البث المباشر

إيران وتطوير صناعة البتروكيماويات .. إستراتيجيات النجاح

الإثنين 10 فبراير 2025 - 14:23 بتوقيت طهران
إيران وتطوير صناعة البتروكيماويات .. إستراتيجيات النجاح

حققت صناعة البتروكيماويات الإيرانية تقدماً ملحوظاً على مدى العقود الأربعة الماضية، حيث تطورت من مجرد تلبية الاحتياجات المحلية إلى أن تصبح واحدة من أهم مصادر النقد الأجنبي في البلاد.

وتواكب هذا التطور مع مسيرة تقدم الثورة الإسلامية، حيث شهدت الصناعة نمواً قوياً وساهمت بشكل كبير في تنفيذ برامج التنمية الوطنية بين عامي 1979 و2024.

وتمثل صناعة البتروكيماويات اليوم 30% من صادرات إيران غير النفطية، مع قدرة إنتاجية سنوية تزيد عن 96 مليون طن، وإيرادات تفوق 23 مليار دولار. وقد تناول تقرير الوكالة تطور هذه الصناعة بعد انتصار الثورة الإسلامية، مستندًا إلى خطط التنمية الوطنية من الأولى إلى السابعة، بالإضافة إلى أداء الحكومة الرابعة عشرة في هذا المجال.

بدايات الصناعة قبل الثورة الإسلامية
عند انتصار الثورة الإسلامية في إيران عام 1979، كانت صناعة البتروكيماويات الإيرانية قد بلغت من العمر حوالي 15 عاماً. خلال هذه الفترة، كان الهدف الرئيسي للصناعة هو تلبية الاحتياجات المحلية من الأسمدة الكيماوية وبعض المواد الكيميائية والبتروكيماوية الأساسية.

وشهدت تلك المرحلة بناء عدة مجمعات بتروكيماوية، منها مجمعات رازي (شاهبور)، وعبادان، وبازرغاد، وأهواز كاربون، وخارك، وفارابي (إيران نيبون)، بالإضافة إلى مشاريع تطوير البتروكيماويات في شيراز، وجزء كبير من مجمع البتروكيماويات بندر إمام (إيران - اليابان).

وبحلول عام 1977، بلغت الطاقة الإنتاجية لصناعة البتروكيماويات حوالي 3 ملايين طن من المنتجات الوسيطة والنهائية، مع استثمارات إجمالية في الشركة الوطنية للصناعات البتروكيماوية تقدر بنحو 110 مليار ريال.

التطور بعد الثورة الإسلامية
بعد انتصار الثورة الإسلامية، شهدت صناعة البتروكيماويات تطوراً كبيراً، حيث تم تعزيز القدرات الإنتاجية وتوسيع نطاق الصادرات، وباتت هذه الصناعة تلعب دوراً محورياً في الاقتصاد الإيراني، ليس فقط من خلال توفير المنتجات المحلية، ولكن أيضاً من خلال المساهمة في زيادة الإيرادات من العملات الأجنبية.

واليوم، تعد صناعة البتروكيماويات في إيران واحدة من أبرز القطاعات الصناعية التي تعكس نجاح الجهود المبذولة في تحقيق الاكتفاء الذاتي والتنمية الاقتصادية، مما يجعلها نموذجًا للتقدم الصناعي في المنطقة.

تطور صناعة البتروكيماويات بعد انتصار الثورة
بعد انتصار الثورة الإسلامية، ركزت أنشطة الشركة الوطنية للصناعات البتروكيماوية في إيران خلال الفترة من 1979 إلى النصف الأول من 1988 على دعم جبهات الحرب المفروضة، بالإضافة إلى مراحل التصميم والهندسة والإعداد لمجمعات أراك وأصفهان. خلال هذه الفترة، كان النشاط الرئيسي الوحيد هو استكمال مشروع تطوير البتروكيماويات في شيراز. ومع قبول قرار مجلس الأمن رقم 598 في النصف الثاني من 1988، بدأت الشركة جهودًا مكثفة لإعادة إعمار وتحديث المجمعات والوحدات الإنتاجية.

وصل إجمالي استثمارات الشركة الوطنية للصناعات البتروكيماوية في هذه الفترة إلى 420 مليار ريال، مما مكنها من استكمال مشروع تطوير البتروكيماويات في شيراز (الأمونيا واليوريا 2) ووحدة الكلور والقلويات، بالإضافة إلى بدء تنفيذ مشاريع الميثانول في شيراز، ومجمع البتروكيماويات في أراك، ووحدة ثنائي فوسفات الأمونيوم في رازي. كما تم تأسيس شركة تصميم هندسة الصناعات البتروكيماوية (بيدك) في إطار مشروع الميثانول الأول في شيراز، حيث تم لأول مرة تنفيذ تصميم تفصيلي محليًا.

في عام 1988، وصل مجمع البتروكيماويات في شيراز إلى أعلى مستوى إنتاج له بعد الثورة، وفي الوقت نفسه، استؤنف الإنتاج في المرحلتين الأولى والثانية من مجمع رازي البتروكيماوي. وبلغ إجمالي الإنتاج في هذا العام 880 ألف طن من المنتجات الوسيطة والنهائية، مع تصدير حوالي 270 ألف طن من الكبريت بقيمة 26 مليون دولار، وبيع 430 ألف طن من المنتجات الكيماوية محليًا بقيمة 5 مليارات ريال.

البرنامج الأول للتنمية (1989 – 1994)
خلال الفترة من 1989 إلى 1994، ومع تنفيذ أول برنامج تنمية للجمهورية الإسلامية، تم متابعة إعادة إعمار المجمعات المتضررة من الحرب بجدية، وتم تشغيل العديد من المجمعات المتضررة تدريجيًا. في الوقت نفسه، تم استكمال عدد من المشاريع الأساسية للشركة، بما في ذلك مجمعات البتروكيماويات في أصفهان وأراك (المرحلة الأولى) وبندر إمام، وبدأ تشغيلها.

من بين الأهداف الرئيسية لهذا البرنامج تلبية احتياجات الصناعات التحويلية (مشروع استبدال الواردات)، وتصدير المنتجات البتروكيماوية، والمساعدة في التخلص من الاقتصاد أحادي المنتج على المدى الطويل، وتوفير أساسيات نمو صناعة غير معتمدة على الخارج، ووضع أسس التكنولوجيا المحلية، والاستفادة القصوى من الإمكانات المحلية.

تضمنت المشاريع الإنشائية للبرنامج الأول 10 مشاريع جديدة. وشملت هذه المشاريع تشغيل وحدة ثنائي فوسفات الأمونيوم في رازي (1990)، ومشروع الميثانول الأول في شيراز (1990)، ومجمع البتروكيماويات في بندر إمام (1994-1990)، ومجمع البتروكيماويات في أصفهان (1992)، والمرحلة الأولى من مجمع البتروكيماويات في أراك (1993)، وتوسيع وحدة الكربون الأسود الصناعي في الأهواز (1994).

بلغ إجمالي الاستثمارات 7085 مليار ريال، وساهم التشغيل التدريجي للمشاريع الجديدة في زيادة قدرة الإنتاج للشركة من 5.3 مليون طن في عام 1989، بمتوسط نمو سنوي قدره 13.5%، إلى 10.3 مليون طن في عام 1994.

البرنامج الثاني للتنمية (1995-1999)
تم وضع البرنامج الثاني للشركة الوطنية للصناعات البتروكيماوية بهدف زيادة الربحية، وتطوير الصادرات، وتعزيز الخصخصة، وزيادة الإنتاج وتنويع المنتجات بمنتجات خاصة وجديدة. خلال سنوات هذا البرنامج، ركزت الشركة على تحقيق أهداف الربحية، وتوسيع الصادرات، وزيادة مشاركة القطاع الخاص في أنشطتها.

مع بدء تشغيل المشاريع المتبقية من البرنامج الخمسي الأول، وصل الإنتاج السنوي للمنتجات البتروكيماوية إلى 11 مليون طن. وفي إطار هذا البرنامج، وتماشياً مع الأهداف المعلنة، تم تنفيذ مشاريع جديدة في منطقة بندر إمام، مستفيدة من المزايا النسبية للبلاد مثل الوصول إلى المياه الدولية، والموارد الهائلة من النفط والغاز، والمرافق والبنى التحتية الأخرى. كما تم إنشاء "المنطقة الاقتصادية الخاصة للبتروكيماويات" في منطقة بندر إمام لتنفيذ مشاريع البتروكيماويات والصناعات المرتبطة بها، وذلك لتحقيق سياسة جذب الاستثمارات الأجنبية وزيادة الصادرات غير النفطية.

وصلت القدرة الإنتاجية السنوية للشركة الوطنية للصناعات البتروكيماوية مع بدء تشغيل المشاريع المتبقية من البرنامج الأول، والتي شملت مجمعات البتروكيماويات في أراك (المرحلة الثانية ومشروع بوتاكلر أراك)، وأرومية، وخراسان، وتبريز في السنوات الأولى من البرنامج الخمسي الثاني، بالإضافة إلى مشروع الميثانول في خارك بنهاية عام 1999، إلى 14 مليون طن. وبلغ إجمالي الاستثمارات في هذا البرنامج 8,123 مليار ريال.

ارتفع إنتاج الشركة من 7.5 مليون طن في عام 1994 بمتوسط نمو سنوي يقارب 8%، إلى 11 مليون طن في عام 1999. كما شهدت مبيعات الشركة نموًا ملحوظًا مع طرح منتجات جديدة في السوق، حيث وصلت المبيعات المحلية في عام 1999 إلى 3.8 مليون طن بقيمة 4,300 مليار ريال، بينما بلغت صادرات المنتجات البتروكيماوية 2.9 مليون طن بقيمة 580 مليون دولار، بمعدل نمو سنوي قدره 16%.

وبحلول نهاية البرنامج الثاني، ارتفعت حصة البتروكيماويات في إجمالي الصادرات غير النفطية إلى 17.2%، وفي صادرات القطاع الصناعي إلى 30.7%، مما يعكس الدور المتزايد لهذه الصناعة في تعزيز الاقتصاد الإيراني وتنويع مصادر الدخل.

التنموية الثالثة (1990 – 2004)
تمكنت الشركة الوطنية الإيرانية للبتروكيماويات من تحقيق إنجازات كبيرة خلال الخطة التنموية الثالثة التي امتدت من عام 1990 إلى عام 2004، وذلك من خلال تنفيذ أهداف طموحة وشاملة ركزت على تعزيز القدرات الإنتاجية وتحسين جودة المنتجات.

اعتمدت الخطة على إنجازات المرحلة السابقة (الخطة الخمسية الثانية)، وركزت على الاستخدام الأمثل للقدرات الحالية، وتجديد الوحدات الإنتاجية القديمة، وإنتاج منتجات ذات قيمة مضافة أعلى، بالإضافة إلى تعزيز الاعتماد على القدرات الفنية والهندسية المحلية. كما أولت الخطة اهتماماً خاصاً لتنمية الصادرات، ودعم الخصخصة، وجذب استثمارات القطاع الخاص، وتوسيع أنشطة البحث والتطوير.

ومن بين المشاريع الرئيسية التي تم تنفيذها خلال هذه الفترة، مشاريع تهدف إلى إنتاج منتجات ذات قيمة مضافة أعلى وتحسين استخدام المواد الخام مثل الإيثان والسوائل الغازية. وقد تم اختيار منطقة بارس الاقتصادية الخاصة للطاقة كموقع استراتيجي لتنفيذ هذه المشاريع، وذلك نظراً لقربها من موارد الغاز الطبيعي في حقل بارس الجنوبي.

وبفضل استثمارات ضخمة بلغت 115.4 تريليون ريال، ارتفعت الطاقة الإنتاجية السنوية للشركة إلى 18 مليون طن بحلول نهاية عام 2004. كما شهد إنتاج المنتجات البتروكيماوية زيادة ملحوظة من 11 مليون طن في عام 1999 إلى 15 مليون طن في عام 2004. وفي العام نفسه، بلغت صادرات المنتجات البتروكيماوية 5.2 مليون طن بقيمة 1.726 مليار دولار، بينما بلغت المبيعات المحلية 4.8 مليون طن بقيمة 12.6 تريليون ريال.

هذه الإنجازات تعكس النمو الكبير الذي شهدته صناعة البتروكيماويات الإيرانية خلال الخطة التنموية الثالثة، مما يؤكد نجاح الاستراتيجيات المتبقية في تعزيز مكانة إيران كواحدة من الدول الرائدة في هذا القطاع على المستوى الإقليمي والدولي.

تطور صناعة البتروكيماويات
شهدت صناعة البتروكيماويات الإيرانية تطوراً ملحوظاً عبر الخطط التنموية المتعاقبة، بدءاً من الخطة الرابعة (2005-2010) وصولاً إلى الخطة السابعة (2023-2027)، حيث تم تحقيق إنجازات كبيرة في تعزيز القدرات الإنتاجية وتوسيع سلسلة القيمة وزيادة الصادرات.

الخطة التنموية الرابعة (2005-2010)
ركزت الخطة التنموية الرابعة على تطوير صناعة البتروكيماويات من خلال استخدام موارد الهيدروكربون الغازي لإنتاج منتجات ذات قيمة مضافة أعلى، مع الاعتماد على القدرات المحلية وجذب استثمارات القطاع الخاص. تم خلال هذه الفترة تنفيذ 40 مشروعاً بطاقة إنتاجية بلغت 34.3 مليون طن، مما أسهم في تعزيز مكانة إيران كواحدة من الدول الرائدة في هذا القطاع.

الخطة التنموية الخامسة (2011-2016)
استمر التطور المتسارع لصناعة البتروكيماويات خلال الخطة الخامسة، حيث تمت إضافة 10.5 مليون طن إلى الطاقة الإنتاجية للبلاد من خلال 26 مشروعاً، شملت الإنتاج والبنية التحتية والخدمات المساعدة. تم تنفيذ معظم هذه المشاريع من قبل القطاع الخاص، مما يعكس نجاح سياسات جذب الاستثمارات الخاصة.

الخطة التنموية السادسة (2017-2023)
بحلول نهاية الخطة السادسة، تم تشغيل 25 مشروعاً جديداً للبتروكيماويات بطاقة إجمالية بلغت 33.6 مليون طن، ليصل إجمالي الطاقة الإنتاجية لصناعة البتروكيماويات إلى 96.3 مليون طن. وتم خلال هذه الفترة إنتاج 74.3 مليون طن من المنتجات البتروكيماوية، حققت إيرادات بلغت 23.3 مليار دولار من خلال المبيعات المحلية والصادرات.

الخطة التنموية السابعة (2023-2027)
مع بداية الخطة السابعة، ركزت صناعة البتروكيماويات على استكمال سلسلة القيمة لمنع مبيعات النفط الخام وخلق قيمة مضافة أعلى. يجري حالياً تنفيذ 67 مشروعاً جديداً بطاقة إنتاجية تبلغ 35.2 مليون طن سنوياً، باستثمارات تصل إلى 25 مليار دولار. حتى الآن، تم استثمار 12 مليار دولار، وتم إنتاج 59.02 مليون طن من المنتجات البتروكيماوية، بزيادة 3.5% مقارنة بالعام الماضي. كما تم تصدير 23.91 مليون طن بقيمة 10.34 مليار دولار، بزيادة 7% من حيث الوزن.

صناعة البتروكيماويات في عهد الحكومة الرابعة عشرة
منذ تشكيل الحكومة الرابعة عشرة في أغسطس 2023 وحتى نهاية ديسمبر من العام نفسه، تم إنتاج 24.2 مليون طن من المنتجات البتروكيماوية. بلغت المبيعات المحلية 5.3 مليون طن بقيمة 4.7 مليار دولار، بينما تم تصدير 13.4 مليون طن بقيمة 5.8 مليار دولار. وتم إيداع 3.3 مليار دولار من عائدات الصادرات في نظام نيما بعد تلبية احتياجات الشركات من النقد الأجنبي.

إجراءات الشركة الوطنية للبتروكيماويات
قامت الشركة الوطنية للبتروكيماويات بعدة إجراءات لتعزيز الصناعة، بما في ذلك تشكيل مجموعات عمل لتنفيذ الخطة السابعة، وبدء دراسات التخطيط الاستراتيجي، وإصلاح عملية إصدار تصاريح المشاريع. كما تم توقيع مذكرات تفاهم بين الشركات المستثمرة لتعزيز التعاون في تنفيذ المشاريع البتروكيماوية.

هذه الإنجازات تعكس النمو المستمر لصناعة البتروكيماويات الإيرانية، والتي تسهم بشكل كبير في تعزيز الاقتصاد الوطني وزيادة الصادرات غير النفطية.

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة