البث المباشر

عشر خرافات عن إسرائيل (3).. هل الصهيونية تساوي الديانة اليهودية؟

السبت 30 نوفمبر 2024 - 14:51 بتوقيت طهران

إذاعة طهران- بودكاست: الحلقة الثالثة- هل الصهيونية تساوي الديانة اليهودية؟ أو هل هي فرع من هذا الدين السماوي؟ أساسا كيف ولدت الصهيونية وتطورت وما علاقتها بالدين اليهودي؟.

 

السلام عليكم..

أنا رائد دباب

وفي هذا البودكاست نتحدث عن أشياء يعتقد الكثير أنها حقيقية ولكنها ليست كذلك. تحدثنا معكم في الحلقة السابقة عن كذب الادعاء بأن اليهود شعب بلا أرض، وبحثنا في كذب هذا الادعاء وبالطبع أسبابه الباطلة. والآن وصلنا في هذه الحلقة إلى الفصل الثالث من كتاب "عشر خرافات عن إسرائيل" وسنتناول الأسطورة الثالثة حول ماضي إسرائيل. العبارة التي تقول أن الصهيونية هي نفس اليهودية. ولكن هل هذا الادعاء صحيح؟ وهل الصهيونية تساوي اليهودية أوهل هي فرع من هذا الدين السماوي؟ أساسا كيف ولدت الصهيونية وكيف تطورت وما علاقتها بالدين اليهودي؟ ابقوا معنا للإجابة على هذه الأسئلة حتي نهاية الحلقة.

ينطلق ايلون بابيه في الفصل الثالث من كتابه الذي يحمل عنوان "عشر خرافات عن إسرائيل" من الفضاء والإطار التاريخي الذي ولدت فيه الصهيونية. فوفقا له ولدت الصهيونية من دافعين أساسين في المجتمعات اليهودية في أوروبا الوسطى وأوروبا الشرقية. فالدافع الأول هوالبحث عن الأمان في مجتمع لم يقبل اليهود متساويين مع سائر الأفراد فيه ، بل وكان يضطهدهم في بعض الأحيان. أما الدافع الثاني فهوالأمل في تقليد الحركات الوطنية الأخرى.

فكانت بعض الحركات تنشط في أوروبا يسميها المؤرخون بــ "ربيع الشعوب الأوروبية". فقد أراد اليهود من خلال الصهيونية تغيير طبيعة اليهودية من دين إلى قومية وإثنية. ولذلك يري بابيه أن جذور الصهيونية الحالية يمكن العثور عليها في الحركات التنويرية اليهودية للقرن الثامن عشر.

في ذلك الوقت، كانت هناك مجموعة من الكتاب والشعراء والحاخامات الذين أعادوا إحياء اللغة العبرية ودفعوا حدود التعليم اليهودي التقليدي والديني نحوالبحوث الشمولية العلمية والأدبية والفلسفية. وبعد ذلك استمرت هذه الحركة وتزايدت الصحف والمجلات العبرية تدريجياً. وفي نفس الوقت طرح عدد من الأشخاص الذين يشار إليهم بـ "أوائل الصهيونية" في التأريخ الصهيوني، طرحوا فكرتين جديدتين هما: تعريف اليهودية كحركة قومية واستعمار فلسطين من أجل عودة اليهود إلى موطن أجدادهم والتي طردهم الرومان منها سنة 70 للميلاد.

وتحولت هذه الأفكار إلى برنامج سياسي روجت له حركة تسمى "عشاق الصهيون". ففي عام 1882، أرسلوا مئات من الشباب اليهود المتحمسين لإنشاء المستعمرات الأولى في فلسطين. وقد وصل هذا العمل إلى ذروته مع أنشطة تيودور هرتزل.

فقد قضى هرتزل معظم حياته في فيينا عاصمة النمسا. ففي البداية كان يؤمن بالاندماج الكامل لليهود في المجتمعات المحلية، أي في البلد الذي يعيشون فيه. وبحسب روايته الخاصة لحياته، فقد أدرك مدى قوة معاداة السامية في المجتمعات الأوروبية، فتوصل إلى نتيجة مفادها أنه لا أمل في اندماج اليهود في المجتمعات المحلية، فاختار بدلاً من ذلك فكرة إنشاء دولة يهودية في الأراضي الفلسطينية.

لكن بينما كانت فكرة الصهيونية هذه تنتشر في الجاليات اليهودية في دول مثل ألمانيا والولايات المتحدة، كانت الحاخامات الكبيرة والشخصيات اليهودية البارزة ترفض هذه الآراء الجديدة. كما كان اليهود العلمانيون قلقين من أن تثير فكرة الصهيونية الشكوك حول ولاء اليهود لدولهم القومية في أي بلد كانوا فيه، وأن يؤدي ذلك إلى زيادة معاداة السامية. لكن التغييرات كانت تسير بسرعة وتتجه الي الأمام .

وفي النصف الثاني من القرن التاسع عشر تشكلت "حركة إصلاح اليهودية". حركة سعت إلى إيجاد طرق للتوفيق بين اليهودية والحياة الحديثة. فكانت هذه القضية شائعة في ألمانيا والولايات المتحدة. وعندما واجه الإصلاحيون الصهيونية في البداية، عارضوا بشدة تعريف اليهودية كقومية وكذلك فكرة إنشاء دولة يهودية في فلسطين. على الرغم من أن موقفهم تغير بعد عام 1948.

وفي النصف الثاني من القرن العشرين، اكتسبت هذه الحركة المزيد من القوة في الولايات المتحدة وأصبحت واحدة من أقوى المنظمات اليهودية في ذلك البلد. وفي نفس الوقت كان يهود الألمان ضد فكرة "الشعب اليهودي" وكانوا يقدمون أنفسهم على أنهم "ألمان ذووالديانة الكليمية".

وفي ذلك الوقت إلى جانب الإصلاحيين، كان يرفض اليهود الليبراليون أيضًا فكرة الصهيونية. حيث كان ينظر اليهود الليبراليون إلى الصهيونية باعتبارها حركة وهمية لا تقدم إجابات لمشاكل اليهود. وقد أظهر التاريخ أن الليبرالية تحمي اليهود الذين انتقلوا إلى بريطانيا أوالولايات المتحدة أوعاشوا فيها. فبدأت هذه المجموعة من اليهود منذ تسعينيات القرن التاسع عشر فصاعدًا، في التعبير علنًا عن انتقاداتهم للصهيونية.

لكن تيودور هرتزل والذي كان يكتب مقالات سياسية وتقارير صحفية، ادعى أنه من مصلحة أوروبا المساعدة في إنشاء دولة يهودية جديدة في فلسطين. وكان من أهم إنجازات هرتزل في ذلك الوقت أنه تمكن من جمع كل الناشطين اليهود في مؤتمر عام 1897، ومن خلال ذلك أسس منظمتين أساسيتين : مؤتمر لنشر وترويج الأفكار الصهيونية علي مستوى العالم، ومجموعة صهيونية محلية على أرضية الميدان لتوسيع الاستعمار اليهودي في فلسطين.

ومع تحول الأفكار الصهيونية إلى واقع عملي، أصبحت انتقادات اليهود الذين كانوا ضد الصهيونية أكثر وضوحًا. وبصرف النظر عن حركة الإصلاح واليهود الليبراليين، فقد أثيرت انتقادات للصهيونية أيضًا من قبل القادة اليساريين والقادة غير الروحيين لمختلف الطوائف اليهودية، واليهود الأرثوذكس.

إن دعوة هرتزل لمنح حق السيادة والاستقلال لليهود في أرض أجنبية على قدم المساواة مع الدول المستقلة الأخرى في العالم خلقت مشاكل لليهود البريطانيين في العصر الفيكتوري. وبالنسبة لليهود الأكثر تجذرًا في أوروبا الوسطى والغربية، كانت الصهيونية رؤية مثيرة للفتنة، حيث كان هذا الطرح يؤدي إلى التشكيك في ولاء اليهود الإنجليز والألمان والفرنسيين لبلدانهم. وبسبب عدم دعمها لهرتزل، لم تنجح الحركة الصهيونية في أن تصبح لاعباً فاعلاً وفعالاً على الساحة الأوروبية الغربية قبل الحرب العالمية الأولى.

ولكن بعد وفاة هرتزل عام 1904، قام زعماء آخرون في الحركة الصهيونية بتأسيس تحالف قوي مع لندن، الأمر الذي خدم الصهيونية كثيرا .

*****************  الموسيقى *****************

وعندما ظهرت الصهيونية لأول مرة في أوروبا، منع العديد من الحاخامات التقليديين أتباعهم من أي ارتباط بالناشطين الصهاينة. فهم كانوا يعتقدون بأن الصهيونية هي تدخل غير ضروري في إرادة الباري تعالي والذي يريد أن يبقى اليهود في المنفى حتى عودة السيد "المسيح" أومنقذ اليهود نفسه. لقد اعتقدوا أنه بدلاً من القيام بذلك ، يجب على اليهود انتظار اليوم الذي يتم فيه تحديد مشيئة الله في هذا الشأن، وحتى ذلك الحين يجب على اليهود الاستمرار في نفس الطريقة التقليدية للحياة اليهودية.

وقد لخص حاخام ألماني كبير وجهة نظره بمرارة عندما قال إن الصهيونية تطلب منه أن يستبدل قروناً من المعرفة والحكمة والقوانين اليهودية بقطعة قماش وقطعة أرض وأغنية تافهة. فكان الحاخام الألماني يقصد العلم والأرض والنشيد الوطني.

ولم يكن كل الحاخامات الذين شغلوا مناصب قيادية، لم تكم مواقفهم ضد الصهيونية. كما كانت هناك مجموعة صغيرة من الشخصيات الشهيرة التي وافقت ودعمت البرنامج الصهيوني بمواقفها.

لم يكن الحاخامات المؤيدون للصهيونية يريدون لليهود مغادرة أوروبا والذهاب إلى فلسطين فحسب؛ بل كانوا يؤكدون بحزم أن هذا ليس واجبًا وطنيًا، بل واجب ديني على اليهود أيضًا. وعلى اليهود أن يستعمروا فلسطين بالاستيلاء على الأراضي والزراعة على أراضيها. وليس من المستغرب عدم وجود أي أثر لسكان فلسطين الأصليين في كتاباتهم. وكانوا يزعمون أن مثل هذا العمل لا يتعارض مع إرادة الله بل على العكس من ذلك، ستوقف نبوءات أنبياء اليهود وتؤدي الأمور الي الخلاص الكامل وتحرير الشعب اليهودي ومجيء السيد "المسيح" أوالمخلص الموعود لليهودية.

إلا أن أبرز الشخصيات البارزة في اليهودية الأرثوذكسية رفضوا هذه الخطة وهذا التفسير لأنهم كانوا يعلمون أن هذه الحركة الجديدة اي الصهيونية، لا تطمح إلى استعمار فلسطين فقط، بل كانت تأمل أيضًا في علمنة اليهوديين. وبهذه الطريقة يتم خلق يهود جدد وهم على النقيض من اليهود المتدينين الأوروبيين الأرثوذكس. وتوجت هذه القضية بالصورة المقدمة لليهودي الأوروبي المعاصر، اليهودي الذي لم يعد قادرا على العيش هناك بسبب معاداة أوروبا للسامية، بل يجب أن يواصل حياته خارج القارة كأوروبي.

وتقدم أيضا خريطة الكتاب المقدس في الحياة اليهودية اختلافًا واضحًا آخر بين اليهودية والصهيونية. في العالم اليهودي ما قبل الصهيونية، لم يتم تدريس الكتاب المقدس في أي مؤسسة تعليمية يهودية كنص موحد له آثار سياسية أوحتى وطنية في جوهره. ولكن من ناحية أخرى، من "عشاق صهيون" عام 1882 إلى القادة الصهاينة عشية الحرب العالمية الأولى، الذين طلبوا من بريطانيا المساعدة في تحقيق المطالبة اليهودية بفلسطين، توجد إشارات في العودة الي الكتاب المقدس وتفسير نصوصه القومية والسياسية لصالحهم .

وقد تحدى قادة الصهيونية التفسيرات التقليدية للكتاب المقدس لتحقيق مصالحهم الخاصة. فعلى سبيل المثال، يقرأ "عشاق صهيون" الكتاب المقدس بطريقة تحكي قصة ولادة الأمة اليهودية في أرض فلسطين كشعب تحت نير النظام الكنعاني. وبحسب تفسيرهم فإن الكنعانيين قد رحّلوا اليهود إلى مصر حتى عادوا إلى تلك الأرض وحرروها مرة أخرى بقيادة يوشع بن نون. لكن لايوجد في التوراة أي أثر لشعب مظلوم يناضل من أجل التحرر من نير نظام مستبد. ففي التفسير التقليدي، يُعرف إبراهيم وعائلته بأنهم مجموعة من الناس كانوا يبحثون عن المعرفة التوحيدية لله، وليس عن شعب ووطن.

ولذلك فإن رواية " الشعب المضطهد الذي ناضل من أجل حريته " هي رواية ملفقة ومزورة يتمسك بها الصهاينة.

كما وأحد أكثر الاستخدامات المخادعة للكتاب المقدس في الصهيونية جاء من قبل الجناح الاشتراكي لهذه الحركة. حيث بدأ الدمج بين الاشتراكية والصهيونية بشكل جدي بعد وفاة هرتزل عام 1904. ثم واجه هذا المزيج بتناقضات عديدة، الأمر الذي كان يتحداهم بشكل حقيقي. ذلك ولأنهم من ناحية كنوا يريدون علمنة حياة اليهود ومن ناحية أخرى أرادوا استخدام الكتاب المقدس لتبرير استعمار ارض فلسطين. ووفقا للعديد من القادة الصهاينة، فإن استخدام الإشارات إلى أرض فلسطين في الكتاب المقدس لم يكن سوى وسيلة لتحقيق هدفهم. ويمكن العثور على هذا الإستغلال في النصوص التي كتبها هرتزل.

ومع وفاة هرتزل عام 1904 وصعود حلفائه الي السلطة، ركزت الصهيونية على فلسطين كهدف اساسي لها. وأصبح الكتاب المقدس أكثر فعالية وقيمة من السابق لإثبات الحق الإلهي لليهود في أرض فلسطين. وقد تعزز التركيز على فلسطين باعتبارها المنطقة الوحيدة للصهيونية في العالم من خلال القوة المتنامية للصهيونية المسيحية في بريطانيا وأوروبا.

وقد رحب الباحثون الدينيون وعلماء الآثار الذين قاموا بالتنقيب في "الأرض المقدسة" بالاستيطان اليهودي في فلسطين. فمن وجهة نظر هؤلاء كانت عودة اليهود مقدمة لعودة السيد " المسيح " وبعث الأموات. وقد ساعد بشكل كبير هذا المعتقد الديني بظاهره المزيف المشروع الصهيوني لاستعمار ونهب أرض فلسطين.

وفي خلفية هذه الآراء الدينية كانت تكمن نفس المشاعر الأوروبية المعادية للسامية ودفع الجاليات اليهودية نحوفلسطين لإنشاء أوروبا خالية من اليهود. وكانت هذه الخطة مفيدة من عدة جوانب، اولا لأنها كانت تفرغ أوروبا من وجود اليهود وثانيا بحجة كاذبة كانوا ينفذون المخطط الإلهي لعودة السيد المسيح، والذي يجب أن يصاحبه عودة اليهود إلى فلسطين.

ومنذ تلك اللحظة أصبح الكتاب المقدس هوالمبرر وخارطة الطريق للصهيونية لاستعمار فلسطين. وقد لعب الكتاب المقدس اليهودي دورًا مهمًا في تحكيم الرواية الإسرائيلية للأغراض المحلية والخارجية. السرد القائل بأن إسرائيل الحالية هي بالضبط نفس الأرض التي وعد الله تعالي بها إبراهيم (ع) في الكتاب المقدس.

***************** الموسيقى *****************

كما كان قادة الصهيونية علي علم أن سلطة الكتاب المقدس لن تكون كافية لإثبات ادعاءاتهم الزائفة. حيث إن استعمار الأراضي الفلسطينية والتي كانت في الواقع مأهولة ومزروعة، يتطلب سياسة منظمة للمصادرة والإستيلاء وحتى سياسة للتطهير العرقي. ولتحقيق هذا الهدف ، تم تصوير تجريد الفلسطينيين من ممتلكاتهم على أنه " تحقيق لخطة إلهية مسيحية ". وقد أصبحت تتضح القيمة الكبيرة لهذه السياسة عندما أصبحت حافزاً للدعم المسيحي العالمي للصهيونية.

وقد بدأ قادة الصهاينة في حقن الأيديولوجية الاشتراكية وحتى الماركسية، في هذه الحركة العلمانية المتنامية. ومن هنا كان الهدف إقامة مشروع يهودي علماني اشتراكي استعماري في الأرض المقدسة، وطبعا كل ذلك بعون من الله تعالي.

كما وقد فوجئ المهاجرون اليهود أساسًا بلقاء أشخاص يقطنون في فلسطين. ذلك ولأنه قيل لهم أن هذه الأرض غير مأهولة. ولذلك وبما أن فلسطين لم تكن خالية من السكان، على عكس ما قيل للصهاينة الذين اختاروا هذه المنطقة وطنا لهم، كان لا بد من التغلب على وجود السكان الأصليين لها. فحتى لوكانوا من الملحدين كان من الأفضل ان يكون الله إلى جانبهم في تحقيق خطتهم. وبهذه الطريقة استخدم زعماء الصهيونية، الذين أصبح أحدهم رئيسًا لإسرائيل، وعد الكتاب المقدس كأهم مبرر لاستعمار فلسطين واغتصابها.

ساعد تفسير الكتاب المقدس باعتباره تأييدًا إلهيًا للصهيونية الاشتراكيين على التوفيق بين تمسكهم بالقيم العالمية للوحدة والمساواة مع المشروع الاستعماري لسكان فلسطين الأصليين. وبما أن استعمار فلسطين كان الهدف الرئيسي للصهيونية، فينبغي للمرء أن يتساءل أي نوع من الاشتراكية هذه التي تعلن وحدة البشرية ومساواة البشرية، ولكن هدفها هواستعمار بلد آخر.

لذلك، عندما أقيمت معظم المستوطنات الصهيونية على أنقاض القرى الفلسطينية التي طرد سكانها من منازلهم وتم تهجيرهم بالحراب عام 1948، ادعى الصهاينة لتبرير هذه القضية بأن هذه القرى هي أماكن يهودية قديمة ورد ذكرها في الكتاب المقدس وهي لهم. ولذلك فإن الاستيلاء على هذه القرى لم يكن احتلالاً، بل كان تحريراً لها.

وبعد الاستيلاء على القرى، كانت تدخل لجنة خاصة من "علم الآثار على أساس الكتاب المقدس" إلى القرى غير المأهولة وكانت تحدد أسماء هذه القرى خلال الفترة المذكورة في الكتاب المقدس. وبعدها كان "الصندوق القومي اليهودي" ينشئ هذه المستوطنات الجديدة باسماء جديدة ويتم الإستعداد لبناءها وتأهيلها باليهود.

وبهذه الطريقة، قدم أحد أكثر المشاريع الاستعمارية اشتراكية وعلمانية في القرن العشرين ادعاءه باسم الوعد الإلهي الخالص. وحتى بعد احتلال إسرائيل للضفة الغربية وقطاع غزة عام 1967، استمر استخدام الكتاب المقدس من قبل الصهاينة لأغراض مماثلة. فقد كان الصهاينة يختارون بشكل انتقائي تلك الأجزاء والعبارات من الكتاب المقدس والتي في نظرهم كانت تبرر تجريد الفلسطينيين من ممتلكاتهم.

فبدأت الصهيونية المتشددة والداعية للحرب، باستخدام الرخصة التي وجدتها باسم الكتاب المقدس لتجريد الفلسطينيين من ممتلكاتهم وإساءة معاملتهم وزيادة عنفهم تجاههم. فاستيطانهم للأراضي الفلسطينية وسكونتهم وفي الأحياء والمناطق من الخليل والقدس، واقتلاع أشجار الزيتون الفلسطينية من جذورها، وحرق المزارع الفلسطينية، كلها كانت مبرراتهم كجزء من المهمة الإلهية لليهود للاستيطان والإستقرار في "أرض إسرائيل".

ولم يقتصر التفسير العنيف لرسائل الكتاب المقدس للإستيلاء على المناطق الفلسطينية عام 1967. فقد بدأوا بالتقدم نحوالمدن التي كان يعيش فيها اليهود والعرب بشكل متشابك. وبهذا الطريقة بدأووا بالتأثير السلبي علي نمط الحياة القائم على التعايش السلمي والحساس الذي كان يحكم تلك المدن منذ سنوات.

ومن ناحية أخرى، حاول الباحثون اليهود العلمانيون أن يبقي طرحهم هذا علمي ولايكون فقط مبني علي الوعود الغامضة التي جائت من الماضي القديم بل أطروحة علمية مستندة علي مبادئ علمية في الواقع الحاضر. وقد بدأ هذا المشروع فعليًا على يد دينور (Dinur) وهوكبير مؤرخي الجالية اليهودية في فلسطين ايام الانتداب البريطاني. فكانت مهمة دينور في الثلاثينيات كما كان يعمل عليها خلفائه، الإثبات العلمي لهذه الفكرة أن اليهود كانوا موجودين في فلسطين منذ الإمبراطورية الرومانية. فقد حاول دينور وزملاؤه إثبات الادعاء الصهيوني الجديد بشأن ملكية فلسطين في القرن الثامن عشر من خلال التمسك بحقيقة وجود اليهود بنسبة 2 % فقط في فلسطين آنذاك.

كما قام أحد أشهر وأبرز الأساتذة البريطانيين في مجال التاريخ بإعداد "أطلس الصراع العربي الإسرائيلي" قبل سنوات والذي نشرته مطبعة جامعة كامبريدج. حيث يبدأ هذا الأطلس سرد الصراع من عصر وقائع الكتاب المقدس ويفترض أن هذه المنطقة كانت تحت حكم مملكة يهودية وأن اليهود عادوا الآن إلى هناك بعد 2000 عام من المنفى.

وبحسب مؤلف الكتاب لم يحدث شيء مهم بين العصور الوسطى وحتي وصول الصهاينة الأوائل إلى فلسطين عام 1882. فتستحق القضية المعالجة وإعداد الخريطة لها فقط عندما كان الصهاينة في فلسطين .

************** الموسيقى ***************

وتشكل الأبحاث المتعلقة بالكتاب المقدس حاليًا جزءًا أساسيًا وموسعًا من البرنامج التعليمي لمدارس الكيان الإسرائيلي. مع التركيز بشكل خاص على أن الكتاب المقدس يسجل في قلبه تاريخا قديما يبرر ادعاء اليهود بملكية فلسطين.

وقد لوح بن غوريون عام 1937 بنسخة من الكتاب المقدس أمام أعضاء اللجنة الممثلة للمكية البريطانية وصرخ امامهم : "هذه وثيقة ملكيتنا. فحقنا في امتلاك أرض فلسطين لم يأت بمرسوم الوصاية البريطانية على فلسطين، الكتاب المقدس هومرسوم وصايتنا علي هذه الأرض".

ويرى إيلان بابيه أنه ليس من المنطقي تاريخيًا التأكيد في تدريس الكتاب المقدس كفصل تاريخي واحد علي ما حدث لليهود في أوروبا خلال هذه القرون وما جري في حرب 1948 التي ادت لتكوين إسرائيل. ولكن من الوجهة الأيديولوجية، فإن هذه العناصر الثلاثة مرتبطة ببعضها البعض. وباعتبارها المبرر الأساسي للدولة اليهودية في عصرنا فقد تم تلقينها وتعليمها للطلاب الإسرائيليين وغيرهم من اليهود.

وبحسب إيلان بابيه مؤلف كتاب "عشر خرافات عن إسرائيل" فإن الكتاب المقدس اليهودي هونص أدبي كتبه العديد من الأشخاص في فترات مختلفة، وليس دليلاً لليهود وتعليمات من الله في دخولهم الي الحرب.

لكن استغلال الصهاينة لهذا الكتاب وصل إلى حد أن وزيرة العدل الإسرائيلية أيليت شاكيد Ayelet Shaked نشرت مقالاً جاء فيه أن العائلات الفلسطينية يجب أن تموت مع أطفالها. فوفقا لها ومعتقداتها لا يوجد شيء أكثر عدلا من القضاء علي الفلسطينيين. كما يجب تدمير منازلهم التي قاموا بتربية هذه الثعابين فيها وإلا فإن الثعابين الصغيرة الأخرى سوف تتكاثر هناك مرة أخرى. فالثعابين هذه تقصد بها الأجيال الفلسطينية المتلاحقة .

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة