نواصل حديثنا عن الادعية المباركة ومنها الدعاء الموسوم بـ"يستشير" وهو الدعاء الذي علمه النبي(ص) الامام علياً(ع) واوصاه بقراءته يومياً طيلة العمر وقد حدثناك عن مقاطع متسلسلة منه وانتهينا من ذلك الى مقطع ورد فيه خطاب لله تعالى بهذه الاوصاف (امرك غالب، وعلمك نافذ، وكيدك غريب، ووعدك صادق)، ان هذه المفردات تحتاج الى القاء الاضاءة عليها وهو ما نحاول التوفر عليه الان.
المفردة الاولى تقول (امرك غالب) فماذا نستلهم منها؟ طبيعياً المعنى اللغوي لهاتين الكلمتين واضح الا ان المطلوب هو ملاحظة الدلالة المستخلصة من ذلك، ولهذا نقول عندما يقررالدعاء بان امر الله غالب انما يلفت نظرنا الى نكتة في غاية الاهمية الا وهي ان الامور اياً كان نمطها وحجمها هي بيد الله تعالى وليس بيد العبد مهما خيل للبعض بان جهد العبد هو المحدد لحصول الامر، طبيعياً ثمة مواقف تشير التوصيات الاسلامية الى ان العبد هو الذي يضطلع بجهده في تحقيقها وهذا قد يتنافى مع التوصيات التي تقرر بان الامر هو لله تعالى وليس للعبد فكيف نوفق بين القولين؟
لنستشهد ببعض الامثلة اولاً، حتى يتضح الامر يقول الله تعالى «وما رميت اذ رميت ولكن الله رمى»، هنا الا يتساءل قارئ هذه العبارة القرآنية الكريمة قائلاً، ان الموضوع يتصل بالمعركة حيث يقاتل العبد بسلاح ويرمي بسهامه العدو اذن الرمي هومن المقاتل فكيف يكون من الله تعالى حيث يقول وما رميت اذ رميت ولكن الله رمى، لا نعتقد اننا نحتاج الى تأمل كبير حتى ندرك سريعاً بان المقصود هو ان الله هو المساعد لعبده في حركاته فلولا نصر الله تعالى لعبده لما استطاع ان يرمي بسهم في المعركة، وهذا فيما يتصل بالتوصيات القائلة بان الله تعالى وليس العبد هو الممارس لهذا الامر او ذاك، ولكن ماذا بالنسبة الى العبارة الواردة في الدعاء بان امر الله تعالى هو الغالب؟ هذا ما نوضحه الان.
ثمة توصية اسلامية تقول بما مؤداه ان الله تعالى اذا اراد انفاذ ارم يسلب عقول العباد ممن بيدهم القرار فينفذ امره اثم يرجع العقول الى عباده فيقولون كيف حصل هذا وكيف، ومعنى هذه التوصية ان الله تعالى غالب امره بالقياس الى امر العبد، فمثلاً لو فرضنا ان الله تعالى يريد ان يوفر لعبده وظيفة ادارية في هذه المؤسسة او تلك ولكن المسؤول عن المؤسسة يمتنع عن ذلك، حينئذ يسلب الله تعالى عقل هذا المسؤول في لحظة طلب العبد لوظيفة ما، فيوافق على ذلك دون ان يعي هذا الامر كما لو ذهل عن الموضوع تماماً، ثم يعي الموقف فيعجب كيف وافق على طلب هذا الرجل مع انه معارض اساساً لطلبه المذكور.
ان ما نهدف الى توضيحه هو ان امر الله تعالى هو الغالب كما ورد في الدعاء امرك غالب، وهذا في حالة ما اذا فرضنا ان ثمة غالباً ومغلوباً في الموقف وكذلك في الحالات المطلقة كما لاحظنا مثلاً في النص القرآني الكريم القائل وما رميت اذ رميت ولكن الله رمى، حيث نستخلص مما تقدم بانالامر هو لله تعالى طبيعياً من الممكن ان يتخلى الله تعالى عن عبده في حالة ما اذا كان العبد عاصياً ومستاهلاً للعقاب بحيث لا ينصره في المواقف ولكن حتى في هذا السياق فان امر الله وليس امر العبد يظل هو الغالب وهذا مما يحملنا على ضرورة ان نعي بان الله تعالى هو الفعال لما يريد وان العبد لا يملك لنفسه ضراً ولا نفعاً.
اذن امكننا ان نتبين جانباً من الاسرار الكامنة وراء العبارة الواضحة القائلة عن الله تعالى بان امره هو الغالب حيث تعني بان الله تعالى هو الفعال للامور جميعاً كل ما في الامر ان نمط الممارسة العبادية للعبد تحدد ما اذا كان الله تعالى في عون عبده في انجاز هذا الامر او عدمه بالنحو الذي اوضحناه الان والمهم هو ان نسأله تعالى بان يوفقنا لممارسة العمل العبادي والتصاعد به الى النحو المطلوب.
*******