وهو أمر يثير التساؤل الكبير، ويجعل هذا الرقم مشكوكا فيه، بل كذبا على ضوء تستر إسرائيل على الخسائر الحربية والرقابة التي تفرضها في هذا الشأن، وعلى ضوء استعمال إيران لأول مرة صواريخ ذات رؤوس حربية انشطارية.
وفي ليلة الأحد، شنّت القوة الجوفضائية التابعة للحرس الثوري الإيراني، هجوما مركبا ضد أهداف إسرائيلية تجلى في إطلاق عدد كبير من المسيرات قد يقترب من 200، وبعدها بساعات إطلاق عشرات الصواريخ الباليستية والمجنحة.
وجاء الهجوم الإيراني ردا على الهجوم الإسرائيلي ضد القنصلية الإيرانية في العاصمة السورية دمشق بداية الشهر الجاري. وتحاول إسرائيل تحقيق الانتصار الإعلامي بشأن هذا الهجوم، عندما ادعت اعتراضها رفقة الدول التي تدعمها 99% من الصواريخ والطائرات المسيرة الإيرانية.
وعمليا، كان مرتقبا اعتراض نسبة عالية من الطائرات المسيرة بحكم أن سرعتها بطيئة والمسافة التي تقطعها طويلة جدا، مما يجعل إمكانية الاعتراض مرتفعة جدا، لا سيما في ظل الدعم الذي تحظى به إسرائيل من جميع الدول الغربية الكبرى التي لديها سفن حربية في البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر، وعلى رأس هذه الدول الولايات المتحدة. كما أن أنظمة الدفاع الجوي الإسرائيلي غير منهكة كثيرا رغم حرب قطاع غزة والمناوشات مع حزب الله. غير أن اعتراض الصواريخ مشكوك فيه بشكل كبير للغاية للأسباب التالية:
في المقام الأول، تنقل “سي إن إن” عن مسؤولين في واشنطن، اعتراض الجيش الأمريكي المرابط في البحر الأحمر والمتوسط 3 صواريخ باليستية، وهو رقم ضعيف للغاية، علما أن السفن الحربية الأمريكية مزودة بمختلف صواريخ الدفاع الجوي منها الباتريوت و”أيجيس- نظام الدرع القتالي” الأكثر تطورا، والذي هو مخصص لما يسمى “حرب النجوم” أو “الدرع الصاروخي”.
وإذا كانت الولايات المتحدة قد اعترضت ثلاثة صواريخ فقط، وكان دور بريطانيا وفرنسا وألمانيا ثانويا للغاية، فهل اعترضت إسرائيل عشرات الصواريخ الباليستية والمجنحة لا سيما صاروخ “خيبر شكن” الذي يعتمد تقنية الرؤوس الانشطارية التي يصعب اعتراضها بالكامل؟ لا يمكن تصديق هذه الرواية الإسرائيلية من زاوية عسكرية.
في المقام الثاني، أعلنت إيران أنه في إطار حقها بالرد على الاعتداء الإسرائيلي، استهدفت القاعدة العسكرية “نيفاتيم” التي انطلقت منها الطائرات التي قصفت القنصلية الإيرانية، وهي القاعدة التي تضم مقاتلات إف 35. كانت إسرائيل تدرك استهداف أهداف عسكرية، وعليه، كيف نجح صاروخ أو صاروخان في ضرب هذه القاعدة العسكرية التي تعتبر من ضمن المنشآت الأكثر تحصينا في إسرائيل، بينما ستخطئ الصواريخ مناطق أخرى أقل تحصينا؟
لقد سبق للجيش الإيراني أن تدرب بداية يناير الماضي ضمن مناورات “الرسول الأعظم 18” على ضرب هذه القاعدة، وتدرك إسرائيل أنها مستهدفة، فلماذا فشلت في حمايتها؟ كيف سنفسر تصريحات مراسل “سي إن إن” نيك روبرتسون، الذي قال مباشرة في تغطية له من القدس: “لم يسبق لي أن شاهدت سماء إسرائيل هكذا”.
في المقام الثالث، تمارس وزارة الدفاع الإسرائيلية رقابة مشددة على جميع الأخبار المتعلقة بالحرب والمؤسسة العسكرية، وكل من خرق هذه الرقابة يعرض نفسه للعقوبات بما فيها السجن. واعتاد الجيش تقديم معطيات غير صحيحة عن الحرب، إذ بعد مرور سنوات على حرب الخليج الأولى، اعترفت إسرائيل بأن نظام باتريوت لم يعترض كل صواريخ سكود التي أطلقها صدام حسين. وبعد مرور سنوات، اعترفت إسرائيل بإلحاق حزب الله أضرارا بـ127 دبابة من نوع ميركافا، وسقوط قتلى لم تعلن وقتها عنهم. وتمارس إسرائيل رقابة كبيرة على أخبار حرب قطاع غزة.
في المقام الرابع، تمارس إسرائيل تمويها كبيرا بالاستباق دائما إلى بث أخبار لتغليط الرأي العام الدولي لكي تحقق انتصارا إعلاميا. وشاهد العالم يومي 7 و8 أكتوبر الماضي، كيف روجت إسرائيل لذبح حماس 40 طفلا واغتصاب النساء، وتبيّن فيما بعد كذب هذه الأخبار. ولاحقا، قامت بالتقليل من عدد الضحايا الفلسطينيين في حرب قطاع غزة، وسط دعم كبريات العواصم مثل باريس وبرلين وواشنطن لروايتها.
*حسين مجدوبي- القدس العربي