يحتفل الإيرانيون مع بدء شهر شباط/فبراير بـ"عشرة الفجر"، مستحضرين الأيام العشرة الأولى من هذا الشهر في عام 1979، والتي شهدت عودة الإمام الخميني من فرنسا إلى إيران، ومهدت لانتصار الثورة.
كيف كانت تلك الحقبة؟ وما أبرز المحطات التي غيرت مجرى البلاد وسياستها؟
1 شباط/فبراير: عودة الإمام الخميني إلى طهران
بعد حوالى 15 عاماً من النفي والإبعاد بين تركيا والكويت والعراق، وباريس، التي كانت محطته الأخيرة، عاد الإمام الخميني في الأوّل من شباط/فبراير عام 1979 إلى وطنه، مستقلاً طائرة "AirFrance" المتوجهة إلى طهران، رغم التهديد باستهدافها.
كان ينتظره حينذاك، الملايين من الإيرانيين لاستقباله، إذ تجمّعوا في طوابير امتدت من مطار طهران إلى "جنّة الزهراء"، لستقبلوه ويحتفلوا به، ليشكّل ذلك الحدث، أعظم استقبالٍ في التاريخ.
خطرُ تحطّم الطائرة، أو اختطافها في السماء، كان من الأمور التي أقلقت الجميع حتى اللحظات الأخيرة لهبوطها في مطار طهران. لكن في نهاية المطاف، نزل الإمام الخميني من الطائرة ودخل قاعة الوصول كشمسٍ بزغت من بعد طول غياب، لتهتزّ القاعة بهتاف "الله أكبر"، وبنشيد "خميني يا إمام".
تلك اللحظات، كانت أولى محطات الالتحام بالشعب، فشكر الإمام الخميني مشاعر الشعب بمختلف طبقاته، مشيراً إلى أنّ طرد الشاه كان الخطوة الأولى في الانتصار، وحثّ الجميع على وحدة الكلمة والمضي في المواجهة حتى الاجتثاث الكامل لجذور الفساد، ثمّ غادر المكان متّجهاً نحو جنّة الزهراء لتجديد العهد.
في جنّة الزهراء، ألقى الإمام الخميني خطابه التاريخي من جوار مراقد آلاف الشهداء وسط حشد كبير من محبّيه الذين احتشدوا بالآلاف رغم البرد القارس، متعهّداً بتشكيل حكومةٍ جديدة، وتلقين الحكومة الحالية درساً لن تنساه.
وفيما كان التلفزيون الإيراني يعرض ببث حيّ مراسم عودة الإمام، هاجمت قوة من الجيش مبنى التلفزيون وسيطرت عليه، وحالت دون إكمال البثّ، فما كان من بعض أبناء الشعب إلا أن قاموا بإلقاء أجهزتهم التلفازية إلى الشوارع تعبيراً عن غضبهم من هذه الخطوة.
2 شباط/فبراير: يوم حضور الإمام الخميني إلى ساحة المواجهة
كان اليوم التالي يوماً استثنائياً، فهو اليوم الأول لحضور الإمام الخميني إلى ساحة المواجهة على الأرض، حيث ألقى خطاباً شاملاً في جمع من علماء الدين، قائلاً في جانب منه إنّ "النظام الملكي كان مخالفاً للعقل منذ البداية، وعلى كلّ شعب أن يقرّر مصيره بنفسه".
وأتى ذلك، مع استمرار رئيس وزراء الشاه شاهبور هجومه على الثورة والإمام والشعب، وكذلك استمرار المواجهات بين الشعب الثائر على الفساد والفوضى واستغلال الخارج لبلاده وجيش الشاه.
هذه المواجهات، أدّت إلى استشهاد عدد من أبناء الشعب المتظاهرين في بعض محافظات البلاد من بينها سمنان وتربت جام. ونقلت وكالة الآسوشيتدبرس عن قادة في الجيش الايراني قولهم إنّهم "سيتدخّلون إذا ما أقدم الإمام الخميني على شيء يخالف الدستور".
في غضون ذلك، نفذت مجموعة من الفدائيين عملية اغتيال في العاصمة الإيرانية طهران بحق العقيد معتمدي، أحد كبار ضبّاط السافاك.
3 شباط/فبراير: الإمام الخميني ينشئ "المجلس الوطني الإسلامي"
يوم الثالث من شباط/فبراير، كشف الإمام الخميني عن اتخاذ عدّة إجراءات، معلناً أنّه سيتم تعيين مجلس موقّت لقيادة الثورة، وأنّ الحكومة الموقّتة ستكلّف بإعداد مقدّمات الاستفتاء العام، وأنّه سيجري الاستفتاء على الدستور بعد تدوينه، مؤكّداً عدم شرعيّة حكومة شابور بختيار.
ووسط مطالباتٍ باستقالة شاهبور بختيار (رئيس الحكومة آنذاك)، انتُخب المهندس مهدي بازركان رئيساً للوزراء باقتراح من الأعضاء، عقب اجتماعهم في مجلس قيادة الثورة بحضور الإمام الخميني.
وفي وقتها صدر الأمر بالإفراج عن 355 سجيناً من المحاكم العسكرية، وأقيمت المظاهرات الشعبية في بعض المدن دون مواجهة مع الجيش.
وفي هذا اليوم كذلك، تجمّع المشتاقون إلى زيارة الإمام الخميني أمام محلّ إقامته، وقد قدّرت وكالة "يونايتدبرس" عدد الجماهير بـ 5.4 مليون.
4 شباط/فبراير: انشقاق عدد من أفراد الجيش التابع لحكومة بختيار
تواصلت مسيرات التبريك بعودة الإمام القائد إلى أرض الوطن، وتابع الإمام الخميني اللقاءات مع أفراد الشعب، داعياً الشباب إلى الاستمرار في التظاهرات والاعتصامات.
جاء رد الفعل الرسمي آنذاك عبر بختيار، الذي حاول أن يموضع نفسه في المنتصف ليحافظ على منصبه، معرباً عن استعداده للحوار مع آية الله الخميني.
وفي مثل هذا اليوم، بثّت إذاعة عدن خبراً عن اعتقال وسجن العديد من ضبّاط قاعدة همدان الجوّية، فتجمّعت عوائل الطيّارين وضبّاط القوّة الجوّية المعتقلين في وزارة العدل احتجاجاً على اعتقالهم، وطالبوا بالإفراج عنهم، كما نظّم طيّارو القوّة الجوّية في بهبهان مسيرة مؤيّدة للإمام الخميني.
وتزامناً مع ذلك، قدّم أمين العاصمة طهران استقالته إلى الإمام الخميني، نزولاً عند رغبة الشعب وامتثالاً لرأي الزعيم الديني والاجتماعي للشعب الإيراني الإمام الخميني، الذي اعتبر الحكومة الحالية غير شرعية، وذلك بحسب ما جاء في نصّ استقالته. لكن بعدها، جدّد الإمام تعيينه أميناً للعاصمة طهران.
5 شباط/فبراير: تعيين مهدي بازركان رئيساً للحكومة الانتقالية
في اليوم الخامس من أيام الثورة الاسلامية، أعلن الشيخ علي أكبر هاشمي رفسنجاني، بحضور الإمام الخميني والمهندس مهدي بازركان، عن انتخاب الأخير رئيساً لوزراء الحكومة الموقّتة.
وبناءً عليه، كلّف الإمام حكومة بازركان بإجراء استفتاء عام على الجمهورية الإسلامية، وتأسيس مجلس الخبراء للمصادقة على الدستور، وإقامة انتخابات مجلس الشورى وفقاً للدستور الجديد، وانتخاب مجلس للوزراء دون مراعاة الانتماءات الحزبية.
بعد ذلك، قدم بازركان أمام الإمام مشروعه الحكومي. وعقب انتهاءه من خطابه كرئيس للوزراء، طلب الإمام من الناس أن يعبّروا عن رأيهم بالحكومة الموقّتة عن طريق إقامة المسيرات السلمية، ومن خلال الصحف.
6 شباط/فبراير: مظاهرات حاشدة دعمت الحكومة الانتقالية الجديدة
تلبيةً لدعوة وجّهتها رابطة علماء الدين بطهران، عمّت مختلف مدن إيران مسيرات تأييد للحكومة الموقّتة في اليوم السادس من شباط/فبراير.
ونقلت وكالة الأنباء الفرنسية عن الجبهة الوطنية، طلبها من المسؤولين والمنظّمات وجميع أبناء الشعب الوقوف إلى جانب حكومة بازركان.
إلاّ أنّ مؤيّدي الشاه تابعوا تعرّضهم للمدنيين في المظاهرات التي نظّموها دعماً لحكومة بازركان. وهاجم عناصر عميلة، أهالي زاهدان، ما أدّى إلى وقوع 62 شخصاً من الشيعة والسنّة بين قتيل وجريح.
وفي أول مقابلةٍ أجراها بازركان كرئيس لوزراء الحكومة الموقّتة حينذاك، شرح الأخير برنامج ومهام حكومته، معلناً ترك قيادة حركة الحرّية موقتاً وانتقال إلى مدرسة علوي، لا سيما وأنّ قرار الإمام بتشكيل الحكومة تضمن فقرة تنص على أن يكون رئيس الوزراء بعيداً عن أيّ ارتباط حزبي أو فئوي.
في مثل هذا اليوم أيضاً، وعقب اجتماع مجلس الوزراء بحضور رئيس الوزراء المعزول بختيار، نفذت الطائرات الحربية ومروحيات القوّة الجوّية مناورة فوق سماء طهران.
آنذاك، قال بختيار إنّه "يتحمّل الحكومة المؤقّتة ما دامت في مرحلة الكلام والمزاح"، معلناً أنّه "سيبقى في منصبه كرئيس للوزراء، حتّى إجراء انتخابات حرّة في المستقبل".
في غضون ذلك، صادق المجلس الوطني خلال اجتماع له، على لوائح محاكمة الوزراء السابقين، وحلّ السافاك.
ورداً على احتجاز بعض طيّاري قاعدة "شاهروخي" بهمدان في المعتقل، أعلن حجّة الإسلام والمسلمين صادق الخلخالي نقلاً عن لسان الإمام، إنّه لن يُسمح أن يصاب أيّ من الطيّارين بأذى.
كذلك، صدر قرار، تمّ بموجبه إعفاء الضبّاط الشباب من القسم بالوفاء للشاه في مراسم تخريج الجامعيين في الكلّية العسكرية.
أمّا الحدث اللافت في هذا اليوم، كان إلقاء حجّة الإسلام محمد تقي فلسفي خطاباً في حضور الإمام والمستقبلين، بعد 8 سنوات على منعه من الخطابة.
7 شباط/فبراير: عدد من النواب قدموا استقالتهم لصالح الثورة
في السابع من شباط/فبراير، عقد الإمام الخميني لقاءات عدة أطلق خلالها مجموعة من المواقف، أهمّها تأكيده أنّ "وجوب محاكمة الشاه الاستمرار في الثورة".
وعلى الصعيد الدولي، عقد رئيس الولايات المتحدة الأميركية ووزيرا الخارجية والدفاع اجتماعاً بحضور الجنرال هايزر، بعد إنهاء الأخير جولته في إيران.
وأعلن الناطق باسم وزارة الخارجية، آنذاك، دعم واشنطن تدوين الدستور في إيران، لكنّه ي الوقت نفسه، صرّح بأنّ بلاده لا تزال تعترف رسميّاً بحكومة بختيار.
في المقابل، قال الناطق باسم البيت الأبيض إنّ "على بختيار أن يقبل رأي أكثريّة الشعب".
وبعد إعلان تشكيلة المهندس بازركان، عقدت لقاءات بين السادة يد الله سحابي وأمير عباس انتظام وبختيار ورئيس أركان الجيش قره باغي ورئيس الدائرة الثانية للجيش. وقد سعى كلّ من سحابي وأمير انتظام في هذه اللّقاءات إلى إقناع بختيار بالاستقالة.
وفي إثر ذلك، أعلن الدكتور سحابي استمرار المحادثات وتبادل وجهات النظر بين بختيار وبازركان لحلّ المسائل سلميّاً، بالتزامن مع بدء محادثات بين حركة الإمام الخميني والجيش.
كذلك، نظّم علماء الدين وأهالي مدينة زنجان والأقضية التابعة لها مُظاهرة فريدة تضمّ 50 ألف شخص، أعربوا فيها عن دعمهم القاطع للإمام الخميني ورئيس الوزراء الذي نصبه.
وفي التظاهرة، تلى حجّة الإسلام أبو الفضل الشكوري نيابةً عن الجماهير وعلماء الدين البيان الختامي المشتمل على ثلاثة بنود:
1 ـ انتهاء النظام الملكي.
2 ـ انحلال مجلسي الشيوخ والنوّاب وحكومة بختيار.
3 ـ شرعية حكومة المهندس بازركان.
كما استقال 13 شخصاً آخر من نوّاب المجلس الوطني، والتقى جمع من أنصار النظام في إحدى قاعات نادي الأمجدية الرياضي دعماً منهم للدستور.
8 شباط/فبراير: مهاجمة عناصر الشاه للمظاهرات الشعبية في طهران
في اليوم الثامن من "عشرة الفجر"، أعلن يوم القوة الجوية بعد تشكيل الحكومة الإسلامية، إذ زار جمع كبير من قادة القوّة الجوّية الإمام الخميني في مقرّ إقامته معلنين البيعة له.
وقد نشرت صحيفة "كيهان" صورة جماعية لهم وهم يلقون التحية العسكرية للإمام، لينتشر الخبر في أرجاء العالم كلّه بعدما اعتبر بمثابة التحاق الجيش بالإمام.
واستمر الشعب الإيراني في تأييد الإمام والثورة، فخرج الملايين من أبناء الشعب في مختلف نقاط إيران في مسيرات وتظاهرات حاشدة تأييداً لحكم الإمام بتعيين الحكومة الموقّتة.
وشهدت العاصمة مظاهرات شعبية وهتافات جميع الطبقات الساخطة على النظام، وتعرّضت البنوك والمؤسسات الحكومية الأخرى إلى هجوم الجماهير الناقمة على جرائم الشاه، واصطدم عدد من أنصار النظام الذين تجمّعوا في طهران دعماً للدستور، مع مخالفيهم.
ومن أبرز أحداث هذا اليوم، مقتل 5 أشخاص وجرح 11 آخرين في صدامات جرجان، وتهديد عوائل الضبّاط المعتقلين في القوّة الجوّية المعتصمين بالإضراب عن الطعام.
أمّا الحدث البارز الآخر، فكان إعلان مجموعة "المنصورون" مسؤوليتها عن اغتيال مسؤول في الحرس الملكي بجامعة جندي شابور في الأهواز.
9 شباط/فبراير: "الحرس الملكي" التابع للشاه يشن هجوماً عنيفاً على معكسر الوحدة الجوية
في التاسع من شباط/فبراير، شنّ جنود الحرس الملكي هجوماً عنيفاً على معسكر القوّة الجوّية في طهران.
وانتقلت المواجهات إلى الشارع بعدما علم الناس بما تعرض له أفراد القوة الجوية. وكان القاطنون حول مبنى القسم الداخلي للطيّارين قد أوصلوا خبراً إلى الشوارع القريبة.
ولم يمضِ وقت حتى أحاطت الجماهير الغفيرة بجدار القسم الداخلي دعماً للطيّارين من خلال هتافات "الله أكبر".
واستمرّ تجمّع الجماهير حول القسم الداخلي لطيّاري القوّة الجوّية، حتى لا يهجم قوّات الحرس على الطيّارين ثانية إن هم تفرّقوا، منفذين وصية مكتب الإمام "بعدم التفرّق".
أشعل الجماهير عند القسم الداخلي للقوّة الجوّية إطارات السيارات المستهلكة لتوفير، قبل أن يُهاجم جنود الحكومة العسكرية في تمام الساعة الثالثة والنصف من بعد منتصف الليل بالآليات العسكرية، وبدأوا بإطلاق نار رشاشاتهم عن لتفريق الناس، فالتجأت الجماهير إلى الأزقّة المجاورة.
إلاّ أنّ الجنود تمكّنوا من إلقاء القبض على 152 شخصاً، ونقلوهم إلى مقرّ الحكومة العسكرية في مركز شرطة طهران الجديدة. وكان من بين المعتقلين شخصان من علماء الدين أيضاً، فما استمرت المواجهات في الشارع.
دولياً، كان من أبرز المواقف التي صدرت في مثل هذا اليوم، كلام الرئيس الأميرمي آنذاك هينري كيسنجر، الذي اعتبر أنّ "عدم قدرة أميركا على اتخاذ القرار وعدم معرفتها بماهيّة الثورة الإسلامية هما السبب الرئيس في سقوط الشاه".
10 شباط/فبراير: إسقاط عدد من المؤسسات المدنية والعسكرية التابعة لحكومة "بختيار"
شهد اليوم العاشر من شباط/فبراير، استمرار الاعتصام أمام جدار معسكر القوة الجوية، والذي اعتقل فيه رجال الشاه من عناصر القوة الجوية.
ولكن بعد تطور الأمور ومع بدء المواجهة المسلّحة، قام رفاق المعتقلين في القوّة الجوّية بتسليح الناس من خلال تزويد كلّ واحد منهم ببندقيّة وسبع رصاصات مقابل بطاقة تسريح من الخدمة العسكرية، للحفاظ على عدم تسرب السلاح إلى عناصر الطابور الخامس.
وفي الساعة الرابعة والنصف عصراً، سقط مركز شرطة طهران الجديدة بعد 5 ساعات من المواجهة العنيفة بين أفراد الحرس الملكي والشعب، راح خلالها عدد من الشهداء والجرحى. وبعد ذلك سقطت بقية المراكز الواحد تلو الآخر بيد الشعب.
وبعد اشتداد هجوم أبناء الشعب على المراكز والمعسكرات، عمد الحاكم العسكري لطهران في هذا اليوم أيضاً على تمديد ساعات حظر التجوال إلى الساعة الـ12 ظهراً، أي يحقّ للناس أن يخرجوا من منازلهم فقط من الساعة الـ12 ظهراً إلى الرابعة ونصف.
وعمل النظام على إعداد انقلاب عسكري. وطالب الفريق رحيمي الحاكم العسكري لطهران وضواحيها من خلال بيان له، الوحدات التابعة له بإلقاء القبض فوراً على قادة الثورة ونقلهم إلى إحدى الجزر بالطائرة.
وأدرج في هذا البيان أسماء 100 شخص كان من المقرّر أن يُلقى عليهم القبض، كان على رأسهم سماحة الإمام وآية الله طالقاني والمهندس مهدي بازركان، متوعداً بإلقاء القبض على جميع القادة من الدرجة الثانية إن أثاروا الناس تجاه هذه الاعتقالات.
بعد ذلك، ألغى الإمام الخميني الحكومة العسكرية التي أعلنها حاكم طهران العسكري، محذراً لواء الحرس الملكي من عدم الكف عن قتل المدنيين في الشوارع والعودة إلى ثكناته. وقد قامت الباصات والسيّارات التابعة لمقرّ لجان الإمام الخميني بنشر إلغاء الحكومة العسكرية في طهران بواسطة المكبّرات الصوتية.
ومن أبرز ما حدث في هذا اليوم، هو امتلاء طهران بجموع غفيرة من الشباب الذين يستقلون الدرّاجات البخارية حاملة أسلحتها وهي تهتف "الله أكبر"، وتهرع لدعم الجماهير أينما اقتضى الأمر.
كما سقطت مراكز شرطة "طهران نو" المرقّمة (14 ـ 16 ـ 21 ـ 9)، ومراكز "نامك" (10 ـ 11)، ومركز "الري"، وكذلك أسقطت مروحية للحرس الملكي في سماء طهران.
وبالتزامن، كذّب بازركان تقرير الصحف حول موضوع اتصاله ببختيار وقادة الجيش بشدّة، كما كذّب مكتب إعلام الإمام الخميني أيّ اتصال مع بختيار وقادة الجيش.
11 شباط/فبراير: فرار "شاهبور بختيار" من إيران
بعد كل تلك الأحداث، قدّم شاهبور بختيار استقالته في نهاية المطاف في الحادي عشر من شباط/فبراير.
وفي إثر ذلك، شنّت دبّابات الحرس الملكي هجوماً على معسكر القوّة الجوّية، فتصدّى لها الناس بقنابل المولوتوف. وأشيع حينها أنّ قوات إسناد إضافيّة أرسلت من باقي المحافظات إلى طهران، لكن تصدّى لها الناس في الطريق، وأعاقوا تحرّكها بحفر الخنادق في طريقها.
وامتلأت مشرحة الطب العدلي بالشهداء الذين ارتقوا في الأيام الأخيرة، ولم تكشف هويتهم، وذلك عقب المواجهات الأخيرة التي حدثت.
أحداث يوم الانتصار
جاء يوم الانتصار، وسقطت بيد الشعب ترسانة الجيش وسجن "إيفين" ومقر "سافاك سلطنة آباد"، والمجلسين الشيوخ والوطني، والإذاعة والتلفزة، ورئاسة الوزراء والدرك والشرطة، ليتسلم مؤيدو الثورة المقار الحكومية والأمنية في العاصمة طهران، وسط ترحيب شعبي عارم.
واعتقل أبناء الإمام نصيري رئيس السافاك وسالار جاف، أحد جلاّدي النظام المعروفين، والفريق رحيمي، وكذلك قُتِل الفريق بدره أي، قائد القوّة البرّية، ومحمد أمين وبيفكري، اللّذين استلما قيادة الحرس الملكي.
وبعد اتصالات من مندوبيها بمكتب الإمام، أعلنت القوات المسلّحة دعمها للإمام الخميني. وعقب سقوط المؤسّسات الرئيسية للنظام وانسحاب الجيش، طلب الإمام من أفراد الشعب أن يعيدوا النظام والهدوء إلى البلاد.
إعلان البيان رقم 1 لانتصار الثورة
بعدها، خاطب الإمام الخميني الشعب الإيراني من خلال بيان، قائلاً، "التفتوا إلى أنّ ثورتنا رغم تغلّبها على العدو، لم تنتصر بعد بشكل كامل، فإنّ العدو يتمتّع بمختلف الوسائل والحيل، وأنّ المؤامرات كامنة لنا، والشيء الوحيد الذي يحبط المؤامرات هو اليقظة والانضباط الثوري وإطاعة أوامر القيادة والحكومة الإسلامية المؤقّتة".
وفي نهاية يوم 11 شباط/فبراير 1979، أُعلن رسمياً انتصار الثورة في إيران.