مصطلح الهدنة
تعني الهُدْنة والهِدَانَةُ في معجم "لسان العرب" المصالحة بعد الحرب؛ وهادَنه مُهادنَةً أي صالحه، وأصل الهُدْنةِ السكون بعد الهَيْج، وربما جعلت للهُدْنة مُدّة معلومة، فإذا انقضت المدة عادوا إلى القتال، ولذلك قيل: هُدْنَة على دَخَنٍ أَي سكونٌ على غِلّ.
لم يُعرِّف ميثاق الأمم المتحدة لعام 1945 مفهوم الهدنة الإنسانية بشكل واضح، لكن فقهاء القانون الدولي عرفوها بأنها "وقف العمليات الحربية بين طرفي القتال بناء على اتفاق المتحاربين".
وبقدر ما يشير المصطلح إلى غياب إمكانية حلول تفضي إلى توقف نهائي للحرب، فإنه يبقى إجراء يحمل طابعا سياسيا إلى جانب صفته العسكرية، وقد يكون مقدمة لعقد صلح بين المتحاربين.
تنظم الهدنة مجموعة من النصوص القانونية وعلى رأسها القانون الدولي الإنساني، خاصة الفصل الخامس من اللائحة المتعلقة بقوانين وأعراف الحرب البرية المعتمدة في المؤتمر الدولي الثاني للسلام بلاهاي في 1907.
الهدنة في القانون الدولي
ويعقد الهدنة ممثلون عن الطرفين يعينون خصيصى للتفاوض، ولا تصبح ملزِمة إلا إذا أقرتها حكومات الدول الأطراف في الحرب. وليس لقادة الجيش في الميدان -حسب قواعد القانون الدولي- إلا الالتزام بشروط الهدنة ومقتضياتها، التي تحدد التزامات ومسؤوليات كل طرف من قبيل عدم إطلاق النار، والسماح بدخول المساعدات الإنسانية والإغاثية، وتبادل الأسرى والمحتجزين، وتخفيف معاناة الناس في مناطق الصراع والعدوان.
قد تكون المفاوضات لأجل الهدنة مباشرة أو غير مباشرة، كما هو الحال بالنسبة للهدنة بين حركة المقاومة الإسلامية (حماس) وإسرائيل في 24 نوفمبر/تشرين الثاني 2023، وفي حروب سابقة في قطاع غزة.
وقد تشمل وقف جميع العمليات القتالية بين طرفي الحرب بجميع الميادين فتكون هدنة شاملة، وقد تكون جزئية تشمل مناطق معينة فقط، ولها أجل وتنتهي بانقضائه إن لم يُتوصل لتمديد أو اتفاق نهائي.
يبدأ سريان الهدنة بعد تحديد موعدها، ويسهر على تنفيذها واحترام بنودها الطرفان المتقاتلان، إضافة إلى الجهات التي أجرت المفاوضات، أو رعتها.
وتنص المادة 38 من لائحة لاهاي على أنه: ينبغي إخطار السلطات المختصة والجيوش رسميا وفي الوقت المناسب باتفاقية الهدنة. وتتوقف العمليات العدائية بعد تسلّم الإخطار فورا أو في الأجل المحدد. وأي خرق للهدنة يعطي الحق للطرف الآخر أن يتنصل منها.
وتؤطر المادتان 40 و41 من لائحة لاهاي حالات الخرق، إذ تنص المادة 40 على أن "كل خرق جسيم لاتفاقية الهدنة من قبل أحد الأطراف يعطي الطرف الآخر الحق في عدّها منتهية، بل واستئناف العمليات العدائية في الحالة الطارئة". وتنص المادة (41) على أن "خرق شروط الهدنة من طرف أشخاص بإرادتهم يعطي الحق في المطالبة بمعاقبة المخالفين فقط، ودفع تعويض عن الأضرار الحاصلة إن وجدت".
ويلزم القانون الدولي الإنساني الأطراف المتنازعة باحترام الهدنة. وتؤكد المادة 23 من اتفاقية لاهاي وقرار مجلس الأمن رقم (2175) لعام 2014، واتفاقيات جنيف وقرارات الأمم المتحدة بشأن وقف إطلاق النار الإنساني أن على جميع أطراف النزاعات احترام هدنة وقف إطلاق النار الإنسانية.
وأكدت التجارب أن قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة ليست ملزمة بموجب القانون الدولي، وتبقى مناشدة للأطراف المتحاربة، بينما تكتسي قرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة طابع الإلزام بموجب القانون الدولي.
ومهما طال أمد الهدنة فإنها تبقى مجرد وقف مؤقت لأعمال الحرب بين أطراف الصراع، ولا تنهيها إلا بتوقيع معاهدة سلام؛ مثل المعاهدة التي أنهت الحرب بين إسرائيل ومصر في مارس/آذار 1979، وبين إسرائيل والأردن في 1994.
وقف إطلاق النار
يعدّ الدليل العملي للقانون الإنساني أن وقف إطلاق النار اتفاق ينظم وقف "جميع النشاطات العسكرية لفترة زمنية معينة في كامل منطقة النزاع أو جزء منها. ويُعتمد لأغراض عسكرية إستراتيجية أو حتى إنسانية، ولا يتضمن شروطا سياسية أو عسكرية"، ويصطلح عليه -أيضا- بالتهدئة.
يمكن أن يعلن وقف إطلاق النار طرف واحد من أطراف الصراع، أو يكون نتيجة تفاوض بينهما. وقد يعبّر عنه بـ"الوقف المؤقت لإطلاق النار" أو "الوقف المؤقت للأعمال العدائية"، أو "وقف إطلاق النار.
ينظم اتفاقيات وقف إطلاق النار القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني، ومن ضمنه اللائحة المتعلقة بقوانين وأعراف الحرب البرية.
ويعدّ وقف إطلاق النار بين المتحاربين في حرب أكتوبر 1973، والحرب اللبنانية الإسرائيلية 2006 من أشهر الحالات التي أصدر فيها مجلس الأمن قرارات تقضي بوقف إطلاق النار.
ويمكن أن يكون هذا الوقف المؤقت للحرب خطوة على طريق الوصول لاتفاق رسمي لوقف إطلاق النار نهائيا بمعاهدة للسلام، كونه اتفاقا متبادلا وتعاقدا رسميا يقطع العمليات الحربية طبقا لاتفاقيات لاهاي، خاصة الفصل 5 من الاتفاقية الخاصة باحترام قوانين وأعراف الحرب البرية.
وفي حالة عدم الاتفاق على مدة محددة لوقف إطلاق النار، فيمكن للأطراف المتحاربة استئناف الأعمال العدائية، شريطة إخطار العدو باستئناف المعارك. وعند حصول انتهاك جسيم من جانب واحد لشروط وقف إطلاق النار، فإن ذلك يعفي الطرف الآخر من التزام الإخطار.
ومن الأمثلة التاريخية لاتفاق وقف إطلاق النار، الاتفاق غير الرسمي بين فرنسا والمملكة المتحدة وألمانيا بمناسبة رأس السنة في 24 ديسمبر/كانون الأول 1914 إبان الحرب العالمية الأولى، واستؤنفت الحرب بعد أيام قليلة. وكذلك وقف إطلاق النار وإنشاء منطقة منزوعة السلاح خلال الحرب الكورية في 27 يوليو/تموز 1953.
وفي 8 فبراير/شباط 2005 أُعلن عن وقف إطلاق النار بين إسرائيل والسلطة الوطنية الفلسطينية، حيث أعلن يومها رئيس المفاوضين الفلسطينيين صائب عريقات "لقد وافقنا اليوم على أن الرئيس محمود عباس سوف يعلن وقفا كاملا لإطلاق النار وأعمال العنف تجاه الإسرائيليين، وسوف يعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي أرييل شارون وقفا كاملا لإطلاق النار ووقف جميع النشاطات العسكرية تجاه الفلسطينيين".
الهدنة ووقف إطلاق النار.. وصل وفصل
لا يتضمن اتفاق إطلاق النار شروطا سياسية أو عسكرية، ويمكن أن يعلنه طرف واحد من أطراف الصراع، أو يكون نتيجة تفاوض بينهما. ويقتصر على وقف الأعمال القتالية مؤقتا في نطاق جغرافي محدد، بينما تعقد الهدنة وجوبا باتفاق أطراف الصراع أو من يمثلها، وتشمل جميع الرقعة الجغرافية المعنية بالقتال، وتُحدد شروطها والتزامات الأطراف.
ويختلف كذلك مفهوم اتفاق الهدنة عن اتفاق وقف إطلاق النار في كون مدة الأول أقصر من الثاني، وله هدف إنساني بالدرجة الأولى؛ كإدخال المساعدات والإغاثة، بينما يهدف وقف إطلاق النار إلى تحقيق أهداف إستراتيجية من قبيل إعادة ترتيب القوات وتجميعها، وتقييم قدرات الخصم، أو إعطاء الفرصة للسياسيين للتفاوض.
ويتشابه وقف إطلاق النار والهدنة في كونهما معا اتفاقا مؤقتا لوقف القتال، وقرارا سياسيا يتخذه القادة السياسيون وليس العسكريون، ولذلك قد يستخدم مصطلح الهدنة للدلالة أحيانا على وقف النار رغم اختلاف المعنى بينهما بنسبة معينة.
وفي هذا السياق ينصّ القانون الإنساني (اتفاقيّة جنيف 1، المادة 15) على أنه "كلما سمحت الظروف، يتفق على تدبير عقد هدنة أو وقف إطلاق النيران أو ترتيبات محلية، لإمكان جمع وتبادل ونقل الجرحى والمرضى المتروكين في ميدان القتال".
************************
المصدر: الجزيرة