ظهر يوم الثلاثاء الموافق 21 يناير 2025، فوجئ الفلسطينيون باقتحام واسع النطاق نفذته قوات كبيرة من جيش الاحتلال الإسرائيلي لمدينة جنين ومخيمها، بالتزامن مع انسحاب أجهزة أمن السلطة الفلسطينية التي كانت تفرض حصاراً على المخيم منذ 47 يوماً. جاء هذا الاقتحام في إطار إعلان الاحتلال بدء عملية السور الحديدي، والتي تهدف وفق زعم الاحتلال إلى القضاء على المقاومة الفلسطينية.
هذه العملية جاءت بعد يومين فقط من وقف إطلاق النار في قطاع غزة، وسبقتها بيومين غارتان إسرائيليتان استهدفتا مخيم جنين وأسفرتا عن استشهاد 12 فلسطينيًا. خلال تلك الغارات، استمر حصار أجهزة أمن السلطة للمخيم، فيما انتشرت قناصتها على المباني المرتفعة، مما أظهر بوضوح تام كيفية تبادل الأدوار بين الاحتلال والسلطة في قمع المقاومة ومعاقبة الحاضنة الشعبية الداعمة لها.
سيناريو الإبادة
أهداف كبيرة أطلقها الاحتلال لعمليته في جنين، محاولا من خلالها مداراة فشله في تحقيق أي من أهداف المعلنة في حرب الإبادة على غزة، فقد رضخ لوقف النار وتنفيذ صفقة تبادل وبقيت حماس حاضرة ولا بديل عنها في قطاع غزة.
حصار وغارات وقتل وتهجير قسري واعتقالات وحصار المستشفيات، بهذه المكونات الست بدأت قوات الاحتلال عدوانها على جنين مستعيدة سيناريوهات وحشية نفذتها في قطاع غزة على مدار أكثر من 15 شهرًا.
هذه الحالة دفعت المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان إلى التحذير بأن الاحتلال يعيد تكرار الإبادة الجماعية التي ارتكبها في قطاع غزة في الضفة الغربية.
وعبر المركز في بيان له عن قلقه أن يكون الهجوم على جنين بداية لتصعد كبير في الضفة الغربية بعد سريان وقف إطلاق النار قطاع غزة، ما ينذر بوقوع أعداد كبير من الضحايا والدمار وتكرار سيناريو الإبادة الجماعية الذي ارتكبته في القطاع.
وزير الحرب الإسرائيلي يسرائيل كاتس لم يخف هذا التوجه، معلنا أن الجيش يطبق حاليا في الضفة الغربية المحتلة الدروس التي تعلمها في قطاع غزة.
وزعم كاتس -في بيان نشره مساء أمس الأربعاء- أن الهجوم على مخيم جنين سيغير مفهوم الأمن بالنسبة للجيش الإسرائيلي في الضفة، مشيرا إلى أن عملية “السور الحديدي” التي بدأها الجيش الإسرائيلي -أول أمس الثلاثاء- هي “الدرس الأول (المستفاد) من أسلوب الغارات المتكررة في غزة”.
أما رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو فادعى أن العملية “خطوة أخرى نحو تحقيق الهدف الذي حددناه، وهو تعزيز الأمن في يهودا والسامرة (المسمى الإسرائيلي للضفة الغربية)”، وهي مجرد شعارات لتبرير القتل والإبادة كما حدث طوال الفترة الماضية في قطاع غزة.
مجريات العدوان
عدوان الاحتلال الجديد على جنين بدأ حوالي الساعة 12:15 من يوم الثلاثاء 21 يناير 2025، عندما تسللت قوة خاصة إسرائيلية بزي عسكري كامل، مستخدمة مركبة مدنية كادي ومركبات أخرى إلى أطراف مخيم جنين، وتحديداً حي الهدف الواقع على الجهة الغربية للمخيم.
ما إن وصلت تلك القوة، حتى بدأت بنشر قناصتها على البنايات العالية، بالتزامن مع إطلاق النار بشكل كثيف ومتتالٍ، وتحليق جوي كثيف للطيران الإسرائيلي، في وقت بدأت فيه أجهزة أمن السلطة التي كانت تحاصر المخيم بالانسحاب لتترك المجال للقوات الغازية لتحاول إكمال المهمة التي فشلت بها.
بعد حوالي 20 دقيقة، وصلت تعزيزات من قوات الاحتلال على شكل مركبات عسكرية وجرافات خرجت من حاجز الجلمة شمال مدينة جنين، وبدأت -وفق المركز الحقوقي- بإحكام حصار المكان بالكامل، وإطلاق النار على من يتحرك. كما دفعت قوات الاحتلال الإسرائيلي بتعزيزات إضافية من حاجز سالم غرب المدينة، وأحكمت حصار مخيم جنين من جميع مداخله. وتمركزت قوات الاحتلال أمام مشفى جنين الحكومي ومشفى الأمل.
ونفذت طائرات الاحتلال المسيرة في بداية توغلها غارة استهدفت مركبة متوقفة، وشنت لاحقا عدة غارات داخل المخيم، إلى جانب إلقاء طائرات كواد كابتر قنابل تجاه تجمعات للمواطنين داخل المخيم.
نتائج العدوان
أسفر عدوان الاحتلال في يومه الأول عن استشهاد 9 مواطنين، منهم 8 مدنيين أحدهم طفل، وإصابة أكثر من 40 آخرين بجروح.
وكررت قوات الاحتلال مشهد التهجير القسري، فبعد ساعات من توغلها، طلبت من سكان المخيم الجديد إخلاء منازلهم، وطلبت منهم الاقتراب من مواقع تمركزها على شكل مجموعات كل مجموعة من 5 مواطنين، حيث أخضعتهم للفحص والتدقيق قبل أن تسمح لهم بالمرور، واعتقلت عددا منهم، وأجبرتهم على ارتداء الأفرهول الأبيض ونقلتهم لجهات مجهولة.
كما اغتالت قوات الاحتلال مساء اليوم نفسه، المقاوم محمود إبراهيم جرادات (29 عاما)، بإطلاق النار تجاهه في قرية تعنك غرب جنين، بعد حصارها منزلا تواجد فيه.
أهداف الاحتلال من العملية
يسعى الاحتلال -وفق تقديرات الخبراء- من خلال عمليته في جنين لتحقيق جملة من الأهداف، أبرزها:
تعويض الفشل في غزة: جاءت العملية كمحاولة لمداراة الإخفاق الواضح في تحقيق أهداف العدوان على قطاع غزة، حيث اضطر الاحتلال إلى قبول وقف إطلاق النار وإتمام صفقة تبادل أسرى، في حين بقيت حركة حماس صامدة ومسيطرة على القطاع.
تحطيم الحاضنة الشعبية للمقاومة: استهدف الاحتلال عبر عمليته إضعاف الدعم الشعبي الذي يشكل الحاضنة الأساسية للمقاومة في الضفة الغربية.
تعزيز مفهوم الأمن الجديد: يسعى الاحتلال إلى تطبيق “الدروس المستفادة” من العدوان على غزة في الضفة الغربية، كما أعلن وزير الحرب الإسرائيلي يسرائيل كاتس.
القضاء على البنية التحتية للمقاومة: تستهدف العملية تصفية قيادات المقاومة ومراكزها في جنين، التي تعتبر من أبرز معاقل النضال الفلسطيني.
المقاومة تتصدى
المقاومة في جنين، استبسلت في الدفاع عن المخيم، وتواصل التصدي للعدوان، وصدرت بيانات متتالية من كتائب القسام وكتيبة جنين، وكتائب الأقصى تؤكد التحامها في غرفة عمليات مشتركة وأنها فجرت العديد من العبوات وأوقعت إصابات مؤكدة في صفوف الاحتلال، متعهدة بأن يفشل في جنين كما فشل سابقا وكما فشل في قطاع غزة.
يكشف العدوان المستمر لليوم الثالث على جنين أن الاحتلال الإسرائيلي يستمر في استخدام النهج نفسه الذي اعتمده في قطاع غزة، من حصار وغارات وقتل وتهجير قسري، في محاولة منه لتصفية المقاومة الفلسطينية وكسر إرادة الشعب الفلسطيني. في المقابل تبدي المقاومة تصميما على المواجهة والتصدي للعدوان وإفشال مخططات الاحتلال متسلحة باحتضان شعبي وإيمان بعدالة القضية رغم التخاذل والدور التآمري من أجهزة السلطة.
المصدر: المركز الفلسطيني للإعلام