بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين وأزكى الصلوات وأتم التسليم على سيد الخلائق أجمعين وحبيب إله العالمين محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.. أعزتنا المستمعين الأكارم السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.. تحية طيبة وأهلاً ومرحباً بكم وأنتم تتابعون برنامجكم القرآني "نهج الحياة" حيث سنواصل في حلقتنا هذه تفسير سورة القلم المباركة..
أما الآن، أيها الأكرام، ندعوكم للإستماع الى تلاوة الآيات السابعة عشرة حتى الثانية والعشرين من سورة القلم..
إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ{17} وَلَا يَسْتَثْنُونَ{18} فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِّن رَّبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ{19} فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ{20} فَتَنَادَوا مُصْبِحِينَ{21} أَنِ اغْدُوا عَلَى حَرْثِكُمْ إِن كُنتُمْ صَارِمِينَ{22}
"الطائف" أيها الأفاضل، هو البلاء والآفة التي حاقت بالبستان فأحرقته وجعلته رماداً. والصرم هو جني الثمار وقطعها، وفي الآية هو اجتثاث الأشجار بالعذاب الإلهي وقطعها. و(تنادوا) بمعنى نداء الأشخاص للإجتماع في مكان واحد للتشاور.
ومما تعلمه إيانا هذه الآيات الكريمة أولاً: الإمتحان هو أحد السنن الإلهية.
ثانياً: لن تنجح الخطط التي تهدف إلى حرمان الفقراء.
ثالثاً: لا يختص العذاب الإلهي بالآخرة، بل قد يقع في الدنيا وبسرعة.
رابعاً: يجب أن يتناسب العذاب مع الذنب.
خامساً: عدم وجود الثروة التي لا يستفيد منها المحرومون هو أفضل من وجودها.
وسادساً: لا يؤدي الحرص والبخل إلى تحقيق الأهداف وزيادة الثروة.
أما الآن، مستمعينا الأكارم، نصغي معاً خاشعين إلى تلاوة الآيات الثالثة والعشرين حتى الثالثة والثلاثين من سورة القلم المباركة..
فَانطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ{23} أَن لَّا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُم مِّسْكِينٌ{24} وَغَدَوْا عَلَى حَرْدٍ قَادِرِينَ{25} فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ{26} بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ{27} قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ لَوْلَا تُسَبِّحُونَ{28} قَالُوا سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ{29} فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَلَاوَمُونَ{30} قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ{31} عَسَى رَبُّنَا أَن يُبْدِلَنَا خَيْراً مِّنْهَا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا رَاغِبُونَ{32} كَذَلِكَ الْعَذَابُ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ{33}
الحرد، أيها الكرام، هو البخل ومنع الناس حقوقهم؛ و(غدوا على حرد) أي أن أصحاب البستان انطلقوا بقصد حرمان الفقراء.
وتشير الآيات إلى أن الحرص والبخل يجعل قلب الإنسان قاسياً، حتى يصل إلى درجة لا يرحم فيها المسكين والفقير. كما أن إعطاء المساكين ليس مستحباً بل واجب؛ لأن الله تعالى لا يعاقب أحداً على ترك المستحب.
ومما نستقيه من هذه الآيات البينات أولاً: يذهب البخل والحرص الشديدان بالإنسان إلى مرحلة لا يكون فيها حاضراً حتى لمساعدة مسكين واحد؛ فكلمة مسكين جاءت بصيغة المفرد.
ثانياً: الرجوع إلى النفس هو إحدى فوائد الأحداث الصعبة.
ثالثاً: يجب أن نعترف بتقصيرنا عند تحليلنا لسبب المصائب وأن ننزه الله تعالى.
رابعاً: فرصة العودة إلى الله تعالى متاحة دائماً.
وخامساً: إحزان الفقير وحرمانه، له عذاب دنيوي وأخروي.
والآن، إخوة الإيمان، نشنف آذاننا بالإستماع الى تلاوة الآيات الرابعة والثلاثين حتى الحادية والأربعين من سورة القلم المباركة..
إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ{34} أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ{35} مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ{36} أَمْ لَكُمْ كِتَابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ{37} إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَمَا تَخَيَّرُونَ{38} أَمْ لَكُمْ أَيْمَانٌ عَلَيْنَا بَالِغَةٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِنَّ لَكُمْ لَمَا تَحْكُمُونَ{39} سَلْهُم أَيُّهُم بِذَلِكَ زَعِيمٌ{40} أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء فَلْيَأْتُوا بِشُرَكَائِهِمْ إِن كَانُوا صَادِقِينَ{41}
من تعاليم هذه الآيات الشريفة يمكن القول أولاً: في التربية والإرشاد يجب أن يكون التحذير مصاحباً للتشويق.
ثانياً: بساتين الجنة ممتلئة بالنعم على عكس البساتين الدنيوية التي إلى جانب نعمها فيها آفات ومشاكل.
ثالثاً: الثواب والعقاب مبنيان على العدالة.
رابعاً: يستحسن كل ضمير وفطرة سليمة العدالة.
خامساً: الكتاب السماوي حجة، فيجب الإستناد إليه والإستدلال به.
سادساً: الكتب السماوية ليست تابعة لميول الإنسان العابثة.
وسابعاً: لم يَعِد الله تعالى أن تكون الحقيقة الشي نفسه الذي يحكمون البعض به.
مستمعينا الأفاضل، بهذا وصلنا الى ختام هذا اللقاء ضمن برنامجكم القرآني "نهج الحياة" حيث قدمناه لحضراتكم من إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في ايران، فحتى الملتقى في الحلقة القادمة دمتم بخير وفي أمان الله وحفظه.