بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا ان هدانا الله والصلاة والسلام على امين وحيه محمد المصطفى واله الهداة الابرار. مستمعينا الكرام السلام عليكم ورحمة الله وبركاته واهلا بكم الى برنامج القصص الحق * ايها الاحبة في هذه الحلقة من البرنامج نواصل حديثنا عن حكاية نبي الله موسى (عليه السلام) التي ذكرت في الايات ٢٠ الى ٢٦ من سورة المائدة وهي تستعرض جوانب من قصة موسى مع قومه . • فتابعونا ايها الكرام ضمن الفقرات التالية: • بداية نتبرك بالانصات الى تلاوة شيء من هذه الايات • ثم نتعرف على معاني مفرداتها وعباراتها • نستمع الى الحوار القراني الذي اجري بشان الايات مع الاستاذ عبد السلام زين العابدين • لنستمع بعد ذلك الى الحكاية عبر محطة القصة • ونغترف من معين رسول الرحمة (صلى الله عليه واله) واخيه الامام علي (عليه السلام) بشان الايات • ومسك الختام مع باقة من الدروس والعبر المستقاة من هذه الحكاية القرانية فاهلا ومرحبا بكم الى فقرات هذا اللقاء والآن الى مجريات الاحداث عبر المحطة التالية ******* المقدمة جاءت هذه الآيات لتثير لدى اليهود دافع التوجه إلى الحق والسعي لمعرفته أوّلا، وإيقاظ ضمائرهم حيال الأخطاء والآثام التي إرتكبوها ثانياً، ولكي تحفزهم إلى السعي لتلافي اخطائهم والتعويض عنها، لنوكل الحديث عن الايات الى ما بعد ان نستمع الى تلاوة شيء من هذه الايات ******* التلاوة " وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنبِيَاء وَجَعَلَكُم مُّلُوكاً وَآتَاكُم مَّا لَمْ يُؤْتِ أَحَداً مِّن الْعَالَمِينَ{۲۰} يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ وَلاَ تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنقَلِبُوا خَاسِرِينَ{۲۱} قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْماً جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا حَتَّىَ يَخْرُجُواْ مِنْهَا فَإِن يَخْرُجُواْ مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ{۲۲} قَالَ رَجُلاَنِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُواْ عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللّهِ فَتَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ{۲۳} قَالُواْ يَا مُوسَى إِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا أَبَداً مَّا دَامُواْ فِيهَا فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ{۲٤} قَالَ رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلاَّ نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ{۲٥} قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الأَرْضِ فَلاَ تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ{۲٦} ******* المفردات يذكر القرآن اليهود في الآية الاُولى بما قاله النّبي موسى (عليه السلام) لأصحابه حيث تقول: " وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ " ولا يخفى أنّ عبارة " نِعْمَةَ اللّهِ " تشمل جميع الأنعم الإلهيّة، لكن الآية استطردت فبيّنت ثلاثاً من أهم هذه النعم، أوّلها نعمة ظهور أنبياء وقادة كثيرين بين اليهود، والتي تعتبر أكبر نعمة وهبها الله لهم، فتقول الآية: " إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ " وقد نقل أنّ في زمن موسى بن عمران وحده كان يوجد بين اليهود سبعون نبيّا. بعد هذا تشير الآية إلى أكبر نعمة مادية وهبها الله لليهود فتقول: " وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا " وتعتبر هذه النعمة أيضاً مقدمة للنعم المعنوية، فقد عانى بنو إسرائيل لسنين طويلة من ذل العبودية في ظل الحكم الفرعوني، فلم يكونوا ليمتلكوا في تلك الفترة أي نوع من حرية الإرادة، بل كانوا يعاملون معاملة البهائم المكبلة في القيود، وقد أنقذهم الله من كل تلك القيود ببركة النّبي موسى بن عمران (عليه السلام) وملكهم مصائرهم ومقدراتهم. وتشير هذه الآية في اخرها إلى أنّ الله قد وهب بني إسرائيل في ذلك الزمان نعماً لم ينعم بها على أحد من أفراد البشر في ذلك الحين فتقول: " وَآَتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ " وكانت هذه النعم الوافرة كثيرة الأنواع، فمنها نجاة بني إسرائيل من مخالب الفراعنة الطغاة، وانفلاق البحر لهم، ونزول غذاء خاص عليهم مثل «المن والسلوى». والآية التالية تبيّن واقعة دخول بني إسرائيل إلى الأرض المقدّسة نقلا عن لسان نبيّهم موسى (عليه السلام) فتقول: " يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ " وقد اختلف المفسّرون حول المراد بعبارة " الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ " الواردة في الآية، وحول موقعها الجغرافي من العالم لكن لا يستبعد أن يكون المراد من العبارة المذكورة كل أرض الشام التي تشمل جميع الاحتمالات الواردة في ذيل الاية، لأنّ هذه الأرض كما يشهد التاريخ تعتبر مهداً للأنبياء، ومهبطاً للوحي، ومحلا لظهور الأديان السماوية الكبرى، ويستدل من جملة " كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ... " على إنّ الله قد قرر أن يعيش بنو إسرائيل في الأرض المقدّسة بالرغد والرخاء والرفاه (شريطة أن يحموا هذا الأرض من دنس الشرك والوثنية) وأن لا ينحرفوا (عن تعاليم الأنبياء) وإن لم يلتزموا بهذا الأمر فسيحيط بهم من قبل الله عذاب أليم شديد. تقول الآية: " قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ " انّ كلمة " جَبَّارِ " مأخوذةٌ أو مشتقة من الأصل (جبر) أي إصلاح الشيء بالقسر والإرغام، ولذلك سمّي إصلاح العظم المكسور (تجبيراً) فهذه الكلمة تطلق من جهة على كل نوع من التجبير والإصلاح، ومن جهة اُخرى تطلق على كل أنواع التسلط القسري، وحين تطلق كلمة " جَبَّارِ " على الله سبحانه وتعالى فذلك إمّا لتسلطه على كل شيء، أو لأنّه هو المصلح لكل موجود محتاج إلى الإصلاح. اما الجبارون في الاية فهم قوم من العنصر السامي كانوا يعيشون في شمال شبه جزيرة العرب بالقرب من صحراء سيناء، وقد هاجموا مصر واستولوا عليها وكانوا يمتلكون أجساماً ضخمة، وكانت لهم أطوال خارقة، اذ كان على بني إسرائيل أن يحرروا تلك الأرض بكفاحهم وتضحياتهم، بعد هذا الحديث يشير القرآن الكريم إلى رجلين أنعم الله عليهما بالإيمان والتقوى والورع وشملهما بنعمه الكبيرة واجها بني إسرائيل بقولهما: ادخلوا عليهم من باب المدينة، وحين تدخلون عليهم سيواجهون الأمر الواقع فتكونوا أنتم المنتصرين، تقول الآية الكريمة في هذا المجال: " قَالَ رَجُلَانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ " . وتؤكّد الآية بعد ذلك ضرورة الإعتماد على الله في كل خطوة من الخطوات، والاستمداد من روح الإيمان بقوله تعالى: " وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ " . مع كل الاحتمالات العديدة الواردة في تفسير جملة " مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ " إلاّ أنّ الواضح من ظاهر هذه الجملة، هو أنّ الرجلين المذكورين في الآية هما من جماعة تخاف الله وتخشاه وحده دون غيره، تقول الآية الكريمة: " قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَدًا مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ " وتبيّن هذه الآية مدى الوقاحة التي وصل إليها بنو إسرائيل في مخاطبة نبيّهم موسى (عليه السلام)، فهم بقولهم «لن» و«أبداً» أكدوا رفضهم القاطع للدخول إلى الأرض المقدّسة، كما أنّهم استخفّوا بموسى (عليه السلام) ودعوته واستهزؤوا بهما، بقولهم: " اذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ... " كما أنّهم أيضاً لم يعيروا التفاتاً لإقتراح الرجلين المؤمنين المذكورين في الآية، ولم يبدوا حيال ذلك أي جواب. تقول الآية الكريمة في هذا المجال: " قَالَ رَبِّ إِنِّي لَا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ " وبديهي إنّ رفض بني إسرائيل القاطع لأمر نبيّهم كان بمثابة الكفر، وما استخدام القرآن لعبارة «الفاسق» بحقّ هؤلاء إلا لأنّ كلمة «الفسق» لها معان واسعة، وتشمل كل خروج وانحراف عن سنة العبودية لله، وكانت نتيجة صلف وعناد بني إسرائيل أنّهم لاقوا عقابهم، إذ استجاب الله دعاء نبيّه موسى (عليه السلام)، فحرم عليهم دخول الأرض المقدّسة، المليئة بالخيرات مدّة أربعين عاماً، وفي هذا المجال تقول الآية القرآنية الكريمة: " قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً " وزادهم عذاباً إذ كتب عليهم التيه والضياع في البراري والقفار طيلة تلك الفترة، حيث تقول الآية في ذلك: " يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ " . بعد ذلك تذكر الآية أنّ ما نال بني إسرائيل من عذاب في تلك المدّة، كان مناسباً لما فعلوه، وتطلب من موسى (عليه السلام) أن لا يحزن على المصير الذي لا قوه حيث تقول الآية الكريمة: " فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ " . حياكم الله مستمعينا الكرم وانتم برفقة برنامج القصص الحق من اذاعة طهران .... ننتقل الان الى الحوار التالي الذي اجري بشان الايات محل البحث ******* المحاورة: مستمعينا الاعزاء اهلاً ومرحباً بكم في هذه المحطة من برنامج القصص الحق ونستضيف خبير البرنامج سماحة السيد عبد السلام زين العابدين استاذ العلوم القرآنية من مدينة قم المقدسة، اهلاً بكم سماحة السيد عبد السلام زين العابدين زين العابدين: الله يبارك فيكم ان شاء الله المحاورة: سماحة السيد وقد يسأل سائل في هذا المجال عن مصدر علم هذين الرجلين وكيف علما ان بني اسرائيل ستكون لهم الغلبة ان هم دخلوا المدينة او الارض المقدسة في هجوم مباغت؟ زين العابدين: بسم الله الرحمن الرحيم طبعاً هناك ربما عدة احتمالات لمعرفة هذين الرجلين اللذين يعبر عنهم القرآن الكريم " أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِمَا " طبعاً هذا التعبير تعبير جميل وربما يساهم في معرفة اولاً قد يكونوا هم عرفوا ذلك من قول موسى عليه السلام " الَّتِي كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ " فهذه المقولة قالها موسى عليه السلام " يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ وَلاَ تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنقَلِبُوا خَاسِرِينَ " قد يكون هذان الرجلان قد عرفا انهم سينتصرون " قَالَ رَجُلاَنِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُواْ عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللّهِ فَتَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ " ربما لثقتهم بموسى عليه السلام وكان هؤلاء من الاولياء، احدهم كما جاء في الروايات هو يوشع بن نون من نقباء بني اسرائيل فلثقتهم بموسى وبوعد موسى عليه السلام ربما، ربما لمعرفتهم بطبيعة العدو لأن العدو اذا كان ظالماً وجائراً وبعيداً عن الله عزوجل لابد ان يكون عدواً ضعيفاً وهم بما يمتلكون من ايمان ومن مباغتة، انظروا يعني " قَالَ رَجُلاَنِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُواْ عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ " يعني هنا الثقة بالله عزوجل وتوفير الاسباب اللازمة واستثمار عنصر المباغتة في الحرب ربما فهموا ذلك من خلال هذا الامر، يعني هناك ربما عدة امور جعلتهم يطمئنون بأنهم سينتصرون يعني ربما من هذا المعنى اما من قول موسى عليه السلام " كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ " او من معرفة العدو ومعرفة انفسهم والتأييد الرباني والتسديد الرباني لهم في معركتهم " كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللّهِ " ربما يعني احد هذين السببين او ربما السبب الاول والسبب الثاني ساهما في اطمئنان هؤلاء على ان ينتصروا على اعداءهم. ******* القصة السير باتجاه بيت المقدس سار موسى بقومه في اتجاه البيت المقدس، وأمرهم بدخولها وقتال من فيها والاستيلاء عليها. وها قد جاء امتحانهم الأخير. بعد كل ما وقع لهم من المعجزات والآيات والخوارق. جاء دورهم ليحاربوا -بوصفهم مؤمنين- قوما من عبدة الأصنام. لكنهم رفضوا دخول الأراضي المقدسة. وحدثهم موسى (عليه السلام) عن نعمة الله عليهم. كيف جعل فيهم أنبياء، وجعلهم ملوكا يرثون ملك فرعون، وآتاهم مَّا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِّن الْعَالَمِينَ. وكان رد قومه عليه أنهم يخافون من القتال. قالوا: " إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ " ، واعلنوا بحزم انهم لن يدخلوا الأرض المقدسة حتى يخرج منها هؤلاء. وانضم لموسى وهارون اثنان من القوم.لم يجد موسى من بينهم غير رجلين على استعداد للقتال. وراح هذان الرجلان يحاولان إقناع القوم بدخول الأرض والقتال. قالا: إن مجرد دخولهم من الباب سيجعل لهم النصر. ولكن بني إسرائيل جميعا كانوا يتدثرون بالجبن ويرتعشون في أعماقهم. مرة أخرى تعاودهم طبيعتهم التي عاودتهم قبل ذلك حين رأوا قوما يعكفون على أصنامهم. فسدت فطرتهم، وانهزموا من الداخل، واعتادوا الذل، فلم يعد في استطاعتهم أن يحاربوا. وإن بقي في استطاعتهم أن يتوقحوا على نبي الله موسى وربه. فقد قالوا له كلمتهم الشهيرة: " فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ " هكذا بصراحة وبلا التواء. وعلم موسى أن قومه ما عادوا يصلحون لشيء. مات الفرعون ولكن آثاره في النفوس باقية يحتاج شفاؤها لفترة طويلة. فعاد عليه السلام إلى ربه يحدثه أنه لا يملك إلا نفسه وأخاه. ودعا على قومه أن يفرق الله بينه وبينهم. وأصدر الله تعالى حكمه على هذا الجيل الذي فسدت فطرته من بني إسرائيل. كان الحكم هو التيه أربعين عاما. حتى يموت هذا الجيل أو يصل إلى الشيخوخة. ويولد بدلا منه جيل آخر، جيل لم يهزمه أحد من الداخل، ويستطيع ساعتها أن يقاتل وأن ينتصر ******* من هدي الائمة (عليه السلام) في ذيل الاية المباركة " وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا وَآَتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ " نقل في تفسير «الدر المنثور» عن النّبي (صلى الله عليه وآله) حديث جاء فيه: «كانت بنوإسرائيل إذا كان لأحدهم خادم ودابة وامرأة كتب ملكاً». وهذا يعني ان المقصود بالملوك في الآية هم اصحاب الرفاه المادي. وقد أشار الإمام علي بن أبي طالب في إحدى خطبه الواردة في كتاب نهج البلاغة إلى الحقيقة التي تشير اليها الاية المباركة " قَالَ رَجُلَانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ " بقوله (عليه السلام): " فوالله ما غُزي قوم في عقر دارهم إلا ذلوا " ******* دروس وعبر *في قوله تعالى " يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ " لا يوجد أيّ تناقض بين فشل جيل من بني إسرائيل الذين خوطبوا بهذه الآية في دخول الأرض المقدّسة، وإبتلائهم بالتيه والضياع لمدّة أربعين عاماً في الصحارى والقفار، حتى نجح الجيل التالي من بعدهم بدخول تلك الأرض، لا يوجد أيّ تناقض بين ما ذكر وبين جملة " كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ... " لأنّ هذا التقدير الإلهي والقرار الرباني إنّما قيد بشروط لم ينفذها ذلك الجيل الأوّل من بني إسرائيل. * " قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ " يدل جواب بني إسرائيل هذا على الأثر المشؤوم الذي خلّفه الحكم الفرعوني على نفوس هؤلاء فإنّ في كلمة «لن» التي تفيد التأبيد دلالة على الخوف والرعب العميقين اللذين استوليا على هذه الطائفة ممّا أرغمهم على الإمتناع عن الدخول في أي صراع من أجل تحرير الأرض المقدّسة وتطهيرها * " قَالَ رَجُلَانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ " لعل علم هذين الرجلين بتلك الغلبة كان نابعاً من ثقتهما بأقوال النّبي موسى (عليه السلام) أو أنّهما اعتمدا على قاعدة كلية في الحروب، مفادها أنّ الجماعة المهاجمة إن استطاعت الوصول إلى مقر ومركز العدو أي تمكنت من محاربة العدو في داره فإنّها ستنتصر عليه * تصف الاية الرجلين بـ " أنعم الله عليهما... " و المقصود من النعمة هو الخوف والخشية من الله فأي نعمة أكبر وأرفع من أن يخاف الإنسان من الله وحده ولا يخشى أحداً سواه *يجب الإنتباه إلى أنّ حرمان بني إسرائيل من الدخول إلى الأرض المقدسة، لم يكن له طابع للإنتقام كما أن جميع العقوبات الإلهيّة ليس فيها طابع انتقامي، بل هي إما أن تكون لأجل تقويم شخصية الفرد، أو تكون نتيجة لأخطائه ومعاصيه. *******