البث المباشر

سيرة ذاتية للمقاومة

الأحد 1 ديسمبر 2024 - 14:06 بتوقيت طهران
سيرة ذاتية للمقاومة

قد حاول الشهيد يحيى السنوار أن يخلق في روايته تلك الحقيقة التي استطاع أن يخلقها في وجود كل الفلسطينيين بحياته المثمرة والملحمية. و"الشوك والقرنفل" تذكار بين الأجيال ووثيقة لاتجاه ومضمون تاريخ النضال الفلسطيني.

فقد مر 40 يوما على استشهاد الرجل العظيم في تاريخ الإنسانية يحيى السنوار. وحاول السنوار أن يخلق في روايته تلك الحقيقة التي نجح في إبرازها في وجود كل الفلسطينيين بحياته المثمرة والملحمية.

و"الشوك والقرنفل" تذكار بين الأجيال ووثيقة لاتجاه ومضمون تاريخ النضال الفلسطيني.

وعلى عكس القادة المسلحين الآخرين، لا يكتب السنوار بيانات أو بروتوكولات لمقاتليه أو المتعاطفين معه. ويترك وراءه رسالة تتوافق مع خطته الكبرى للنضال وعلى نفس المستوى، وتلك هي الرواية.

 

لماذا يكتب السنوار رواية؟

الرواية هي الاستهلاك الثقافي للإنسان المنشغل بالحياة، فإذا كتب رواية همها نقل ثقافة وتاريخ المقاومة بدلاً من كتابة بيان أو بروتوكول، لمجاهدي المستقبل، فإن خطة حملته يجب أن تكون الحياة.

ويرى أنه مع التجربة التي اكتسبها الشعب الفلسطيني من فشل الأفكار اليسارية والقومية، عليه أن يعتمد على النموذج الإسلامي، وفي هذا الإطار الفكري البيولوجي تكون مقاومته محورها الحياة. وفي هذه القصة وفي حواره مع أخيه الأكبر محمود، ممثل الخطاب اليساري والقومي، يعتمد أيضاً على هذا الفهم.

تبدأ الرواية بسرد أجواء المعسكرات على ساحل غزة في شتاء عام 1967م وتنتهي في سبتمبر 2004 في سجون بئر السبع؛ ويحاول الشهيد السنوار في كل سطر وفصل من هذه الرسالة، أثناء مراجعة تاريخ تطور النضال، تخصيب إمكانية المستقبل داخل نفسه من خلال تشابك المقاومة والحياة. وتجلى التوازن في الفصول الثلاثين من هذه القصة، بين المقاومة والحياة بخمس جهات مختلفة.

 

الجهة الأولى: المقاومة بالحياة، الحياة كأسلوب للمقاومة

يحاول السنوار طوال الرواية أن يقول إن الحل الوحيد لنضال حقيقي وفعال ضد الغزاة هو تغيير أسلوب المقاومة من حالة استثنائية وخاصة إلى حالة تسمى الحياة. إن ما احتله المحتلون هو الحياة اليومية للفلسطينيين، وإذا أريد لفلسطين أن تتحرر من الاغتصاب فإن الحياة يجب أن تستمر.

بمعنى آخر، إن التدفق المستمر لحياة الشعب الفلسطيني هو أفضل وسيلة للتعامل مع التطلعات الصهيونية، وخطوة بخطوة، لكي نتسع ونوسع دائرة هذه الحياة، نتعامل مع حدودها بالسلاح البارد والساخن، الخفيف والثقيل.

كانت تنظف "أم العبد" القمامة وتبيع أشياء مثل الزجاجات من القمامة لسيدة أخرى أمام العيادة. كانت تشتري منتجات الألبان التي لا يريدها الآخرون وتصنع منها الزبادي وتبيعها. وبهذه الطرق كانت تكسب المال لتلبية احتياجات أطفاله. كانت ممتنًا واهتمت بأبناء زوجته الشهيدة وقامت بتربيتهم.

 

الطريقة الثانية: المقاومة من أجل الحياة، الحياة هي غاية المقاومة

لقد أدرك السنوار، بفهمه العميق للإسلام والولاء، أنه ما لم تخرج جميع الأبعاد الحيوية للإنسان من ظل حكم الطاغوت، فلن يتحقق الإسلام. الشرط الأول للدخول إلى عالم العبودية هو تحرير شؤون الحياة الطبيعية من إرادة الغطرسة المفروضة. ولهذا السبب، فإن المثل الأعلى قدسية وإلهية للإنسان الموحد هو بناء الحياة. وكل ما يصنع غير الحياة فهو ناقص وضئيل.

يجب أن يتماشى كل الوجود الإنساني على الأرض مع إرادة الخطة الصحيحة، والحاوية التي يتحدد فيها الوجود الإنساني كله هي الحياة. لذلك، يستخدم المجاهد المسلم كل ما لديه من قوة وإمكانات، بما في ذلك المقاومة، للسير على طريق مقدس يسمى الحياة الطيبة. فالحضارة التي تعتبر المنظور الأعظم للرسالة النبوية، تقع في نفس أفق بناء الحياة، الذي هو المظهر الكامل لحياة متحررة من المفاهيم والهياكل غير الإلهية والشيطانية.

يعرف السنوار في رواية "الشوكة والقرنفل"، بهذه الرؤية النبوية، جيداً أن الهدف نفسه يجب أن يكون الهدف الأسمى للمناضل الفلسطيني، لذلك، يعتبر في أماكن مختلفة من قصته ولأسباب مختلفة في قلب الأحاديث، تحرير جميع جوانب الحياة حداً مرضياً للمقاومة.

"على حد علمي، الثوريون هم عشاق وكتاب في نفس الوقت! فضحك وقال: "صحيح... ولكن ليس لنا، وليس للشعب الفلسطيني". ربما لمقاتلي فيتنام وكوبا والصين و...! ربما يكون قدرنا أن يكون لدينا حب واحد فقط، وهذا كل شيء، حب هذه الأرض! حب هذه الأرض، لمقدساتها، ترابها، هوائها، برتقالها! وكأن هذه الأرض لا تسمح لحب عاشق آخر أن يسكن في صدر معشوقتها. حب هذه التراب ليس له منافس!".

فقلت بضحكة أنت الثلاثة، مناضل وعاشق وشاعر! فقال: "إن أوباش هذه الأرض لم يتركوا لأبناءها الحلال شيئا...! لقد لوث الاحتلال كل شيء. ترابنا وسلامنا وبحرنا وشوارعنا وحتى أنفاسنا..."

 

الجهة الثالثة: المقاومة في الحياة، المقاومة كأسلوب حياة

إن الصورة التي يرسمها السنوار لحياة الفلسطينيين اليومية هي مشاركتهم الشاملة في المقاومة، ففي كل الزوايا الخفية والمرئية من حياة الفلسطيني، تظهر المقاومة كأداة ضاربة ضد المحتلين. وقد أصبح أسلوب حياة هؤلاء، على عكس البدائل الغربية والشرقية، مشحوناً بالمقاومة في نمط جديد من التعليم والصحة والتنشئة الاجتماعية والمعيشة والعلاقات الاقتصادية والمراحل التعليمية والتربوية.

 "فجأة اهتزت الأرض تحت أقدامنا وسمع صوت سلسلة الدبابات تتقدم مثل وحش يسحب مخالبه على الأرض ويحاول كسر الباب الخلفي للجامعة. وبعد لحظة صاح أحد الطلاب عبر مكبر الصوت: "الدبابة دخلت الجامعة من الباب الخلفي!".

وفجأة، توجه أكثر من 700 طالب نحو الدبابة، بنظرات حازمة وشجاعة وعاصفة. وبدلا من الهروب، ركضوا نحوه. تم خلق مشهد مجنون. وكان واضحاً لسائق الدبابة ومن معهم أن عشرات الأشخاص سيقتلون تحت الدبابة، ولكنهم في المقابل كانوا يعلمون أنه إذا وصلت إليهم أيدي هؤلاء الطلاب، إذا صعدوا إلى الدبابة، لم يتركوا لحما على عظامهم. غادرت الدبابة الجامعة بتراجع جبان".

"في الأزقة الخلفية للأحياء والقرى والمخيمات، وفي زوايا مدن وأطلال الضفة الغربية، تشكلت مجموعات ونوى جديدة. كان الشباب يتوجهون إلى قلب الوديان العميقة وخلف الجبال العالية لاستخدام أسلحتهم المكتسبة حديثا أو تعلم كيفية التعامل مع بنادق الأجداد التي خبأها آباؤهم وأجدادهم منذ سنوات. كانوا يستعدون للمعارك القادمة ويتطلعون إلى أول فرصة لمواجهة العدو. ورغم أنهم كانوا قليلين وبسطاء، إلا أنهم كانوا يضغطون على أسلحتهم بأيديهم قليلة الخبرة وكان شيء يغلي في صدورهم.

 

الجهة الرابعة: المقاومة، معنى الحياة

إن حياة الإنسان الفلسطيني، كغيره من البشر، تحتاج إلى معنى وفلسفة. في عالم السنوار، باستثناء المقاومة، لا يوجد عنصر موحد وأساسي آخر غير المقاومة والنضال. ما يجعل الحياة هادفا للغزاوي هو الجهد المبذول للتغلب على الوضع الذي فرضه الاحتلال والهيمنة. وبدون المقاومة تصبح الحياة بلا معنى بالنسبة له. وفي رواية "الشوك والقرنفل" إن الشيخ أحمد ياسين، هو العنصر المركزي الذي يبرز كنقطة انطلاق لهذا المعنى.

"وأثناء الليل اجتمعت مجموعة من الرجال بقيادة "الشيخ أحمد ياسين" وقرروا مواصلة المسيرة وتصعيد التوتر مع العدو، وأعرب "الشيخ أحمد ياسين" عن أمله في أن تؤدي الانتفاضة هذه إلى حكومة دائمة وإلى عادة الشعب الفلسطيني ومعنى حياتهم اليومية وأن تصبح المحور الأساسي لحياتنا وأن يتوافق كل شيء آخر ويتكيف مع هذا المحور الأساسي وأن يستمر هذا المحور حسب متطلباته والتعليم والعمل والصحة وجميع شؤون الحياة حتى نصل إلى أهدافنا في دحر الاحتلال وتحرير الأراضي الفلسطينية.

وقال: "والحمد لله، وبعد سنوات من العمل بإخلاص في التعليم والتربية كان في حالة الاستعداد لمثل هذه المرحلة، فلا ينبغي أن نتوقف ولا نتراجع، سنتقدم ونرفع مستوى عملنا ونتقدم خطوة بخطوة" خطوة حتى نصل إلى أهدافنا." وسيثبت شعبنا أنه على مستوى المهمة وستعهم العناية الإلهية.

 

الجهة الخامسة: مقاومة إمكانية الحياة

في فكر السنوار، سوف تكون قادرًا على تحقيق النجاح في هذه الحيا ةفقط عندما تكون مستعدًا ومشتاقًا للشهادة. حيث إن الشخص المستعد للموت فقط يمكنه السيطرة على حياته. ولذلك، تنقل أجزاء من رواية "الشوكة والقرنفل" تحليلات الناس، الذين يفهمون ببطء ويستنتجون أنه لا توجد طريقة أخرى للحصول على الحياة سوى المقاومة، والمقاومة هي الطريقة الوحيدة الممكنة لمواصلة الحياة.

"في الزاوية، كان قد جلس بعض جيراننا وكانوا يشربون الشاي، وبعضهم يدخنون ويتحدثون عن همومهم وقلقهم. لقد افتخروا بالشرف والكرامة التي انتزعتها قوات المقاومة من تحت وطأة الغزاة، وكانوا خائفين من الغد المجهول.

فهل سيبقى الوضع على ما هو عليه؟ أليست قوات الاحتلال تهاجم المخيم بشكل أكبر؟ الكلمات كانت مختلفة، لكن الرأي السائد أنه كان يجب النزول إلى ميدان المعركة والكل قال بطريقة ما، ما الذي علينا أن نفقده أيضًا؟ مجرد منزل، وهو أيضًا تحت سيف العدو، فلماذا نخاف؟!".

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة