عطوان: لماذا لا نستبعد صحة توقعات السيد نصر الله بحدوث الحرب مع إسرائيل واستشهاده؟
عندما زرت لبنان قبل أسبوعين والتقيت العديد من السياسيين والمحللين والمسؤولين، ابتداء من الرئيس اللبناني ميشال عون، وانتهاء بقيادات من الصف الأول من "حزب الله"، كان الانطباع الأقوى الذي خرجت به، أن المنطقة باتت على حافة الحرب، وأن الاحتقان بلغ ذروته وبات بانتظار عود الثقاب أو المتفجر.
في مقال سابق، تضمن حوصلة لهذه اللقاءات، توقفت عند الثالث من أيار (مايو) المقبل كأحد المواعيد المرشحة لساعة الصفر لهذه الحرب، وبنيت توقعاتي هذه على أن هذا التاريخ سيشهد تطبيق المرحلة الثانية من العقوبات الأميركية المفروضة على إيران، ومنعها من تصدير أي برميل نفط، واحتمال تنفيذ نتنياهو لتهديداته بقصف ناقلات النفط الإيرانية في الخليج الفارسي والمحيط الهندي، لمنع وصولها إلى أسواق شرق آسيا، الزبون الأكبر للصادرات الإيرانية الامر الذي قد يدفع إيران وحرسها الثوري إلى الرد بأكبر قدر ممكن من القوة، لأن وقف الصادرات النفطية الإيرانية يعني تجويع الشعب، وإشعال فتيل ثورة لتغيير النظام على غرار ما حدث في العراق وليبيا.
المعلومات التي استندت اليها في المقال المذكور الذي أثار ضجة كبرى، في لبنان على الاقل، جاءت على لسان مسؤول كبير من "حزب الله" التقى السيد حسن نصر الله قبل لقائي به بيومين ضمن مسؤولين آخرين من الصف الأول في الحزب، ولذلك لم أفاجأ بالتقرير الذي نشرته صحيفة "الرأي" الكويتية اليوم، وأكد أن السيد نصر الله يعتقد أن احتمال نشوب حرب مفاجئة مع إسرائيل بات وشيكا، وقد يكون هذا الصيف على الارجح، وأنه، أي السيد نصر الله، وضع جميع قواته في حالة الاستعداد القصوى، وطلب من قادة المناطق عدم إخفاء هذه الحقيقة، وإطلاع الأهالي في جنوب لبنان على هذا الاحتمال"، وتوقع إقدام المخابرات الإسرائيلية على عمليات اغتيال قد تستهدفه وقيادات الصف الأول في حزبه.
***
حالة الصمت التي تسود إيران وسوريا وحزب الله حاليا، وعدم الرد على الاعتداءات الإسرائيلية على سوريا ربما تصب في مصلحة استراتيجية الانتظار التي تتبعها هذه الأطراف حاليا، انتظارا للمواجهة الأكبر، وعدم إعطاء بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي الذريعة لشن الحرب وتحميلها المسؤولية مثلما كشف لنا مسؤول كبير من "حزب الله" في لبنان.
الخبراء العسكريون الإسرائيليون اكدوا اكثر من مرة في مقالات ومقابلات تلفزيونية أن نتنياهو، وبعد أن "حيّد" جميع الجيوش العربية، ووقع معاهدات سلام مع جميع دول المواجهة، واتفاقات هدنة مع "حماس"، واقام علاقات تحالف "حمائية" مع دول الخليج (الفارسي)، بات يعتقد أن "حزب الله" وإيران، هما التهديد الوحيد المتبقي الذي يتحتم عليه ازالته وبأسرع وقت ممكن.
حرص الرئيس الأميركي دونالد ترامب على فوز نتنياهو وتكتل الليكود الذي يتزعمه في الانتخابات التشريعية الأخيرة، وتقديم الهدايا الثمينة الواحدة تلو الأخرى، مثل الاعتراف بالقدس المحتلة عاصمة ابدية للدولة العبرية، وضم هضبة الجولان السورية اليها، واسقاط صفة الاحتلال عن الضفة وغزة، كلها مؤشرات توحي بأن هذا الحرص يأتي في إطار مخطط متفق عليه بشكل مسبق لخوض الحرب القادمة ضد إيران و"حزب الله" من قبل إدارة ترامب وإسرائيل وبمساعدة "الناتو العربي السني".
قرار السيد علي خامنئي المرشد الاعلى للثورة المفاجئ الذي صدر مساء اليوم الاحد، بتعيين الجنرال حسين سلامي قائدا جديدا للحرس الثوري خلفا للجنرال محمد علي جعفري، وبعد أيام من تصنيفه (الحرس) كحركة إرهابية من قبل الولايات المتحدة قد يكون في إطار الاستعدادات لهذه الحرب، فهو يعتبر من جناح "الصقور" في المؤسسة العسكرية الإيرانية، وهدد بإزالة إسرائيل من الوجود، وقطع يديها وليس اصابعها فقط اذا ما اعتدت على بلاده.
عندما يقول السيد نصر الله في اجتماع مع قادة الصف الاول في حزبه "قد لا أبقى معكم لفترة طويلة"، مثلما ورد في تقرير الصحيفة الكويتية الذي كتبه صحافي مقرب جدا من دوائر "حزب الله" وموضع ثقته، فان هذه "وصية" القائد لجنوده، تقول بان احتمال الشهادة باتت وشيكة، ولا نستغرب أن يكون قد عرض عليهم خطط الحرب، ووزع عليهم الأدوار.
البنى التحتية للمواجهة في جنوب لبنان اكتملت ومعها قوة الردع الصاروخية الهائلة، فجبال الجنوب الشامخة تخفي في جوفها مدن وقرى ومصانع للصواريخ الدقيقة في جوفها، والحرب اذا ما اشتعلت لن تكون طريق من اتجاه واحد، حيث ستنطلق مئات وربما آلاف الصواريخ يوميا باتجاه مدن ومطارات ومصانع واهداف عسكرية في فلسطين المحتلة.. من جنوب لبنان.. من سوريا.. من إيران.. وربما من قطاع غزة أيضا.
***
إستعادة الجليل وكل شمال فلسطين ربما تكون أبرز مفاجآت الحرب المقبلة، وأكد لي شخصيا هذه الحقيقة الشهيد سمير القنطار قبل أشهر من اغتياله، ولهذا تتحدث تقارير إسرائيلية عن احتمال إخلائه، أي الجليل وهضبة الجولان المحتلين من المستوطنين قبيل اندلاع الحرب خوفا من قتلهم أو خطفهم.
إسرائيل لم تنتصر وخرجت مهزومة من جميع حروبها التي خاضتها منذ هزيمة عام 1967، والحرب القادمة لن تكون استثناء، ولا نستبعد مرة أخرى انها ستكون آخر هزائمها واضخمها على الإطلاق، هزيمة ما بعدها هزيمة، وحرب ما بعدها حرب، وسيدفع حلفاؤها في الخليج الفارسي والمنطقة العربية ثمنا باهظا أيضا اذا ما شاركوا فيها، وربما لهذا السبب ابلغ الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي نظيره الأميركي انسحابه من حلف الناتو السني، اثناء زيارته الأخيرة لواشنطن.
طفح كيل امتنا من الاهانات المذلة التي تتعرض لها هذه الأيام على ايدي ترامب ونتنياهو، مثلما طفح كيلها من عمليات النهب لثرواتها، ولعل الحرب المقبلة، اذا ما انفجرت، تكون مخرجا ونهاية درب الآلام.. أو هكذا نأمل.. والأيام بيننا.
عبد الباري عطوان