البث المباشر

جواهر علوية.. سوء التدبير سبب التدمير

الثلاثاء 14 نوفمبر 2023 - 18:26 بتوقيت طهران
جواهر علوية.. سوء التدبير سبب التدمير

رغم أن الله تعالى أوكل إلى الإنسان تدبير أموره التي تقع في دائرة اختياره لكنه لا يتخلى عنه، بل يعينه بما يتفَضَّل عليه من مواهِب وقابليات، ويُعينُه بما يُنعِم عليه من نعَمٍ شتّى لا تُحصى، وقد أعطاه القدرة العقلية والعلمية التي يتمكن بها أن يدير كل شؤونه بعلم ومعرفة وحكمة.

ورُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال:" سوءُ التَّدبيرِ سَبَبُ التَّدميرِ".

سوء التدبير آفة خطيرة ومشكلة كبيرة تنشأ منها آفات ومشكلات كثيرة، جميعها يفضي إلى الخُسران والعَجز والفقر والمَهانة والتدمير.

وسوء التدبير يعتبر أحد أهم أسباب ما عانت وتعاني منه الإنسانية ماضياً وحاضراً ومستقبلاً.

ومحال أن تمضي الحياة الإنسانية دون تدبير، بل محال أن يستقِرَّ الكون على ما هو عليه الآن دون تدبير، فالله سبحانه الذي خلق الكون لم يتركه وشأنه بل يُدَبِّر أمره آناً بعد آن، ولو أنه سبحانه وتعالى تركه وشأنه لما استقَرَّ له حال، ويؤول مصيره إلى الدمار.
 

الإنسان يدبر الله شؤونه التي تقع خارج دائرة اختياره 

كذلك الإنسان يدبر الله شؤونه التي تقع خارج دائرة اختياره، إنه ليدبر له أمر معاشه، ورزقه، ونومه ونشوره وكل شيء يعجز عن تدبيره، ويترك له أن يدبر أموره التي تقع في دائرة اختياره، وتدبير الإنسان لشؤونه لا يمكن أن يكون كيفما اتفق، ولا يمكن أن يكون عشوائياً دونما علم، ومعرفة، وخبرة، وتنظيم، وإتقان، وحكمة، والعشوائية تؤدي به إلى الفشل في أموره كلها. 

إذاً لا يستقِرُّ عَيشٌ من دون تدبير، فالحياة والتدبير أمران متلازمان لا يمكن فصل أحدهما عن الآخر، فحيث تكون الحياة يجب أن يكون التدبير، الحياة حدوثٌ وتجدُّدٌ ونُمُوٌّ وحركة ونشاط وحوائج شَتّى، ومواقف وقرارات، وأخذ وعطاء، وجميع ذلك يلزمه التدبير، والنظر في عواقبه، وتقويمه على ما يكون فيه صلاح عاقبته ليقع على الوجه الأصلح والأكمل، وحُسنُ القيام به، والتصرف فيه بحكمة. 
 

ما من إنسان إلا وهو مُدَبِّر لحياته 

والحق أنه ما من إنسان إلا وهو مُدَبِّر لحياته، فمنذ أن ينهض من نومه يبدأ تدبيره لذلك اليوم، فيما يأكل ويشرب ويلبس ويفعل وإلى أين يمضي، وأي عمل يريد أن ينجزه، وكيف ينجزه، فالكل مُدَبِّرٌ لكن الفرق بين إنسان وإنسان يكمن في حسن التدبير وسوء التدبير، فواحد يُحسِنُ تدبير شؤونه، وآخر يُسيء تدبيرها.

فمن أحسن تدبير شؤونه استقامت حياته، واستقرَّ عيشه، ومن أساء التدبير تقلقلت حياته ولم يهنأ بعيشه، ولم يستقرَّ له حال على حال، وآل أمره إلى الدمار والاندثار.

وإن من أعنف الابتلاءات أن يُبتلى المَرء بسوء التدبير والعبثية والعشوائية، أن يتصرف بتهوّر وتَسَرُّع، وتبذير وإسراف، وأَلّا يكون حكيماً في أفعاله وقراراته، أو يوكل إدارة أموره إلى الحمقى والأغبياء.

ومن أَطرف ما يُروى في هذا المجال أن رَجُلاً سَيّء التدبير ابتلي بخادم أسوأ منه في التدبير، أرسله ذات يوم ليشتري له عِنَباً وتِيناً، فتأخر الخادم، ولما رجع ضربه عقاباً له على التأخير، وقال له: اذا أرسلتُكَ في حاجةٍ فعليك أنْ تقضي حاجتيْن، ثم إنّ الرجل مَرِضَ فأمر الخادمَ أن يأتيه بطبيب فغابَ الخادمُ، ثم جاء بالطبيب ومعه رجل آخر، وحين سأله سيده  عن هذا الغريب القادم معه قال الخادم: إنَّك ضربتني، وأمرتني أنْ اقضي لك حاجتيْن عندما تطلبُ مني حاجةً واحدة، فجئتُك بالطبيب، فإنْ شفاك الله تعالى، والاّ حَفَرَ لك هذا قَبركَ، فهذا طبيب، وهذا حفّار.

 

بقلم الكاتب والباحث اللبناني في الدراسات القرآنية

السيد بلال وهبي

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة