نتابع حديثنا عن الادعية المباركة ومنها الدعاء الموسوم بـ"يستشير" وهو الدعاء الذي علمه النبي(ص) الامام علياً(ع) واوصاه بقراءته يومياً طيلة العمر وقد حدثناك عن مقاطع متسلسلة منه وانتهينا من ذلك الى مقطع يقول: (انت يا رب موضع كل شكوى وحاضر كل ملاء وشاهد كل نجوى)، هذا المقطع من الدعاء حدثناك عن عبارته الاولى وهي (انت يارب موضع كل شكوى)، ونحدثك الان عن عبارته الثانية وهي (وحاضر كل ملاء)، وهذا ما نبدأ به، ان فقرة حاضر كل ملاء تعني ببساطة ان الله تعالى ليس بغائب عن كل جماعة او حشد او جمهور يجتمع في مكان ما، والسؤال هو ما معنى انه تعالى ليس بغائب عن الجماعة او لنستخدم نفس العبارة الواردة في الدعاء وهي ان الله تعالى حاضر كل ملاء أي المطلوب هو ان نفهم معنى ان الله تعالى حاضر في كل مكان يجتمع فيه حشد من الناس، طبيعياً ثمة فارق بين كون الانسان مفرداً يتعامل مع الله تعالى وبين كونه مع جماعة حيث نعرف ان الجماعة او الحشد وهذا ما يتحدث عنه عادة علماء الاجتماع نقول ان الحشد او الجماعة يمتازون عن الحياة الفردية بكونهم يخضعون للايحاء الجمعي أي تتكون لديهم حالة خاصة يفقدون بها فرديتهم ويندمجون مع الجو الاجتماعي العام بما يوحيه هذا الجو من تواصل وتأثر وايحاء يفرزه على الافراد ويعنينا من ذلك هو ان الدعاء عندما يقول عن الله تعالى انه حاضر في كل ملاء هل يقصد بذلك انه تعالى ليس بغائب عن الجماعة او الافراد بحيث يطلع على كلامهم وسلوكهم ونياتهم؟ ام يقصد بذلك انه يستجيب للجماعة عندما يجتمعون في مكان ما ويدعون الله تعالى؟ في تصورنا ان النص يدل على كلا المعنيين كيف ذلك؟ لو دققنا النظر في العبارة الاولى من المقطع وهي ان الله تعالى موضع كل شكوى حينئذ نستخلص بان المقصود من عبارة الله تعالى حاضر كل ملأ هو ان الله تعالى يستمع لما يبثه المجتمعون من حاجات ويمكننا تقريب هذه الدلالة من خلال ما ورد من التوصيات الاسلامية الذاهبة الى ان جماعة ما لو اجتمعت في مكان ما سواء كان ذلك لاجل قضاء الحاجات كما لو اجتمعوا في المسجد او كان على مائدة طعام او سوى ذلك فان مجرد اجتماعهم في مكان ما وتوسلاتهم جميعاً بالله تعالى بقضاء حاجة ما فان الله تعالى يستجيب دعاء الجماعة.
اذن عندما يقول الدعاء ان الله تعالى حاضر كل ملأ نستخلص من ان الله تعالى يستجيب لدعاء الجماعة الذين يجتمعون من اجل الدعاء وطلب الحاجة.
ايضاً علينا ان نستخلص اونستلهم دلالة اخرى من الفقرة المتقدمة أي فقرة ان الله تعالى حاضر كل ملأ نستطيع ان نستلهم منها ان الله تعالى ليس بغائب عن الجماعة لانه مطلع على الاعلان والاسرار وما يهدف اليه الحشد من آمال وسواها طبيعياً ان المعنى الاول هو الاقرب الى سياق الدعاء طالما نلحظ بان العبارة التي سبقت ذلك تتضمن الاشارة الى انه تعالى سامع كل شكوى كما ان العبارة التي تليها وهي انه تعالى شاهد كل نجوى تتناسب مع المعنى الذي ذهبنا اليه، ولكن في الحالات جميعاً فان قارئ الدعاء يستطيع ان يستلهم جملة دلالات في آن واحد بحيث يتداعى ذهنه الى ان الله تعالى مطلع على العباد وانه تعالى يستمع الى نجواهم ويقدر شكواهم الى ما ورد في مقطع الدعاء وهو ما نحدثك عنه في لقاءات لاحقة ان شاء الله تعالى.
ختاماً نذكرك بضرورة ان تستثمر او لنقل ان نستثمر جميعاً امثلة هذه الادعية وذلك بان نجعلها اداة تذكر تشدنا الى الله تعالى بصفة انه تعالى حاضر في كل ملأ وسامع لكل شكوى ومن ثم فان تداعي الذهن لامثلة هذا التذكر تحملنا على المزيد من ممارسة الطاعة والتصاعد بها الى النحو المطلوب.
*******