البث المباشر

لماذا حصر النبي (ص) النجاة بالتمسك بالقرآن والعترة (القرآن والبيان المعصوم) - ۱

الإثنين 11 مارس 2019 - 08:57 بتوقيت طهران

الحلقة 133

السلام عليكم أيها الإخوة والأخوات..
أزكى تحية ملؤها من الله الرحمة والبركات نحييكم بها في مطلع حلقة اليوم من برنامجكم نتابع فيها تناول الأسئلة المتعلقة بموضوع الإمامة.
وسؤالنا في هذه الحلقة هو: لماذا أكد النبي الأكرم – صلى الله عليه وآله – في حديث الثقلين على أن النجاة من الضلالة لا تكون إلا بالتمسك بالقرآن الكريم وبالعترة المحمدية الطاهرة معاً فقال: "ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبداً".
فلماذا لم يكتف – صلى الله عليه وآله – بالدعوة للتمسك بالقرآن الكريم وحده وهو بيان عام للناس؟
نبحث معاً عن الإجابة في النصوص الشريفة، فتابعونا مشكورين.
أيها الإخوة والأخوات، عندما نرجع إلى كتاب الله العزيز نجده يصرح في مواطن عدة أو يشير إلى أن من رحمة الله عزوجل بعباده أنه جعل له مرجعاً معصوماً يعينهم على درك الفهم الصحيح لمعاني كتابه العزيز والفوز بحقائقه الكامنة العالية التي لا يفوز بها إلا المطهرون؛ ثم النجاة من إتباع المضلين الذين يتبعون ما تشابه من القرآن إبتغاء الفتنة.
وسيد مصاديق هذا المرجع المعصوم هو النبي الأكرم – صلى الله عليه وآله – ومن بعده أئمة عترته الطاهرين الذين نص الله على عصمتهم وطهارتهم في آية التطهير وغيرها من آيات الذكر الحكيم؛ قال الله أصدق القائلين في الآيتين الثالثة والرابعة والأربعين من سورة النحل: "وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ{٤۳} بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ{٤٤}".
وكما تلاحظون – مستمعينا الأفاضل – فإن هذا النص القرآني المحكم يشير بوضوح إلى أن سنة الله عزوجل جرت في جميع رسالاته أن يكون إيصال الناس حقائق كلامه ووحيه بواسطة (رجال) هم أنبيائه ومن يقوم مقامهم.
فهؤلاء الرجال الربانيون – عليهم السلام – لا يقتصر عملهم على نقل ألفاظ الوحي الإلهي للناس، بل يشمل أيضاً تبيينها وتعليم معانيها، وتوضيح مقاصدها الأصيلة، وبذلك تتفتح أمامهم آفاق التفكر الصحيح بها بعيداً عن شوائب الشبهات والخلط والإلتباس.
وهذه السنة الإلهية متوائمة مع سنة الله عزوجل في إنعامه على الخلق بحجتين يتكامل عملهما في هدايتهم إليه تبارك وتعالى، وهما الحجة الباطنية المتمثلة بالعقل السليم وهو آلة التفكر والتدبر في الكلام الإلهي وحقائقه.
والحجة الظاهرية وهم الأنبياء والأئمة المعصومون – عليهم السلام – وهم الذين يحصنون العقل من آفات الفهم غير الصحيح وشبهاته خاصة في تفصيلات المعارف تأثراً بقناعاته السابقة وإن أدرك كليات المعارف بصورة صحيحة، فهم – عليهم السلام – عون إلهي للعقل ورحمة إضافية للخلق للوصول إلى حقائق الكلام الإلهي.
من هنا نجد، مستمعينا الأكارم، أن الله تبارك وتعالى أمر في النص القرآني المتقدم عباده بأن يسألوا (أهل الذكر) إن كانوا لا يعلمون، أي فيما لا علم له به من حقائق البينات والزبر.
وواضح أن المقصود هنا ليس السؤال عن أصل ألفاظ الكلام الإلهي، فحملة الوحي الإلهي مكلفون بقراءة نصوص الكلام الإلهي للناس، بل المقصود هو السؤال عن معانيه وحقائقه النقية، ولذلك أكد هذا النص القرآني الكريم أن الله عزوجل أنزل الذكر الحكيم على نبيه الكريم ليس لكي يقرأه على الناس فقط، بل أيضاً لكي يبينه لهم، فبيانه – صلى الله عليه وآله – للذكر الحكيم تتحقق إستفادة الناس الكاملة مما نزل إليهم وتتهيأ لهم أسباب التفكر السليم به.
وبذلك يكون البيان النبوي المعصوم هو مرجع تفكر وإستفادة الناس من كلام الله والذكر الحكيم، لأنه ينقذهم من جميع أشكال الفهم غير المعصوم للآيات الكريمة، ففهمه – صلى الله عليه وآله – هو الحجة الكاملة والمعصومة في فهم القرآن وهذا الأمر يجري عن أهل بيته الطاهرين الذين ورثهم – صلى الله عليه وآله – علمه وشهد الله بعصمتهم وطهارتهم التي تؤهلهم لفهم حقائق القرآن بالصورة الأكمل، ولذلك ورد في الأحاديث الشريفة أنهم هم الذكر الذي أمرنا بأن نسألهم عن حقائق القرآن.
قال العلامة الطباطبائي ضمن تفسيره للآية الكريمة الرابعة والأربعين من سورة النحل في الجزء (۱۲) من تفسير الميزان:
"وفي الآية دلالة على حجية قول النبي – صلى الله عليه وآله – في بيان الآيات القرآنية، وأما ما ذكره بعضهم أن ذلك في غير النص الظاهر من المتشابهات أو فيما يرجع إلى أسرار كلام الله وما فيه من التأويل فهو مما لا ينبغي أن يصغى إليه".
ويشير رحمه الله هنا إلى إطلاق الآية الكريمة الذي يستفاد منه حجية البيان النبوي في فهم كل الآيات الكريمة حتى المحكمات دون الإقتصار على فهم المتشابهات أو الأسرار القرآنية وإن كان الحاجة في المتشابهات والأسرار أشد، ثم قال رحمه الله:
"هذا [يعني دلالة الآية على حجية القول النبوي في بيان الآيات القرآنية] ،هذا في نفس بيانه – صلى الله عليه وآله – ويلحق به بيان أهل بيته – عليهم السلام – لحديث الثقلين المتواتر وغيره، وأما سائر الأمة من الصحابة والتابعين أو العلماء فلا حجية لبيانهم لعدم شمول الآية [لهم] وعدم وجود نص معتمد عليه يعطي حجية بيانهم على الإطلاق".
أيها الأكارم، يتضح مما تقدم أن حصر النجاة من الضلالة بالتمسك بالقرآن وأهل بيت النبوة معاً يعبر عن رحمة إلهية مضاعفة تعين الناس على الوصول إلى الفهم السليم والمعصوم لحقائق الكلام الإلهي وتحصنهم من الآراء المتفرقة التي تبعدهم عنهم.
وهذه حقيقة أكدتها نصوص شريفة أخرى نتناولها بإذن الله في حلقات مقبلة من برنامجكم (أسئلتنا وأجوبة الثقلين) نشكر لكم طيب المتابعة ولكم من إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في ايران خالص الدعوات ودمتم بألف خير. 

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة