شددت الولايات المتحدة حصارها على سوريا، ما أدى إلى أزمة خانقة في البلاد، وتخلى عدد كبير من السوريين عن سياراتهم و استعاضوا عنها بالتنقل سيرا على الأقدام، تجاوبا مع حملة انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي تدعو لتحدي الحصار.
الولايات المتحدة منعت السفن المحملة بالوقود من الاقتراب من السواحل السورية، ومنعت السفن الايرانية من عبور قناة السويس إلى سوريا بالضغط على مصر . ورغم نفي الحكومة المصرية لذلك، إلا أن الحكومتين السورية والإيرانية اكدتا هذا الأمر . ولا يبدو أن الرئيس السيسي يملك القدرة على مخالفة القرار الأمريكي.
وفي الشرق تراقب قاعدة ”التنف” الأمريكية الحدود السورية العراقية خوفا من تقديم بغداد يد المساعدة لدمشق في أزمتها، ولا يرغب العراق في اغضاب واشنطن بعد أن اعطته استثناء من العقوبات على إيران محدود المدة . بينما قامت السلطات اللبنانية بتفتيش السيارات السورية العابرة إلى سوريا بحثا عن أي عبوة بنزين يمكن أن يحملها المواطن السوري إلى بلده.
هدف واشنطن من الحصار ومنع سوريا من الحصول على الطاقة واضح، وهو الضغط على الشعب السوري كي يثور على السلطة، وهي سياسية قديمة مكررة، لم تنجح سابقا . فالولايات المتحدة حاصرت العراق في العام 1991 ولعقد ونيف من الزمن وجوعت الشعب العراقي، ولكن ما حدث ان واشنطن اضطرت بعدها إلى غزو العراق عسكريا ودفع المليارات على الحرب بالاضافة الى ملايين القتلى والجرحى من أبناء الشعب العراقي العزيز، ومن ثم خرج جنودها بالتوابيت بفعل المقاومة العراقية.
وبالمناسبة وللتاريخ في فترة الحصار على العراق، كانت سوريا الدولة الوحيدة التي لم تلتزم بالقرار الامريكي رغم الخلاف مع صدام (المقبور)، وأشترت النفط من العراق ونقلته بحافلات الركاب بالغالونات عبر الحدود البرية .
لا يمكن أن تقوم ثورة شعبية بعملية تثوير وتحريض، لأن مثل هذا السلوك، يؤدي إلى طريقين، أما الاقتتال والفوضى كما جرى في عملية التثوير والتحريض والتسليح في سوريا وليبيا سابقا أو التفاف الشعب حول قيادته لتحدي الحصار الأمريكي والإسرائيلي من خلفه، وهذا سيجلب تعاطفا شعبيا عربيا مع النظام السوري باعتباره يقف في وجه امريكا وهي في مرحلة تركيع المنطقة كلها خدمة لـ"إسرائيل".
الثورات الحقيقية لمسها الشارع العربي في الجزائر والسودان وقبلها تونس ومصر وبدأ يميزها عن غيرها من الاعيب التدخل والتحريض وصناعة الفوضى واستخدام الشعوب كأداة لتحقيق أهداف سياسية.
الولايات المتحدة التي تتباكى على الشعب السوري، وتمنع عودة الاجئين السوريين الى بلدهم بدعوى حقوق الإنسان، هي الآن تحاصر وتجوع هذا الشعب القومي العروبي الأصيل باكمله وليس النظام . وأخوة سوريا العرب ينفذون أمر واشنطن دون مناقشة. كما هو معروف التزم رجال الأعمال الأردنيون بعد تهديد السفير الأمريكي لهم، بل التزم الأردن كله بالقرار الأمريكي، وفرمل الانفتاح على جاره السوري، رغم أن هذا ضد مصالح الأردن وشعبه، تماما كما فعلت دول عربية أخرى.
وفي الوقت الذي يقف فيه المواطن السوري طوال النهار للحصول على 20 ليتر من البنزين، ويعود إلى بيته ليجد أطفاله جالسين في الظلام بسبب انقطاع التيار الكهربائي طوال الليل، تجثم القوات الأمريكية على حقول النفط والغاز السوري في شرق سوريا، وتسرق موارد البلاد والشعب بالتعاون مع المليشيات الكردية الحالمة بقضم جزء من الجغرافية السورية لصنع دولة موالية لأمريكا و"إسرائيل".
لا يفصل الجيش السوري سوى خطوة عن موارد الشعب شرق الفرات، وهي بلا ريب تحل أزمة الوقود بالكامل، ولكنه غير قادر على مواجهة القوات الأمريكية هناك . ولابد أن يكون هناك حل لهذه المسألة في القادم من الأيام، ولا أعتقد أن من استطاع إخراج القوات الأمريكية من لبنان و بعدها من العراق سوف يعجز عن أخراجها من سوريا في الغد القريب.
أكثر الظواهر غرابة في هذا المشهد كله، هو شماتة بعض المعارضة السورية من شعبها، وإعلان ذلك عبر صفحاتهم دون خجل. يقول بعضهم حسب المنشورات ” إن هؤلاء كانوا يصفقوا لدخول الجيش السوري إلى المدن والصواريخ على الأحياء التي تسيطر عليها الفصائل العسكرية ويستحقون العقاب” ، ويقول آخرون ” لم تروا شيئا بعد ..ستواجهون الأسوء وستدفعون ثمن وقوفكم مع النظام”.
كيف يمكن لمعارضة تدعي أنها تمثل الشعب أن تتشفى بآلامه؟ أكثر من عشرين مليون سوري تحت الحصار وثقل الأزمة، فمن تمثل المعارضة عندما تعتبر أن كل هؤلاء يستحقون العقاب . لم أعرف في كل حياتي معارضة تتقن فن ارتكاب الأخطاء مثل المعارضة السورية ورموزها.
أما المحير فعلا وما لا اجد له إجابة واضحة، هو الدور الروسي في سوريا، أين روسيا من كل هذا ؟؟ هل تعجز روسيا عن تخفيف الحصار عن حليفها وهي دولة عظمى؟ لا يمكنك أن تأتي إلى بلد بقوات وتعلن انك جئت لمساعدته، ثم تتلطى بلازمة أن روسيا لها مصالحها والدول تعمل وفق مصالحها، ما مصلحة روسيا في أن تحاصر امريكا الشعب السوري ؟؟ إن مصلحة روسيا في سوريا قوية وقادرة على مواجهة الغطرسة الأمريكية ، وأعتقد أن على موسكو أن تلتفت للرأي العام السوري الذي بدأ يغير نظرته لدورها.
الشعب السوري سوف يصمد وينتصر، وأي تغيير في سوريا نحو الأفضل سيكون بقرار السوريين أنفسهم ومن صنعهم، ولن يقبل الشعب دمى تحركها واشنطن عن بعد.
كمال خلف - رأي اليوم