بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدى لولا ان هدانا الله والصلاه والسلام على حامل وحيه محمد المصطفى واله الهداه الابرار مستمعينا الكرام السلام عليكم ورحمه الله وبركاته واهلا بكم في برنامج القصص الحق.
• ايها الاحبة في هذه الحلقة من البرنامج نحط الرحال عند تكملة قصة نبى الله ابراهيم _عليه السَّلام_ وقصة تحطيمه للاصنام التي ذكرت في سورة الانبياء من الاية ٥۷ حتى ٦۷ .
• فتابعونا ايها الكرام ضمن الفقرات التالية.
• بداية ننصت خاشعين الى تلاوة هذه الايات.
• ثم نتعرف على معاني المفردات والعبارات التي وردت في هذه الايات.
• ونستمع الى الحوار القراني الذي يتناول مناقشة بعض الأسئلة التي تدور حول عصمة ابراهيم الخليل في قوله"بَلْ فَعَلَهُ كبِيرُهُمْ".
• لنستمع بعد ذلك الى سرد هذا الجزء من حكاية ابراهيم_عليه السَّلام_.
• في فقرة من هدي الائمة _عليه السَّلام_ نقدم لكم رواية عن الامام الصادق_عليه السَّلام_ ومسك الختام مع شيء من الدروس والعبر المستقاة من هذه الحكاية القرآنية.
• فأهلا ومرحبا بكم الى فقرات هذا اللقاء.
المقدمة
أيها الاحبة تتحدث آيات هذه الحلقة عن موقف ابراهيم الخليل_عليه السَّلام_ تجاه الاصنام حيث قام بتكسيرها وتحطيمها والناس كانوا يحتفلون بالعيد خارج المدينة ثم تتحدث عن ما جرى بعد ذلك لابراهيم_عليه السَّلام_ اي عندما عاد الناس الى معبد الأوثان ووجدوا ماذا حل باصنامهم حيث استطاع إبراهيم أن يجتاز بنجاح مرحلة حسّاسة جدّاً في طريق تبليغه للرسالة، وهي إيقاظ الضمائر عن طريق إيجاد موجة نفسية هائجة.
لننصت الى القران الكريم افضل الكلام واحسن الحديث وهو يحكي لنا مجريات الاحداث.....
التلاوة
"وتَاللّهِ لاََكيدَنَّ أَصْنامَكمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ (٥۷)
فَجَعَلَهُمْ جُذاذاً إِلاّ كبِيراً لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيهِ يرْجِعُونَ (٥۸)
قالُوا مَنْ فَعَلَ هذا بِآلِهَتِنا إِنَّهُ لَمِنَ الظّالِمِينَ(٥۹)
قالُوا سَمِعْنا فَتىً يذْكرُهُمْ يقالُ لَهُ إِبْراهِيمُ (٦۰)
قالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلى أَعْينِ النّاسِ لَعَلَّهُمْ يشْهَدُونَ (٦۱)
قالُوا أَ أَنْتَ فَعَلْتَ هذا بِآلِهَتِنا يا إِبْراهِيمُ (٦۲)
قالَ بَلْ فَعَلَهُ كبِيرُهُمْ هذا فَسْئَلُوهُمْ إِنْ كانُوا ينْطِقُونَ (٦۳)
فَرَجَعُوا إِلى أَنْفُسِهِمْ فَقالُوا إِنَّكمْ أَنْتُمُ الظّالِمُونَ (٦٤)
ثُمَّ نُكسُوا عَلى رُؤُسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ ما هؤُلاءِ ينْطِقُونَ(٦٥)
قالَ أَ فَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ ما لاينْفَعُكمْ شَيئاً ولايضُرُّكمْ (٦۷)
أُفّ لَكمْ ولِما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ أَ فَلا تَعْقِلُونَ (٦۷)"
المفردات
تبدأ الاية بقول ابراهيم "وتالله لأكيدنّ أصنامكم بعد أن تولّوا مدبرين"
مفردة «أكيدنّ» مأخوذة من الكيد، وهو التخطيط السرّي، والتفكير المخفي وكان مراده أن يفهمهم بصراحة بأنّنى سأستغلّ في النهاية فرصة مناسبة واُحطّم هذه الأصنام!
ثم وصف القرآن ما قام به النبي ابراهيم _عليه السَّلام_ فقال: "فجعلهم جذاذاً إلاّ كبيراً لهم".
قال الراغب الجذ كسر الشيء وتفتيته ويقال لحجارة الذهب المكسورة ولفتات الذهب جذاذا ومنه قوله تعالى: "فجعلهم جذاذا"، اذن المعنى فجعل الأصنام قطعا مكسورة إلا صنما كبيرا من بينهم.
عندما عاد الناس الى المعبد "قالوا من فعل هذا بآلهتنا"؟! ولا ريب أنّ من فعل ذلك فهو (لمن الظالمين) بحسب ظنهم.
إلاّ أنّ جماعة منهم تذكروا ما سمعوه من إبراهيم _عليه السَّلام_ وإزدرائه بالأصنام وتهديده لها وطريقة تعامله السلبي تجاه هذه الآلهة المزعومة! "قالوا سمعنا فتىً يذكرهم يقال له إبراهيم".
إنّ المألوف ـ عادةً ـ عندما تقع جريمة في مكان ما، ومن أجل كشف الشخص الذي قام بهذا العمل، تبحث علاقات الخصومة والعداء، لم يكن هناك شخص في تلك البيئة من يعادي الأصنام غير إبراهيم، ولذلك توجّهت إليه أفكار الجميع، و"قالوا فأتوا به على أعين الناس لعلّهم يشهدون" ويقصد بيشهدون اي يشهدون عليه بالجريمة.
وأخيراً تشكلت المحكمة، وكان زعماء القوم قد اجتمعوا هناك، ويقول بعض المفسّرين: أنّ نمرود نفسه كان مشرفاً على هذه المحاكمة، وأوّل سؤال وجّهوه إلى إبراهيم_عليه السَّلام_ هو أن: "قالوا أأنت فعلت هذا بآلهتنا ياإبراهيم"؟
هؤلاء لم يكونوا مستعدّين حتى للقول: أأنت حطّمت آلهتنا وجعلتها قطعاً متناثرة؟ بل قالوا فقط: أأنت فعلت هذا بآلهتنا؟
فأجابهم إبراهيم جواباً أفحمهم، وجعلهم في حيرة لم يجدوا منها مخرجاً "قال بل فعله كبيرهم هذا فاسألوهم إن كانوا ينطقون".
في لحظة سريعة إستيقظوا من غفلتهم ومن هذا النوم العميق ورجعوا إلى فطرتهم ووجدانهم، كما يقول القرآن: "فرجعوا إلى أنفسهم فقالوا إنّكم أنتم الظالمون".
*******
ولكن لم تستمر هذه اليقظة الروحية المقدّسة، وثارت في ضمائرهم الملوّثة المظلمة قوى الشيطان والجهل ضدّ نور التوحيد هذا، ورجع كلّ شيء إلى حالته الاُولى، وكم هو لطيف تعبير القرآن حيث يقول: "ثمّ نكسوا على رؤوسهم" قال الراغب: النكس قلب الشيء على رأسه فالعبارة كناية عن قلبهم الباطل على مكان الحق الذي ظهر لهم والحق على مكان الباطل كأن الحق غلب في قلوبهم على الباطل فنكسوا على رؤوسهم فرفعوا الباطل.
ومن أجل أن يأتوا بعذر نيابة عن الآلهة البُكم قالوا: "لقد علمت ما هؤلاء ينطقون" فإنّهم دائماً صامتون، ولا يحطّمون حاجز الصمت. وأرادوا بهذا العذر الواهي أن يخفوا ضعف وذلّة الأصنام.
وهنا فُتح أمام إبراهيم الميدان والمجال للاستدلال المنطقي ليوجّه لهم أشدّ هجماته، وليرمى عقولهم بوابل من التوبيخ واللوم المنطقي الواعي: "قال أفتعبدون من دون الله ما لاينفعكم شيئاً ولا يضرّكم"؟ ثم قال: "اُف لكم ولما تعبدون من دون الله أفلا تعقلون"؟
*******
ايها الافاضل ثمة حديث بين المفسرين فيما يخص رد نبي الله ابراهيم _عليه السَّلام_ على قومه عندما سألوه من فعل هذا بآلهتنا ليجيب _عليه السَّلام_ بَلْ فَعَلَهُ كبِيرُهُمْ هذا فَسْئَلُوهُمْ إِنْ كانُوا ينْطِقُونَ فهل هو كذب او تورية او شيئ آخر، للاجابة عن كل هذه الامور ننتقل الى خبير هذا اللقاء ويجيب عن هذه الأسئلة مشكورا...
زين العابدين: بسم الله الرحمن الرحيم طبعاً ابراهيم عليه السلام كان في مقام الجدال والمناظرة واظهار الحقيقة وكان في مقام الجام الخصم في المناظرة وليس في مقام الحكاية عن الواقع حتى يأتي هذا الاشكال، هذا اسلوب رائع من اساليب الجدال عن طريق الزام الاخر الخصم بما يؤمن به، هؤلاء يؤمنون ان هذه الاصنام هي الالهة وان هذا الكبير هو كبير الالهة فهذا الايمان بألوهيتها كانوا يعبدونها ولهذا لما سألوه قال بلى قد فعله كبيرهم هذا يعني ألستم تعتقدون ان هذا الصنم الكبير هو اكبر الالهة فلابد ان يكون قادراً على الفعل، على تحطيم هذه الالهة الصغيرة التي هي اقل منه واصغر منه، هذا واقع الحال فلابد ان يكون قادراً هذا الاله الصنم الكبير على دفع الضر وجلب النفع فلهذا قال بل فعله كبيرهم هذا ألا ترون ان جميع الاصنام التي كانت حوله تحطمت واصبحت قطعاً متناثرة، جذاذ يعني قطع متكسرة وبقي هذا الصنم الكبير وحده، أليس هذا المنظر يشهد ان الذي فعل ذلك هو هذا الصنم الكبير يعني كانه جعلهم امام الامر الواقع حتى يصل الى نتيجة ان هذا الصنم عاجز عن ان يفعل شيئاً فكيف يكون الهاً " فَعَلَهُ كبِيرُهُمْ هذا" بعد ذلك قال لهم "فَسْئَلُوهُمْ إِنْ كانُوا ينْطِقُونَ" يعني امرهم بأن يسألوا الاصنام المحطمة المفتتة من الذي فعل بهم ذلك، الذي اشاع اليهم كل هذه الاشاعة حتى جعلهم جذاذاً فأسألوهم ان كانوا ينطقون اي ان كانوا ينطقون فأسألوهم ليخبروكم عن الفاعل، هو امر مشروط بنطق الاصنام "فَسْئَلُوهُمْ إِنْ كانُوا ينْطِقُونَ" فهنا الاسلوب الرائع في المناظرة يجعل الخصم يرجع الى نفسه حينما يدرك ان هذه الاصنام لاتستطيع النطق والكلام وينتهي بهم الامر الى ان هذه الاصنام لايمكن ان تكون الهة فلاهي تستطيع الفعل ولاتستطيع النطق فكيف تكون الهة، لأنها عاجزة حتى عن النطق يعني لاالكبير يستطيع الفعل ولا الاصنام الصغار تستطيع النطق ولهذا القرآن يقول "فَرَجَعُوا إِلى أَنْفُسِهِمْ فَقالُوا إِنَّكمْ أَنْتُمُ الظّالِمُونَ" رجعوا الى انفسهم، تعبير جميل لأن كل واحد اقر بأن هذه الاصنام لايمكن ان تكون الهة ونحن قد ظلمنا انفسنا بعبادتنا لهذه الاصنام التي لاتستطيع ان تنطق ولاتتكلم ولا تدافع عن نفسها، الالهة الكبير لا يستطيع ان يفعل شيئاً "فَرَجَعُوا إِلى أَنْفُسِهِمْ فَقالُوا إِنَّكمْ أَنْتُمُ الظّالِمُونَ" يعني كل واحد التفت الى هذه الحقيقة وعرف انه ظالم لنفسه لأنه يعبد هذه الاصنام التي لايمكن ان تكون الهة فكل واحد خاطب نفسه انك انت الظالم او خاطب بعضهم بعضاً، بعض التفاسير تقول "إِنَّكمْ أَنْتُمُ الظّالِمُونَ" يعني كل مجموعة او كل جماعة رجعت الى الاخرى وكل واحد يقول انكم انتم الظالمون وربما التعبير الاول او التفسير الاول اقرب يعني للسياق ثم "نُكسُوا عَلى رُؤُسِهِمْ" يعني كناية عن انهم ركبوا رؤوسهم كما نقول وانقلبوا مع معرفتهم للحق"وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً" ولهذا في روايات اهل البيت عندنا روايتان الرواية الاولى تقول ان ابراهيم "بَلْ فَعَلَهُ كبِيرُهُمْ" ارادة الاصلاح ودلالة على انهم لايفعلون يعني اراد هنا الاصلاح وفي الاصلاح لايوجد كذب في طور الاصلاح وفي طور المجادلة، اصلاح هؤلاء القوم وهناك رواية عن الامام الصادق يقول انما قال ابراهيم ان كانوا ينطقون فكبيرهم فعل يعني وان لم ينطقوا فلن يفعل كبيرهم شيئاً فما نطقوا وماكذب ابراهيم، كأنه فأسألوهم بل فعله كبيرهم ان كانوا ينطقون كأن هنا ان كانوا ينطقون راجعة الى فعله كبيرهم وهذا التفسير طبعاً يضعفه العلامة الطباطبائي رضوان الله تعالى عليه وكأنه يأخذ بالرواية الثانية، رواية الكافي ان ابراهيم كان في طور الاصلاح وفي مقام الاستدلال ومقام الخصومة والمناظرة وليس في مقام الحكاية عن الواقع حتى يكون خاطئاً او كاذباً، حاشاه.
*******
القصة
حل عيدٌ للقوم.. وخرج الملك الجبّار (نمرود) وأهل المدينة إلى الصحراء، لأداء مراسيم العيد هناك ولم يخرج معهم إبراهيم. فلما ذهبوا، أخذ إبراهيم شيئاً من الطعام، وذهب إلى بيت الأصنام.
"فراغ إلى آلهتهم فقال ألا تأكلون"؟ "ما لكم لا تنطقون"؟
فكان يدنو من كل صنم فيقول له: كل.. تكلم. فإذا لم يجبه، أخذ القدّوم، فكسر يده ورجله. ثم علّق القدوم في عنق الصنم الكبير، الذي كان في صدر البيت. وخرج لشأنه..
ورجع الملك والقوم من العيد.. ولما دخلوا معبد الأصنام، رأوا الأصنام محطّمة. فكثر فيهم اللغو والصياح. من فعل هذا بآلهتهم؟ ومن تجرّأ على مسّ كرامة مقدساتهم. وأخذوا يستفسرون الناس:
"قالوا من فعل هذا بآلهتنا إنّه لمن الضالمين"؟
قالوا سمعنا فتى يذكرهم يقال له إبراهيم. فهو كان يذكر الأصنام بسوء
"قالوا فأتوا به على أعين الناس" وإذا بالقوم يطلبون إبراهيم.. هنا.. وهنا حتى وجدوه وجاءوا به إلى مجمع الناس. وهناك نظر القوم إليه في غضب واستنكار، "وقالوا أأنت فعلت هذا بآلهتنا يا إبراهيم"؟
ورأى إبراهيم الموقع مهيئاً، لنشر الدعوة فأشار إلى كبير الأصنام، الذي كان القدوم في عنقه، وقال: كسّر الأصنام هذا الصنم الكبير إن نطق.. ومعناه: وإن لم ينطق فلم يفعل كبير الأصنام ذلك.
وأراد بهذا الكلام أن يرشدهم إلى أنّ الصنم لا يتكلم فكيف تتخذونه رباً؟ ووقع كلام إبراهيم في قلوبهم: كيف يُعبد صنم لا يكلم؟ "فرجعوا إلى أنفسهم فقالوا إنّكم أنتم الظالمون" وليس إبراهيم ظالماً.. إنه أراد هدايتكم، وأنتم الذين تزيدون عناداً وإصراراً. "ثم نكسوا على رؤوسهم" فلم يرفعوها خجلاً. وأخذوا يتمتمون في أنفسهم: "لقد علمت ما هؤلاء ينطقون" فكيف نتخذهم رباً؟
واغتنم إبراهيم هذه الفرصة، فأخذ يعاتبهم على عبادة الأصنام و"قال أفتعبدون من دون الله ما لا ينفعكم شيئاً ولا يضرّكم أفٍ لكم ولما تعبدون من دون الله أفلا تعقلون"
*******
من هدى الائمة _عليه السلام_
وفى رواية عن الإمام الصادق _عليه السَّلام_ في كتاب الكافي: "إنّما قال: بل فعله كبيرهم، إرادة الإصلاح، ودلالة على أنّهم لا يفعلون" ثمّ قال: "والله ما فعلوه وما كذب".
*******
دروس وعبر
في الحقيقة، كان إبراهيم يتابع خطّته بدقّة متناهية، فأوّل شيء قام به عند دعوتهم إلى التوحيد هو أن ناداهم قائلا: ما هذه التماثيل التي تعبدونها؟ وهي لا تحسّ ولا تتكلّم وإذا كنتم تقولون: إنّها سنّة آبائكم، فقد كنتم أنتم وآباؤكم في ضلال مبين.
وفي المرحلة الثّانية أقدم على خطّة عملية ليبين أنّ هذه الأصنام ليست لها تلك القدرة على إهلاك كلّ من ينظر إليها نظرة إحتقار، خاصّة وأنّه ذهب إليها مع سابق إنذار وحطّمها تماماً، وليوضّح أنّ تلك الأوهام التي حاكوها مجتمعين لا فائدة ولا ثمر فيها.
في المرحلة الثّالثة أوصلهم في تلك المحكمة التاريخية إلى طريق مسدود، فمرّة دخل إليهم عن طريق فطرتهم، وتارةً خاطب عقولهم، واُخرى وعّظهم، وأحياناً وبّخهم ولامهم.
والخلاصة، إنّ هذا المعلّم الكبير قد دخل من كلّ الأبواب، واستخدم كلّ طاقته، إلاّ أنّ من المسلّم أنّ القابلية شرط في التأثير، وكان هذا قليل الوجود بين اُولئك القوم للأسف.
والطريف في الأمر أنّنا قرأنا في آيات هذه الحلقة أنّ القوم اتهموا إبراهيم بكونه ظالماً، وهنا قبلوا وإعترفوا في أنفسهم بأنّ الظالم الأصلي والحقيقي هو أنفسهم، وفي الواقع فإنّ مراد إبراهيم من تحطيم الأصنام تحطيم فكر الوثنية وروح الصنمية، لا تحطيم الأصنام ذاتها، إذ لا جدوى من تحطيمها وقد صنع الوثنيون العنودون أصناماً أكبر منها وجعلوها مكانها، وتوجد أمثلة كثيرة لهذه المسألة في تأريخ الجاهلية.
واخيرا نقول انه لا شك أنّ كلمات إبراهيم_عليه السَّلام_ وأفعالهِ بقيت كأرضية للتوحيد، أو على الأقل بقيت كعلامات استفهام في أذهان اُولئك، وأصبحت مقدّمة ليقظة ووعي أوسع في المستقبل. ويستفاد من التواريخ أنّ جماعة آمنوا به، وهم وإن قلّوا عدداً، إلاّ أنّهم كانوا من الأهمية بمكان، إذ هيأوا الاستعداد النسبي لفئة اُخرى.
*******