بسم الله الرحمن الرحيم .. والحمد لله حمد الشاكرين على نعمائه سيما نعمة الهدى والإيمان.. وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا ونبينا محمد وعلى الأطيبين الأطهرين.. حضرات المستمعين الأفاضل سلام من الله عليكم ورحمة من لدنه تعالى وبركات، تحية طيبة لكم أينما كنتم وأنتم تتابعون برنامج "نهج الحياة" حيث سنواصل في حلقتنا هذه تفسير سورة الحجرات المباركة فابقوا معنا..
مستمعينا الأكارم، وقبل البدء بتفسير الآية السادسة من سورة الحجرات ندعوكم الى الإستماع الى تلاوتها..
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ{6}
أيها الكرام، ورد في عدد من الروايات، أن هذه الآية نزلت في الوليد بن عقبة الذي كلفه النبي (ص) بالذهاب لجمع الزكاة من قبيلة بني المصطلق، وكانت بينه وبينهم خصومة، وعندما وصل إليهم خرجوا لإستقباله فظن أنهم يريدون به شراً، فقفل راجعاً وأخبر النبي بما حصل معه على أساس الظن، فنزلت الآية في النهي عن الأخذ بخبر الفاسق، والدعوة الى التثبت قبل ترتيب الآثار على أخباره.
ومما تعلمه إيانا هذه الآية، عزيزي المستمع، أولاً: على المؤمن أن يتحلى بروحية التدقيق وعمق التفكير، ولا ينبغي أن يكون سطحياً يقبل ما يعرض عليه من دون تفكير أو تدبر.
ثانياً: يجوز كشف أسرار بعض الناس وبيان حقائقهم، عندما تقتضي مصلحة المجتمع الإسلامي ذلك.
ثالثاً: المجتمع الإسلامي معرض بصورة دائمة لإثارة الفتنة من خلال الشائعات الكاذبة، ولذلك لابد من اليقظة الدائمة.
رابعاً: الطريقة الصائبة لإدارة المجتمعات هي التثبت والتبين قبل وقوع الأحداث.
خامساً: البناء على الأخبار الضعيفة نوع من التهور والجهالة.
وسادساً: العمل بالأحكام والتوصيات الإلهية يحمي الإنسان من الإقدام على عمل ثم الندم على فعله بعد ذلك.
--فاصل—
أما الآن، إخوتنا الأفاضل، ننصت وإياكم خاشعين للإستماع الى تلاوة الآيتين السابعة والثامنة من سورة الحجرات المباركة..
وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِّنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُوْلَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ{7} فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ{8}
حدثتنا الآية السابقة عن خبر الوليد بن عقبة وامتناع بعض الناس عن دفع الزكاة، فاستعد المسلمون للقتال، فنزلت الآية تنهى عن تصديق الفاسق قبل التثبت من صحة خبره.
وفي الآية السابعة يحدد الله القاعدة في علاقة النبي (ص) بالناس وعلاقتهم به، فالحالة الطبيعية أن يكون القائد الإلهي متبوعاً، لا أن يكون تابعاً لرغبات الناس وأهوائهم التي قد تبنى في بعض الأحيان على المصالح أو على بعض الشائعات الكاذبة.
ومما نستقيه من هاتين الآيتين الكريمتين، أيها الأحبة، أولاً: من أراد العمل بلا ندم، عليه أن يتبع تعاليم الأنبياء وتوصياتهم.
ثانياً: من المناسب أن يكون النبي قريباً من الناس، يصلون إليه عند الحاجة.
ثالثاً: اتباع الناس أهواءهم وتعدد رغباتهم وميولهم، من الأسباب المؤثرة في إثارة المشاكل الإجتماعية.
رابعاً: الميل الى الدين من الأمور الفطرية المستقرة في نفوس الناس.
خامساً: على الإنسان أن يجمع في قلبه بين أمرين هما التولي والتبري، وعلى المؤمن أن يمتحن إيمانه، بمحبة الإيمان وأهله، وكره الكفر وأهله.
وسادساً: يستند الفضل الإلهي الى العلم والحكمة اللذان هما من صفات الله، وليس جزافاً ومن دون مبرر.
--فاصل—
ندعوكم الآن، أحبتنا الأكارم، الى الإستماع الى تلاوة الآية التاسعة من سورة الحجرات المباركة..
وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِن فَاءتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ{9}
أيها الأفاضل، على الرغم من أن الإيمان يقتضي، عادة، عدم وقوع النزاع والصراع بين المؤمنين، فإن المؤمنين ليسوا معصومين، ولذلك قد يدب النزاع بينهم، على إثر كلمة أو تصرف يصدر عن أحدهم تجاه الآخر. وفي مثل هذه الحالات لابد من الإستعداد الدائم لإخماد نار الفتنة عندما تنشب، ومواجهة المعتدي والإنتصاف للمظلوم منه كي لا يتكرر العدوان ثانية.
ومن تعاليم هذه الآية المباركة أولاً: النزاع بين المؤمنين شرارة سرعان ما تنطفئ وليس ناراً دائمة التوقد والإشتعال، فيقول الله تعالى "اقتتلوا" ولو كان المراد الإشارة الى دوام القتال واستمراره لاستعمل الفعل بصيغة المضارع.
ثانياً: المؤمن يحمل مسؤولية تجاه المؤمن الآخر، ولا يمكنه أن لا يبالي بما يجري عليه.
ثالثاً: على الأمة أن تقف وقفة واحدة في وجه الباغي وتقاتله.
رابعاً: استقرار المجتمع الإسلامي هدف مهم، لابد من تحقيقه حتى لو اقتضى ذلك إراقة دم الباغي وقتله.
وخامساً: الحرب والقتال في الإسلام له أهداف وغايات نبيلة، بل مقدسة.
--فاصل—
إخوتنا الأكارم، قدمنا لكم حلقة أخرى من برنامجكم القرآني "نهج الحياة" شكراً لحسن استماعكم وطيب متابعتكم والى اللقاء.