنطقة لصالحها.

ثالثا، عزز هذا الإجراء مصداقية إيران بين جماعات المقاومة الإقليمية وزاد من تضامن حركة المقاومة.

وعلاوة على ذلك، نفذت إيران وإسرائيل هجمات إلكترونية متبادلة ضد بعضهما البعض في السنوات الأخيرة. وعلى سبيل المثال، تشير التقارير إلى زيادة في الهجمات الإلكترونية الإيرانية على مراكز الطاقة والاتصالات الإسرائيلية في الأشهر التي أعقبت هجوم أبريل/نيسان 2024. وحاولت إسرائيل إضعاف الشبكات المرتبطة بإيران من خلال عمليات مثل العبث بأجهزة الاتصالات التابعة لحزب الله (تفجير أجهزة الاستدعاء في سبتمبر/أيلول 2024) واغتيال القادة.

 

3- انتهاك القانون الدولي وردود الفعل الدبلوماسية: 

كان هذا الهجوم هو الأول الذي تستهدف فيه إسرائيل منشأة دبلوماسية بعد قصف السفارة الصينية في بلغراد (1999). ويشكل هذا الإجراء انتهاكا واضحا لاتفاقيتي فيينا (1961 و1963) بشأن حصانات المباني الدبلوماسية. وأدانت دول مثل روسيا والصين وتركيا وحتى المملكة العربية السعودية الهجوم، ودعت روسيا إلى عقد اجتماع عاجل لمجلس الأمن الدولي. ورغم أن الولايات المتحدة لم تتحمل المسؤولية المباشرة، فإنها تبنت موقفا داعما لاسرائيل من خلال تعزيز التعاون الأمني ​​مع إسرائيل، بما في ذلك الاستعداد للهجمات الإيرانية المحتملة.

 

4- التأثير على ميزان القوى الإقليمي:

أدى استشهاد كبار قادة حرس الثورة الإيرانية، وخاصة العميد الشهيد زاهدي، الذي لعب دوراً محورياً في تنسيق قوات المقاومة، إلى تقليص القدرة العملياتية لإيران في سوريا ولبنان بشكل مؤقت وقصير. وكان الهدف من ذلك تقليص نفوذ إيران في محور المقاومة، لكنه لم ينجح. وبهذا الهجوم، أظهرت إسرائيل استعدادها لتصعيد مستوى الصراع لاحتواء إيران، حتى في ظل انتهاك القانون الدولي. وتأتي هذه الخطوة تماشيا مع استراتيجية "الحرب بين الحروب" التي تنتهجها إسرائيل لمنع إيران من تعزيز قوتها في المنطقة.

 

5- زيادة الوزن الاستراتيجي لإيران:

أدى رد إيران على الهجوم الإسرائيلي على قنصليتها في دمشق إلى زيادة الوزن الاستراتيجي لإيران في المعادلات الإقليمية والدولية. وكان لهذا الإجراء تأثيرات مهمة على الساحة الدولية، أهمها زيادة الثقل العسكري والأمني ​​لإيران على الساحة الدولية رداً على أي عدوان. وأظهر رد إيران أن البلاد تدافع عن خطوطها الحمراء. إن الوزن الاستراتيجي المتزايد لإيران دفع العديد من دول المنطقة إلى إعادة النظر في حساباتها واعتبار إيران قوة مؤثرة لا مفر منها في المعادلات الإقليمية. وساعد هذا على زيادة النفوذ السياسي والدبلوماسي لإيران في المنطقة.

 

6- توسيع نطاق الحرب خارج الحدود الإقليمية:

أدى هذا الهجوم إلى انتشار التوترات من غزة إلى سوريا ولبنان. وكان من بين نتائجها تزايد الهجمات الإسرائيلية على سوريا ولبنان، فضلاً عن تعزيز الوجود العسكري الأميركي في المنطقة. ورغم أن إيران تجنبت الصراع المباشر مع إسرائيل، إلا أن الهجوم زاد من احتمال تصعيد الصراعات بين إسرائيل والولايات المتحدة من جهة وايران من جهة اخرى في المستقبل القريب.

 

7- التشكيك في الهيمنة العسكرية الإسرائيلية:

كان من أهم نتائج رد إيران على الهجوم الإسرائيلي ومواجهة الإجراءات العسكرية للكيان الاسرائيلي من خلال عمليتي الوعد الصادق 1 و2 هو التشكيك في السطوة العسكرية الإسرائيلية. ومن خلال مهاجمة القنصلية الإيرانية واغتيال الشهيد إسماعيل هنية في طهران، حاولت إسرائيل أن ترسل رسالة مفادها أن قوتها الضاربة لا تزال عالية، وأن تتساءل عن جدوى مناقشة فقدان اسرائيل للهيمنة العسكرية بعد عملية طوفان الأقصى، لكن الرد الإيراني الحاسم أظهر أن إسرائيل كانت عرضة للردود الإقليمية.

وأدى هذا إلى التشكيك في التفوق العسكري المطلق لإسرائيل في المنطقة، وتشويه أسطورة قوتها التي لا تقهر. وخاصة في العام الماضي، كان لهذا التحول في تصور قوة إسرائيل تأثير عميق على الحسابات الاستراتيجية للجهات الفاعلة الإقليمية، وأدى إلى تحول ميزان القوى لصالح محور المقاومة.

 

8- تعزيز التقارب في محور المقاومة: 

ومن النتائج المهمة الأخرى لهذا الحدث تعزيز التقارب والتنسيق بين مجموعات ودول محور المقاومة. وعزز الهجوم الإسرائيلي على القنصلية الإيرانية العلاقات بين إيران وسوريا ولبنان (حزب الله) وجماعات المقاومة في فلسطين والعراق واليمن. وقد أدى هذا التقارب المتزايد إلى زيادة القدرة العملياتية والتنسيق الاستراتيجي لمحور المقاومة. 

 

9- تغير في النهج الأميركي تجاه التطورات الإقليمية: 

أدى هجوم إسرائيل على القنصلية الإيرانية في دمشق والرد الإيراني الحاسم عليه إلى تغير في النهج الأميركي تجاه التطورات الإقليمية. وقد دفع هذا الحدث الولايات المتحدة إلى أن تكون أكثر حذراً في حساباتها تجاه إيران ومحور المقاومة، وأن تواجه حقائق جديدة في المنطقة. وأظهر الرد الإيراني الحاسم أن تكلفة أي مغامرة عسكرية ضد إيران مرتفعة للغاية، وهذا أثر على الحسابات الاستراتيجية الأميركية. وعلى مدى العام الماضي، دفعت هذه التطورات الولايات المتحدة إلى تبني نهج أكثر حذرا تجاه إيران، على الرغم من التهديدات المتزايدة بشن هجوم عسكري ضد إيران.

 

التأثيرات طويلة المدى والدروس الاستراتيجية

1- التحول في الاستراتيجية الإيرانية: 

قد تركز إيران على تعزيز قدراتها السيبرانية وعملياتها غير المباشرة من خلال مجموعات متحالفة، بدلاً من الاستجابة العسكرية المباشرة. وتشير التقارير إلى تزايد الهجمات الإلكترونية على البنية التحتية الإسرائيلية في الأشهر التي أعقبت الهجوم.

 

2- التضامن الإقليمي:

إن إدانة الهجوم من قبل دول عربية مثل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة تعكس قلقا مشتركا إزاء عدم الاستقرار الناجم عن تصرفات إسرائيل. وقد يؤدي هذا إلى تشكيل تحالفات غير مباشرة ضد إسرائيل.

 

3- الضغوط على إسرائيل:

على الرغم من أن إسرائيل تتمتع بالدعم الدولي، فإن انتهاكاتها المتكررة للقانون الدولي قد تضعف مكانتها الدبلوماسية. وتعتبر الإدانات المتكررة من جانب الأمم المتحدة والمجتمع الدولي أمثلة على هذه الضغوط.

 

4- التأثير على تطبيع العلاقات مع إسرائيل: 

كان من أهم نتائج هذا الهجوم ورد إيران عليه التأثير المباشر على عملية تطبيع العلاقات بين الدول العربية وإسرائيل. وكانت العملية المعروفة باسم "اتفاقيات إبراهيم"، والتي كانت تتقدم بسرعة في السابق، واجهت عقبات خطيرة بعد هذه الحادثة. وأعادت الدول العربية التي كانت على طريق تطبيع العلاقات مع إسرائيل النظر في حساباتها بعد أن لاحظت ضعف إسرائيل وقدرة إيران على الرد.

ودفع هذا التطور العديد من دول المنطقة إلى تبني نهج أكثر حذرا تجاه إسرائيل والامتناع عن توسيع العلاقات مع هذا الكيان. وأظهر الهجوم على القنصلية الإيرانية والرد الإيراني الحاسم أن إسرائيل، على الرغم من ادعائها بالقوة العسكرية، معرضة لردود الفعل الإقليمية، وأن هذه القضية أثرت على الحسابات الاستراتيجية للدول الإقليمية.

إن الهجوم على القنصلية الإيرانية في دمشق لم يؤد إلى تصعيد التوترات القائمة بين إسرائيل وإيران فحسب، بل أظهر أيضاً أن قواعد الاشتباك التقليدية في المنطقة آخذة في التغير. ومنذ أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، تسعى الولايات المتحدة وإسرائيل إلى تحقيق فكرة "إعادة بناء المنطقة"، وتُعد تصرفات الكيان الصهيوني في غزة ولبنان وسوريا خلال العام الماضي، وتحالف ترامب ودعمه لهذا الكيان، والزيادة الحالية في مستوى التهديدات، بمثابة محاولة لتحقيق هذه الفكرة.

ولكن كل الجهود المبذولة حتى الآن كانت لها النتيجة المعاكسة لما كان متوقعا، وخلال العام الماضي، ورغم ارتفاع مستوى التحركات والاستفزازات والتهديدات والتوترات في المنطقة والتطورات الاستراتيجية في التحالفات الأمنية، خلافا لتصورات نتنياهو وأحلامه، فإنه لا توجد فرصة لـ "تغيير ميزان القوى في المنطقة لسنوات"، ولكن خطر تصعيد الصراعات يظل قويا بسبب غياب آليات حل النزاعات واستمرار الأعمال الإرهابية الإسرائيلية في المنطقة.

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة