بسم الله وله الحمد والمجد رب الخير وواهبه والصلاة والسلام على فاتح الخير الاكبر محمد وآله الطاهرين.
في الفقرة الاولى من هذا اللقاء ننقل لكم رواية معبرة عن عظمة بركة نبي الرحمة (صلى الله عليه وآله) رواها البيهقي في كتاب المحاسن عن صاحب السيرة محمد بن اسحاق بسند عن جابر الانصاري قال: عملنا مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) في الخندق وكانت عندي شويهة غير سمينة (يعني شاة صغيرة) فقلت: والله لو صنعت هذه الشاة لرسول الله... فطحنت أمرأتي شيئاً من شعير فصنعت له منه خبزاً وذبحت الشاة فشويتها، فلما أمسينا قلت: يا رسول الله إني صنعت لك شويهة وشيئاً من خبز الشعير وأحب أن تنصرف معي الى منزلي!
فلما قلت ذلك قال: نعم ثم أمر بصارخ فيصرخ: إنصرفوا الى بيت جابر.
وهذا مالم يكن يتوقعه جابر لأن ما أعد من الطعام لم يكن ليكفي كل هذا العدد من المسلمين الذين كانوا يعملون في حفر الخندق، لكنه لم يعترض وسلم أمره لله ولرسوله (صلى الله عليه وآله) فأراه الله ما يحب؛ نسمع ما قاله في تتمة روايته حيث قال:
فقلت [لما سمع المنادي يدعو الجميع لوليمته ]: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ: وأقبل رسول الله والناس معه، فأخرجتها [يعني الشاة الصغيرة المشوية] إليه فسمى [بأسم الله] ثم أكل (صلى الله عليه وآله) وتواردها الناس كلما فرغ قوم قاموا وجاء قوم حتى صدر أهل الخندق عنها أي حتى شبع جميع من حضر حفر الخندق من ذلك الطعام القليل وكل ذلك ببركة فاتح الخير (صلى الله عليه وآله).
طيب أعزاءنا أما الآن فنسعى معاً للاستنارة بفقرات أخرى من زيارة حبيبنا المصطفى (صلى الله عليه وآله) من بعيد المروية عن مولانا الصادق (عليه السلام).
وقد انتهى بنا الحديث في الحلقة السابقة الى الفقرات التالية من الدعاء الذي يلي صلاة الزيارة وهي تاتي من مقطع طويل يدعو فيه الزائر الله عزوجل مستعيذاً بوجه الكريم أي نبيه الاكرم (صلى الله عليه وآله) من أهوال وشدائد يوم القيامة.
وهذا المقطع الاكارم يهتم بذكر وتذكير الزائر بأوصاف يوم القيامة المذكور في القرآن الكريم لكي يبعث فيه روح الالتجاء الى الله ورسوله للنجاة من أهواله وشدائده وتذكر الفقرات التي انتهينا اليها الاوصاف التالية ليوم القيامة: «يوم النشر، يوم العرض، يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ، يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيه، وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ، وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ، يوم تشقق الارض وأكناف السماء».
إذن فهو يوم عظيم مهيب يكون الانسان فيه أحوج ما يكون الى ما يعينه على شدائده خارج العناصر التي ألف الانسان الاستقواء بها في عالم الدنيا كالمال والاهل والعشيرة ونظائرها أهوال وشدائد القيامة تجعل جميع الخلائق يفكر كل منهم بنفسه ويذهل عن غيره مهما كان قريباً منه فيقول: نفسي نفسي بأستثناء نبي الرحمة الاعظم (صلى الله عليه وآله) إذ يقول يومذاك: أمتي أمتي.
ومادام الامر لذلك فمن الطبيعي أن يلتجئ الانسان الى من يكون سعيه في يوم القيامة منصباً لإنقاذ الآخرين وليس لإنقاذ نفسه وهذا ما تحاول الفقرات المتقدمة تنبيهنا اليه.
*******
المزيد من التوضيح لهذه الحقيقة يأتيكم في المقابلة الهاتفية التالية التي أجراها زميلنا مع ضيف البرنامج.
المحاور: السلام عليكم احبائنا واهلاً بكم ومرحباً في هذه الفقرة من برنامج "فاتح الخير"، وهي التي نستضيف فيها خبير البرنامج سماحة الشيخ باقر الصادقي، سماحة الشيخ ورد في جملة من الاحاديث الشريفة ما مضمونه ان اهوال يوم القيامة هي من الشدة بحيث ان جميع الخلائق بما فيهم الانبياء ايضاً عليهم السلام يكون شعارهم وقولهم في ذلك اليوم نفسي، نفسي، الا محمد صلى الله عليه وآله فيكون ندائه "امتي، امتي"، ما هو المستفاد من هذا المضمون الوارد فيها؟
الشيخ باقر الصادقي: بسم الله الرحمن الرحيم، قبل الاجابة لا بأس بمقدمة ترتبط في الاجابة عن هذا السؤال، هي ان الله عز وجل كتب على نفسه الرحمة من خلال القرآن الكريم في اكثر من آية كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ ، وهذه الرحمة بلا شك رحمته وسعت كل شيء، ومن رحمته ان بعث الانبياء والرسل وختم الرسل والنبوات بنبينا الاكرم صلى الله عليه وآله، وقال في حقه وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ، فاذن جميع العالمين، النبي صلى الله عليه وآله مبعوث رحمة، من اتم وابرز مظاهر هذه الرحمة الالهية هو النبي الخاتم صلى الله عليه وآله، وبركات النبي واضحة من خلال الايات الكثيرة التي اشارت الى رحمة النبي لهذه الامة وما كان الله ليعذبهم وانت فيهم لاجل وجود النبي صلى الله عليه وآله، فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ والى اخره من الايات تبين لنا بركة النبي وفضل النبي ورحمة النبي، وهكذا في يوم القيامة من خلال ما يتمتع به النبي الاكرم صلى الله عليه وآله من الشفاعة الكبيرة، ولا يمكن ان نقيس مقام النبي وشفاعة النبي بمخلوق اخر، اذ ما من مخلوق الا وهو محتاج الى شفاعته والى دعائه، واحتياج الكل كما وردت الرواية عن الامام الباقر عليه السلام في يوم من الايام دخل عليه احد اصحابه وقال: سيدي انا عندي عمل غير محتاج الى شفاعة جدك النبي.
يقول فتبين الغضب في وجهه قال: اغرك ان عص بطنك وفرجك فلو نظرت الى اهوال يوم القيامة وشدائد يوم القيامة ما من مخلوق الا وهو محتاج الى شفاعة النبي الاكرم صلى الله عليه وآله وسلم، من هنا جميع الانبياء لشدة الاهوال ولعظم ذلك اليوم الرهيب يوم تذهل كل مرضعة عما ارضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد، في ذلك اليوم النبي الاكرم صلى الله عليه وآله يقول: سلّم امتي، امتي، وهذا في الحقيقة من اجلى واوضح مصاديق الرحمة الالهية التي تجسدت وتجلت بالنبي الخاتم صلى الله عليه وآله، رزقنا الله واياكم وجميع المستمعين شفاعته يوم لا ينفع مال ولا بنون الا من اتى الله بقلب سليم، والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطاهرين.
المحاور: صلوات الله عليهم اجمعين، سماحة الشيخ باقر الصادقي شكراً جزيلاً، وشكراً لاحبائنا وهم يتابعون ما تبقى من هذه الحلقة من برنامج فاتح الخير.
*******
نتابع احباءنا تقديم هذه الحلقة من برنامج فاتح الخير، فنشير الى ان الفقرات التالية من المقطع الدعائي اللاحق لصلاة زيارة النبي من بعيد تؤكد على التذكير بأوصاف يوم القيامة التي تنبه الزائر الى ان النجاة من شدائده مرهونة بالفوز بالرحمة الالهية وأعظم مصاديقها الاخروية شفاعة نبي الرحمة (صلى الله عليه وآله).
جاء في هذه الفقرات التذكير بالخصائص التالية ليوم القيامة: «يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَن نَّفْسِهَا، يوم يردون الى الله فَيُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا، يَوْمَ لا يُغْنِي مَوْلًى عَن مَّوْلًى شَيْئًا وَلا هُمْ يُنصَرُونَ، إِلاَّ مَن رَّحِمَ اللَّهُ إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ».
ولا يخفى عليكم الافاضل أن الحكمة الالهية إقتضت أن يكون لنزول هذه الرحمة الالهية الخاصة أسباب عرفنا الله بها وأهم الشفاعة المحمدية المباركة والارتباط الوجداني الصادق والمودة الحقيقية لمحمد وآله هي من أهم مفاتيح الفوز بهذه الشفاعة المباركة، وهذا ما تنبهنا له هذه الفقرات المتقدمة وتدعونا الى تحصيله.
نشكر لكم الكرام طيب المتابعة لهذه الحلقة من برنامج فاتح الخير الى لقاء مقبل بأذن الله نستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله.
*******