الحمد لله مبدأ كل خير ومنتهاه والصلاة والسلام على فاتح الخير الأعظم نبينا الاكرم المصطفى محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.
السلام عليكم مستمعينا الافاضل ورحمة الله وبركاته، اهلاً بكم في حلقة اخرى من هذا البرنامج نتابع فيها بعون الله عزوجل شرحاً اجمالياً لنص زيارة حبيبنا ابي القاسم محمد (صلى الله عليه وآله) المروية عن مولانا الصادق (عليه السلام) لزيارة سيد الرسل من بعيد.
وفي هذه الحلقة نتفيأ المقطع التالي من الزيارة فنبارك الحلقة بالسلام عليه (صلى الله عليه وآله) بفقراته وهي:
السلام عليك يا حجة الله على الاولين والآخرين، .. المكين لديه والمطاع في ملكوته... الكريم عند الرب، والمكلم من وراء الحجب الفائز بالسباق والفائت عن اللحاق ورحمة الله وبركاته.
تعلمون احباءنا ان معنى الحجة هو ما يحتج به الله تبارك وتعالى على خلقه فيما يرتبط بأمر الدين، والفقرة الاولى صريحة في ان الله عزوجل جعل محمداً (صلى الله عليه وآله) الحجة التي يحتج بها على الخلائق اجمعين من الاولين والآخرين بما فيهم الأنبياء (عليهم السلام).
والله تبارك وتعالى عدل حكيم، ولذلك فإن اعطائه هذه المنزلة العظمى للمصطفى يرجع الى كونه (صلى الله عليه وآله) اقرب الخلق اليه، وهذا ما تنبه له الفقرتان الاخيرتان من المقطع المتقدم عندما تصف سيد الرسل بأنه «الفائز بالسباق والفائت عن اللحاق».
والسباق المراد هنا هو الذي ذكرته فقرة سابقة من الزيارة وهي التي تصفه (صلى الله عليه وآله) بأنه «السابق الى طاعة رب العالمين».
فالنبي الاكرم هو العبد المطلق الذي لا يلحقه لاحق من الاولين والآخرين في سباق طاعة رب العالمين وهذا هو المضمار الذي امر الله الخلق جميعاً في العوالم السابقة كعالم الذر ان يتنافسوا فيه فسبقهم جميعاً خليفة الله الاعظم محمد فكان المصطفى المختار (صلى الله عليه وآله).
الصفة الأخرى التي تذكرها الزيارة لسيد الشفعاء محمد (صلى الله عليه وآله) هي كونه «المكين لدى الله»، فما هو المراد منها؟
المكين في اللغة هو صاحب المنزلة العظيمة والخاصة، وقد استخدم هذا الوصف في القرآن الكريم (التكوير ۱۹-۲۱) في قوله عز من قائل في وصف جبرئيل (عليه السلام): «إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ، ذِي قُوَّةٍ عِندَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ، مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ».
هذا المقام هو ايضاً لرسول الله (صلى الله عليه وآله) وفي اعلى مراتبه لما ثبت في البحوث العقائدية وصرحت به الادلة النقلية من كونه الميهيمن على جميع رسل الله من البشر والملائكة وغيرهم.
فهو (صلى الله عليه وآله) صفوة الله عزوجل من خلقه وصاحب مقام الوسيلة الكبرى التي اختص بها في اعلى مراتبها.
ولذلك فهذا الاطلاق يشمل جميع مقاماته (صلى الله عليه وآله) ومنها الصفة التالية وهي كونه «المطاع في ملكوت الله».
والملكوت هو ملك الله عزوجل المقابل لعالم الشهادة الظاهر وعالم الامر المقابل لعالم الخلق الظاهر حسب التعبير القرآني.
والقانون الاساس الحاكم في عالم الامر والملكوت بالمعنى المتقدم هو قانون «إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ».
وهذا يعني ان للنبي الاعظم (صلى الله عليه وآله) الولاية التكوينية بأعلى مراتبها وهي التي تكون بالطبع بأذن الله عزوجل.
*******
المزيد من التوضيحات لهذه الحقيقة نستمع لها في الاتصال الهاتفي الذي اجراه زميلنا مع ضيف البرنامج سماحة الشيخ باقر الصادقي.
المحاور: بسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم احباءنا ورحمة وبركاته وتحية طيبة هذه الفقرة من فقرات برنامج فاتح الخير لقاء مع ضيفنا الكريم سماحة الشيخ باقر الصادقي، سماحة الشيخ فيما يرتبط بالولاية التكوينية تأتي بين الحين والاخر اسئلة من المستمعين في معنى هذه الولاية وكون ان المرتبة العليا لهذه الولاية بين جميع الخلائق هي لرسول الله صلى الله عليه وآله تفضلوا بتوضيح هذه القضية؟؟
الشيخ باقر الصادقي: بسم الله الرحمن الرحيم، ان الانسان الكامل هو اكمل مظهر وجودي في دائرة عالم الانسان لحقيقة الذات الالهية المقدسة، ولذلك فان معرفة الانسان الكامل تمثل اكمل معرفة ممكنة للانسان على ان معرفة كنه الذات الالهية امر محال للمخلوق، من هنا ورد في اشارة كما في رواية عن الامام الصادق يرويها باسنادها عن جده الامام الحسين سلام الله عليه خرج الامام الحسين ذات يوم على اصحابه فقال: ايها الناس ان الله عز وجل ما خلق العباد الا ليعرفوه فاذا عرفوه عبدوه واذا عبدوه استغنوا بعبادته عن عبادة من سواه.
فقال له رجل: يا بن رسول الله بابي انت وامي فما معرفة الله؟
قال: معرفة اهل كل زمان امامهم الذي يجب عليهم طاعته، عليه يكون وجود النبي الخاتم، وعليه يكون وجود النبي الخاتم هو اعظم اسماء الله وكذلك حال الكلمات التامة والاسماء الالهية الحسنى، من هنا قال الله عز وجل في القرآن «تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ» وقال سبحانه وتعالى «وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ»، في سورة الاسراء، فمن هنا الولاية التكوينية للانسان الكامل ثابتة باذن الله وسيد الانبياء وسيد البشر هو نبينا الاكرم صلى الله عليه وآله فله ولاية على عالم التكوين باذن الله من المعاجز والكرامات الكثيرة هي كانشقاق القمر هي مثلاً الحصى التي سبحت بيد النبي، يقول الشاعر:
فهذا نبي الله احمد سبحت
صغار الحصى في كفه بالترنم
يعني حتى الحصى لما وضعها كان يسمع منها صوت انين وجذع النخلة حينما استبدل بالمنبر سمعوا المسلمين انين ذلك الجذع الذي كان يجلس عليه النبي ويخطب بالمسلمين، وهذا ان دل على شي، انما يدل على الولاية للنبي على كل الكائنات وعلى جميع المخلوقات يقف على بئر مثلاً قليلة الماء يخرج شيء من ريقه يلقيه في ذلك، الاكل مثلاً قد يكفي لاربعة او خمسة بالظاهر ببركة افرض النبي بدعائه او ريقه او ولايته تراه كما في قضية جابر ابن عبد الله الانصاري والطعام كان محدود لكن مجرد ما وضع النبي يده عليه ودعا الله بكلمات فكفى جيش النبي صلى الله عليه وآله.
المحاور: يعني مثلاً كان عيسى عليه السلام يبرئ الاكمه والابرص هذا بولايته التكوينية وبأذن الله تبارك وتعالى، هذه المراتب ايضاً لرسول الله في مرتبة اعلى؟
الشيخ باقر الصادقي: نعم الله عز وجل يتحدث عن عيسى اني قد جئتكم بآية من ربكم اني اخلق لكم من الطين كهيئة الطير فانفخ فيه فيكون طيراً باذن الله، وابرء الاكمه والابرص واحيي الموتى باذن الله، هكذا بالنسبة الى النبي صلى الله عليه وآله بلا شك، وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى، هذه ايضاً تحليلها العرفاني يقولون النفس المتصلة بالله، النفس القوية بالمقدار ما يكون عنده اتصال بالله عز وجل بلا شك تتجلى فيها القدرة الالهية فيكون فعلها فعل الله.
المحاور: اسماء الله تبارك وتعالى تظهر في عملها وفي فعلها؟
الشيخ باقر الصادقي: ما زال عبدي يتقرب اليَّ بالنوافل حتى احبه فاذا احببته صرت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به، في حديث للامام الصادق عليه السلام ينقله الشيخ الكليني الكافي والشيخ الصدوق في التوحيد قال اما سألوه عن هذه الآية سألوا الامام الصادق فَلَمَّا آسَفُونَا انتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ.
فقال: ان الله تبارك وتعالى لا يأسف كأسفنا ولكنه خلق اولياء لنفسه يأسفون ويرضون وهم مخلوقون مربوبون فجعل رضاهم رضى نفسه وسخطهم سخط نفسه.
المحاور: سماحة الشيخ باقر الصادقي شكراً جزيلاً، وحيا الله مستمعينا الافاضل وهم يتابعون مشكورين مع زملائنا بقية برنامج فاتح الخير.
*******
اما ما تبقى من المقامات المحمدية التي يذكرها مقطع زيارته (صلى الله عليه وآله) من بعيد الذي انتهينا اليه في هذه الحلقة من برنامج فاتح الخير، فهو وصفه (صلى الله عليه وآله) بأنه )الكريم عند الرب، والمكلم من وراء الحجب).
اما المقام الاول فهو كون سيد الرسل والخلائق هو العبد المكرم عند الرب، وذكر الربوبية هنا اشارة الى ان التكريم منظور له من زاوية دوره (صلى الله عليه وآله) في تدبير شؤون الخلائق وهذا التدبير هو مظهر ربوبية الله عزوجل للعالمين.
فيكون المعنى هو ان النبي الاكرم (صلى الله عليه وآله) ذو كرامة مطلقة عند الله عزوجل في امامته الملكوتية «فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا»من جند الله، وكذلك في التوسل به من قبل العباد فيما يرتبط بطلب المزيد من الرحمات الالهية الخاصة في تدبير شؤونهم.
اما المقام الاخير فهو كونه (صلى الله عليه وآله) (المكلم من وراء الحجب) وفيها اشارة الى قضية الاسراء والمعراج وبلوغه (صلى الله عليه وآله) مقام قاب قوسين او ادنى والذي لم يبلغه احد غيره من الخلائق اجمعين.
انتهى الوقت المخصص لهذه الحلقة من برنامج فاتح الخير، استمعتم لها من اذاعه طهران، كونوا معنا في الحلقة المقبلة ان شاء الله، نستودعكم الله والسلام عليكم.
*******