موسى سرد، عبر حساباته على مواقع التواصل الاجتماعي، وقائع المجزرة، التي أدت إلى ارتقاء 24 فرداً من عائلة واحدة، إضافةً إلى قيام الاحتلال باعتقاله وتعذيبه إلى جانب إخوته.
بدأت حكاية العائلة التي سيصبح أفرادها شهداء صباح الـ5 من كانون الأول/ديسمبر الماضي، لتُضاف إلى حكايات آلاف العائلات الفلسطينية الأخرى التي استهدفتها الإبادة الإسرائيلية، منذ الـ7 من تشرين الأول/أكتوبر.
تعذيب وتحقيق وسرقة واعتقالات
كان جميع أفراد عائلة محمد درويش محتمين في غرفة القبو المحصّنة أسفل البناية التي يقطنونها، سعياً للاحتماء من القصف الإسرائيلي المتواصل.
وتحت غطاء ناري كثيف من الآليات العسكرية والأسلحة الرشاشة، اقتحم "جيش" الاحتلال المدجّج بالسلاح البناية، المؤلفة من 3 طبقات، و7 وحدات سكنية.
اكتشفت قوات الاحتلال "مخبأ" العائلة، حيث احتمى 23 طفلاً وامرأة، فأقدمت على فصلهم عن الرجال الـ5 الموجودين معهم، بينهم موسى.
بعد ذلك، كبّل الإسرائيليون أيدي الشباب من الخلف، وعصّبوا أعينهم، ليمارسوا التعذيب بحقهم، والتحقيق معهم ميدانياً داخل البناية لساعات.
تخلّل هذه الساعات استخدام كل وسائل التعذيب في الميدان، حيث أطلق الإسرائيليون الرصاص فوق الرؤوس، وهاجموا أفراد العائلة بالضرب المبرح، والتبوّل عليهم أيضاً!
لم تقتصر الفظاعات الإسرائيلية على ذلك، ففي هذه الأثناء، سرق "الجيش" جميع الأموال والذهب والأجهزة الإلكترونية، من حواسيب وهواتف، من كل الأفراد. لكنّ جهازاً محمولاً واحداً كان بعيداً من مكان البحث، فلم يتمكّن "الجيش" من سرقته.
بعد شهرين من الاعتقال.. لا خبر عن العائلة
"الجيش" الإسرائيلي قرّر اعتقال كل من موسى محمد قنديل، وأخويه درويش ومصطفى، وابن مصطفى البالغ من العمر 14 عاماً، بينما بقي شاهين ومصعب، أخوا موسى الآخران، في المنزل مع الأطفال والنساء، الذين أمرهم الاحتلال بالبقاء.
استمر أسر موسى محمد قنديل لدى الاحتلال نحو شهرين، حيث بقي في معتقل استجواب إسرائيلي، من دون أي تهمة.
قضى موسى في الاعتقال 58 يوماً من الاعتقال، لم يخلُ أحدها من التحقيق والتعذيب الشديد ومحاولات الإهانة والإذلال، سعياً لكسر إرادته.
وبعد إطلاق سراحه، اكتشف خروج كل من أخيه درويش وابن أخيه، وذلك بعد نحو شهر من الاعتقال، بينما لا يزال أخوه مصطفى معتقلاً حتى هذا التاريخ.
خرج موسى من المعتقل ليكتشف أيضاً أن لا أخبار عن بقية أفراد عائلته الذين بقوا في بنايتهم، بينما حاصرتهم قوات الاحتلال، إذ فُقد التواصل معهم بعد أسبوع من الاقتحام، يوم الـ5 من ديسمبر.
"الجيش" الإسرائيلي يحاصر النساء والأطفال
الإجرام الإسرائيلي استمر من خلال حصار العائلة، ومنعها من المغادرة، حيث قطع الاحتلال عنها الماء والطعام مدة 8 أيام. ومن دون جدوى، تمت مطالبة الصليب الأحمر والجهات المختصة بمساعدتهم للخروج من المنطقة.
وطول تلك الفترة، كانت الآليات الإسرائيلية تقوم بهدم وتجريف المنزل والأراضي المحيطة به، مع استخدام مكثّف للصواريخ والأعيرة النارية.
لم يكتفِ الاحتلال بهذه الممارسات، فعمد أيضاً إلى استهداف قبو المنزل بصورة دقيقة، وذلك في الـ14 من كانون الأول/ديسمبر، بصاروخين مدمّرين.
ونتيجةً لذلك، تدمّرت 4 طبقات من الأسقف، وهبط نحو 200 طن من الركام والحديد والكتل الخرسانية على رؤوس المحتمين في غرفة القبو.
منزل عائلة قنديل.. منطقة عسكرية مغلقة!
على مدى 4 أشهر، حاول موسى زيارة منزله، بيد أنّ محاولاته باءت بالفشل، إذ حوّل الإسرائيليون المكان إلى منطقة عسكرية مغلقة، لأنّ المبنى على شارع صلاح الدين الرئيس، وهو خط سير الدعم اللوجستي للقوافل العسكرية لـ"جيش" الاحتلال.
وبعد 120 يوماً، صار ممكناً الوصول إلى المنزل. حينها، اكتشف موسى أنّ "الجيش" قصف المنزل على رؤوس أفراد عائلته الـ24، الذين تطلّب استخراج جثامينهم عدة أيام.
بين الشهداء 18 طفلاً، تتراوح أعمارهم بين سنتين و18 سنةً، و4 نساء، إلى جانب أخوي موسى، شاهين ومصعب. ولا يزال أحد الشهداء الأطفال، وعمره 5 سنوات، تحت الأنقاض.
14 يوماً في انتشال شهداء من عمق 5 أمتار من الركام.. بالأيادي
بعد انسحاب الاحتلال الإسرائيلي من خان يونس، وبعد 120 يوماً على استشهادهم، انتشل موسى أبناءه وأهله الشهداء من عمق 5 أمتار، من بين الركام والحديد والخرسانة.
على مدى 14 يوماً، انتشلت أيادي موسى ومن معه جثامين أفراد النساء والأطفال من بين حطام المنزل الذي فتّشوا عن الأمان فيه، بعدما دمّرت "إسرائيل" كل المعدات الثقيلة للدفاع المدني.
من خلال الملابس أو المتعلّقات الشخصية، ميّز موسى بين الشهداء؛ بين أبنائه وأبناء إخوته، وبين أمّه وزوجات إخوته.
إنّهم 24 شهيداً خالدين في ذاكرة موسى، وذاكرة كل إخوته الغزيين، ارتقوا في مجزرة إسرائيلية دامية تغذّي ثأر غزة التي جاءت بالطوفان ذات تشرين.