البث المباشر

كيف نحقق أهداف الشهر الفضيل؟

الإثنين 11 مارس 2024 - 09:51 بتوقيت طهران
كيف نحقق أهداف الشهر الفضيل؟

في الخطبة التي استقبل بها رسول الله (ص) شهر رمضان في آخر جمعة من شهر شعبان - كما روي عنه - ركّز على عدة جوانب في هذا الشَّهر، مما أراد للمسلمين أن يحصلوا عليه من مكاسب روحية واجتماعية وأخلاقية.

بحيث يشعر كلّ مؤمن ومؤمنة بأنّه عندما يدخل هذا الشّهر، فإنما يدخله من أجل أن يخرج منه وقد حقَّق كلَّ هذه الأهداف، بحيث يراقب نفسه في كلِّ يوم من أيَّام هذا الشَّهر، ويسألها هل إنه كان في اليوم التالي أفضل منه في اليوم الأوَّل ليحقّق هذا الهدف أو ذاك، حتى ينتهي شهر رمضان وقد استطاع أن يحصل على المكاسب التي تنمي شخصيَّته وتجدّدها.

فالله تعالى أراد للإنسان أن يتكامل في نفسه، بحيث يكون كلّ يوم أفضل من اليوم الَّذي قبله، وفي هذا، جاء في الحديث عن الإمام عليّ (ع): "من استوى يوماه فهو مغبون" ، كما يفكّر كل واحد منَّا أن تكون صحته ورصيده المالي ومنزلته الاجتماعيَّة في اليوم الثاني أفضل من اليوم الأوَّل، كذلك أن تكون شخصيَّته الإسلاميَّة في اليوم والشَّهر الثاني أفضل من اليوم والشَّهر الأوَّل، بحيث يدرس الإنسان نموّ شخصيَّته في عقله وقلبه وأخلاقه وعلاقاته، أن يدرسها دراسة دقيقة في كلّ يوم، ليشعر بأنه في طريقه إلى الله تعالى يصعد في كلِّ يوم درجة، حتى يكون قد وصل إلى أعلى درجاته في اليوم الَّذي يقف فيه بين يدي الله سبحانه.

وقد ورد في الدعاء: "اللّهمَّ اجعل مستقبل أمري خيراً من ماضيه، وخير أعمالي خواتيمها، وخير أيامي يوم ألقاك فيه". لا يكفي أن يعتبر الإنسان نفسه مسلماً ليشعر بأنَّه قد وفّى قسطه للعلى، وأنَّه انتهى من الجهد والتعب، أو أن يشعر الإنسان عندما ينتمي إلى حزب أو منظَّمة أو جمعيَّة إسلاميَّة بأنَّه أصبح يوزّع مواعظ على النَّاس ولا يستطيع أحد أن يعظه، مع أنَّ هذا الجمود عن التفكّر في أمره ومحاسبة نفسه قد يجعله يتراجع، لأنه أغلق على نفسه باب التغيّر والتطور، وقد يسيء إلى الإسلام من خلال تأكيد صفته في داخل ذاته أكثر مما يحسن إلى الإسلام.

وهذا ما ركّز الإسلام عليه لكي يبقى الإنسان في حالة حساب لنفسه، بأن يعتبر أنَّه قد وقف بين يدي الله تعالى للحساب، فيفترض أسئلة لكي يحاسب نفسه، وبذلك يفهم نفسه، فيفهم سلبيَّاتها وإيجابيَّاتها، ويفهم نقاط ضعفها وقوتها، لأنني أزعم أننا نفهم الناس من حولنا أكثر مما نفهم أنفسنا، والسبب أننا لا نجلس مع أنفسنا ولا نحدّق بها بل نحدّق بالآخرين، ولذلك من السهل أن يغشّنا الناس في أنفسنا، ولدى الإمام عليّ (ع) كلمة رائعة جداً في هذا المقام - وأوصيكم أن تقرأوا بتمعّن الكلمات القصار في آخر "نهج البلاغة"، فهي خلاصة تجاربه (ع) - يقول: "لا يغرنّك سواد الناس عن نفسك - بحيث يصوّرون لك نفسك على غير صورتها - فإنَّ الأمر يصل إليك دونهم" .

وهذا ما أؤكده لنفسي ولكم، وهو أننا مجتمع يخرّب قياداته ويضلّلها، لأننا لا نملك إلا المدائح لشخصيَّات قياداتنا، وبذلك تتحوّل هذه القيادات - بفعل المدّاحين - إلى شخصيات لا تقبل النقد، ولا تسمح لأحد بأن يدلّها على أخطائها. كم من القيادات التي غششناها بأنفسها، فتقبّلت الغشَّ وأصبحت تغشّ نفسها بفعل ذلك.

لذلك، على الإنسان أن يكون ديّاناً لنفسه، بحيث يحاسبها ويوزنها، لكي يعرف حجم نفسه، وقيمة الإنسان هي بمقدار ما يحسن، وبما يملك من خبرة وعلم ووعي، أمَّا المال والعقارات فهي ليست أنت، إنها تكبّر فرص حياتك، ولكنها لا تكبّر شخصيَّتك، لذلك عليك أن تعمل لكي يحترمك الناس لشخصيَّتك لا لمالك.
 

 

السيد محمد حسين فضل الله

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة