ويمثل دخول العتبتين الدينيتين الأهم في العراق، الحسينية والعباسية، على خط المشاريع، كالمستشفيات ومصانع التعليب والإنشاء وقطاع الزراعة والسياحة الدينية، والتعليم، والثروة الحيوانية، مصدر جدل واسع في البلاد.
فالبعض يعتبرها إحراجاً للحكومات المتعاقبة التي فشلت في إنجاز مثل هذه المشاريع عبر وزارات الدولة.
وآخرون يؤكدون على ضرورة ابتعاد العتبات الدينية عن هذا المجال، خصوصًا في بلد يعاني الفساد المالي.
مشاريع العتبتين الحسينية والعباسية
وتتولى العتبتان الحسينية والعباسية، الإشراف على مشاريع ضخمة في مناطق مختلفة من العراق.
وأبرزها إنشاء مستشفيات ومراكز علاج خاصة، ومجمعات تجارية ومصانع ومعامل مختلفة واستصلاح الأراضي الزراعية، وصولًا إلى قطاعات الإنتاج الحيواني والمياه المعدنية.
وتمتلك العتبتان مصدرين للتمويل: الأول من الموازنات الحكومية، والثاني من خلال التبرعات التي تصل إليها.
وتحمل جميع هذه المشاريع عناوين العتبتين الحسينية والعباسية، بعدما أقر لهما البرلمان العراقي في عام 2005 قانونًا خاصًا.
ولعل أشهر هذه المشاريع، شركة “الكفيل” التابعة للعتبة العباسية، وعدد من المستشفيات، ومصانع في جنوب ووسط البلاد تديرها العتبة الحسينية.
وكان آخرها الإعلان عن مشروع مزرعة “فدك” للنخيل، في صحراء كربلاء، لإنشاء بساتين نخيل ضخمة بالاعتماد على مياه الآبار.
والعتبة الحسينية، يديرها الشيخ عبد المهدي الكربلائي، وتؤدّي دورًا مهمًا في كربلاء.
إذ إنها تمارس نشاطات كثيرة، أبرزها كان تمويلها بناء جسور وطرقات ومحطات تحلية المياه ورعاية أيتام وأرامل ومرضى.
إضافة إلى الاشتراك في مساعدات عينية شهرية لشريحة الفقراء وتنظيم أعمال خيرية مختلفة.
وعلى الدور نفسه، تبرز العتبة العباسية، ويديرها الشيخ أحمد الصافي.
وعلى الرغم من أن الأخيرة تفوق الأولى في أعداد المشاريع والاستثمارات التي تنفذها، لكن العتبة الأولى تملك النصيب الأكبر من الموظفين والعاملين فيها.
وتملك العتبة العباسية نحو 12 ألف موظف، أما الحسينية فتملك نحو 18 ألف موظف، وفقًا لمصادر مسؤولة في العتبتين.
مشاريع العتبات ليست “بديلًا ناجحًا عن الدولة”
وأوضح مسؤول بارز في العتبة الحسينية، أن “العتبات في مدينة كربلاء، تحظى باهتمام كبير من الحكومات المتعاقبة، التي توافق على طلبات العتبتين المتعلقة بإنشاء المشاريع الضخمة بمختلف القطاعات، أو تخصيص أراض ومساحات لإقامة تلك المشاريع، ومنها المستشفيات التي تأسست ضمن فكرة مشروع خيري، لكنها تحولت في ما بعد إلى مستشفيات ربحية مثل مستشفيات “زين العابدين والكفيل والوائلي”.
كما تشترك حاليًا في أعمال تطوير واسعة حول العتبتين تشتمل على فنادق وأماكن استراحة للزائرين الذين يتجاوز عددهم في الزيارات الدينية الملايين وتكتظ بهم المدينة.
وبرأي المسؤول الذي طلب عدم ذكر اسمه، فإن تلك المشاريع ليست “بديلًا ناجحًا عن الدولة”.
مؤكدًا أنها “مشاريع لملء فراغ تحاول العتبات الدينية سدّه، من خلال ما تملكه من إمكانات مادية”، وفقًا لقوله.
العتبة العلوية
وعلى نحو مماثل، تتولى العتبة العلوية، في مدينة النجف، جانبًا آخر من المشاريع التي تنحصر بشكل أدق في النجف ومدينة الكوفة.
وتولت العتبة العلوية أخيراً مشاريع تنموية في البصرة التي تعاني من مشكلات صحية وبيئية وخدمية مختلفة.
وبحسب المعلومات المتوفرة من مصادر في الحكومة العراقية، فإنه خلال السنوات الست الأخيرة، بلغت مشاريع العتبات الدينية في قطاعات الصحة والتعليم والزراعة والسياحة والثروة الحيوانية والصناعة، قرابة الـ300 مشروع في عموم مدن البلاد، كثير منها ربحية.
وتسجل الحكومة تلك المشاريع باسم العتبة الدينية التي تتولى تنفيذها.
أما الأراضي الممنوحة لها، والتي تكون إما عن طريق الدولة، أو بشرائها من أصحابها، فيتم تسجيلها على أنها وقف دائم، ما يجعله غير قابل للتصرف لاحقًا.
وكان نائب الأمين العام للعتبة الحسينية حسن رشيد العبايجي، قال في وقت سابق، إن “أغلب مشاريع العتبة الحسينية لا تحال للشركات، بل تنفذها شركة (خيرات السبطين) التي تعد ذراع العتبة الحسينية الاقتصادية والإنشائية”.
وأضاف العبايجي أن “هناك مستثمرين يقدمون عروضهم الاستثمارية، وعند الاستفهام عن سبب قدومهم إلى العتبة، يكون الجواب بأن العتبة الحسينية تمثل بيئة استثمارية آمنة بعيدة عن الابتزاز والروتين وبؤر الفساد”.
كما إن المستثمرين وفق العبايجي، يعتقدون بأن “مشاريع العتبة تصب في خدمة المواطن وخدمة الزائر، حيث يذهب ريع تلك المشاريع الاستثمارية إلى تنفيذ مشاريع خدمية كمشاريع التوحد وإسكان الفقراء وتنفيذ مدارس خاصة بالأيتام والكثير من المشاريع الخدمية الأخرى”.
وفي تصريحٍ سابق لمسؤول مركز “الكفيل”، يقول جسام السعيدي، فإن “جميع المصانع والمزارع والشركات إضافة إلى مستشفى الكفيل، يذهب ريعها إما لخدمات مجانية للفقراء كعلاج أو عمليات، أو لإنشاء مشاريع خدمية مجانية”.
وبيّن أن “مؤسسات ومشاريع وخدمات العتبة وفّرت فرص العمل لآلاف العاطلين والفقراء وخدمت مئات ملايين الزائرين وطورت الصناعة والزراعة والخدمات في العراق بمئات المشاريع المتوسطة والصغيرة”.
مشاريع العتبات تساهم في تحسين الواقع الخدمي
الباحث والمحلل السياسي العراقي أحمد الأبيض اعتبر أن “المؤسسات الدينية في عموم مدن البلاد، أخذت بالتوسع في نشاطاتها الاقتصادية والسياحية والتجارية”.
مشيرًا إلى أن هذا ليس من مهامها، فقانون إدارة المزارات لا يتعدى الاهتمام بهذه الأماكن الدينية والمقدسة لدى المسلمين، وليس التشعب والدخول على خطوط الاقتصاد”.
لكنه رأى أن “ما يميز العتبات في كربلاء هو أنها تساهم في تحسين الواقع الخدمي في المدينة، وساهمت أيضًا بحلّ أزمات اجتماعية من بينها البطالة”.
مبينًا، أن “شريحة كبيرة من الشباب في مدينة كربلاء هم موظفون في العتبات، وكل بحسب اختصاصه”.
وأكمل الأبيض أن “مشاريع العتبات تفضح فشل الدولة في تنفيذ المشاريع الخدمية، الذي هو واجبها بالأصل”.
متسائلًا عن مدى التطور في المستقبل في هذه المشاريع، وهل ستكون منافسًا لما قد تتوجه الدولة لافتتاحه؟
ويأتي ذلك برأيه “لا سيما وأن الشركات التابعة للعتبات مثل شركة (الكفيل) باتت من الشركات الرائدة والمرغوبة”.
معتبرًا أن “سوء الحكومات السابقة وانشغالها بمشاكلها السياسية والتحاصص على الأموال، دفع القطاع الديني إلى الدخول على خط الاستثمار”.
وأكد أن هذا الأمر “لا يحصل فقط مع المراقد المحسوبة على الشيعة، بل إن الوقف السني هو الآخر بات يملك فنادق ومحال تجارية ويؤسس لشركات أيضًا”.
يذكر أن العتبتين الحسينية والعباسية، تطلقان العديد من المبادرات المخفضة و(المجانية) ولا سيما بالقطاع الصحي.
كما تعملان على توفير الخدمات العلاجية للمواطنين ومن كافة محافظات البلاد، فضلا على الخدمات مدفوعة التكلفة.
المصدر: العربي الجديد