بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أفضل الخلق أجمعين سيدنا ونبينا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.. أحبتنا المستمعين الأكارم سلام من الله عليكم ورحمة من لدنه وبركات.. نحييكم وأنتم على مائدة القرآن الكريم حيث تستمعون الى حلقة أخرى من برنامج (نهج الحياة) وتفسير آي أخر من سورة غافر المباركة حيث نبتدأ بتفسير الآيتين الثالثة والخمسين والرابعة والخمسين منها بعد الإستماع الى تلاوتها فكونوا معنا وتابعونا على بركة الله:
وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْهُدَى وَأَوْرَثْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ{53} هُدًى وَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ{54}
أيها الأفاضل، سبق وأن قلنا في الحلقة الماضية بأن الله تعالى وعد بنصرة الرسل وأتباعهم، وفي هاتين الآيتين إشارة الى أحد مصاديق النصرة حيث يقول عز من قائل: وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْهُدَى وَأَوْرَثْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ{53} هُدًى وَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ{54}
فالكتاب السماوي، هو هداية وذكرى لذوي العقول، لكن الجاهلين والمعاندين والمتعصبين لم يكن لهم أية ثمرة من هذا الكتاب، وفي الواقع الذين يستفيدون من هذا الكتاب هم العقلاء وذوو الألباب لا الذين يتبعون شهواتهم، وبتعبير آخر الذين تكون آلهتهم أهواءهم النفسية، فهؤلاء لا يفكرون إلا بنافعهم المادية والدنيوية.
تعلمنا هاتان الآيتان:
أولاً: كل الناس، حتى الأنبياء، يحتاجون الى هداية، لكن الأنبياء يتلقون الهداية مباشرة وسائر الناس يهتدون بواسطتهم.
ثانياً: ما ورثه الأنبياء ليست القصور والبساتين والأموال، بل أهم ميراث الأنبياء هي الكتب السماوية لهداية عامة الناس.
ثالثا: يحتاج الإنسان الى التذكير في كل الأحوال، والهداية اذا لم تكن معها تذكير بالتدريج سوف تنسى.
ورابعا: إن العقل يهدي الإنسان الى تعاليم الوحي وهذان الإثنان يوصلان الإنسان الى السعادة والكمال.
والآن أحبتنا المستمعين الأفاضل نستمع واياكم الى الآية الخامسة والخمسين من سورة غافر:
فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ{55}
أيها الأكارم؛ رغم أن هذه الآية تخاطب النبي الأكرم (ص) لكن تعاليمها هي لكافة الناس، ففي هذه الآية هنالك عدة ملاحظات:
الأولى: كما رأيتم بأن وعد الله في هداية ونصرة الأنبياء السابقين كان حقاً، فاصبروا أنتم أيضاً في سبيل هداية الناس ودعوتهم الى الحق، ولا تيأسوا أمام عناد الأعداء وطغيانهم، لأن مفتاح انتصاركم في هذه المواجهة هو الصبر والاستقامة أمام العقبات والشدائد.
الثانية: لو قصّرتم في هذا الطريق فارجعوا الى الله بالاستغفار والعمل. من الواضح أن الأنبياء معصومون ولا يرتكبون الآثام، لأن لو كانوا يجترحون السيئات فكيف يهدون الناس الى طريق الحق.
في الحقيقة، ذنب الأنبياء، هو ليس عدم إطاعة الله، بل هذا هو ما يحسونه في أنفسهم بأنهم مقصرون تجاه ما أمرهم الله، كما المضيف الذي يشعر بالقصور أمام ضيفه مهما بذل له.
والملاحظة الأخيرة التي ينبغي الإشارة اليها هي أنه يجب تقوية إيماننا بذكر الله وحمده وتسبيحه ليل نهار. فبلا ريب أن الحمد والتسبيح لله تعالى وتنزيهه من كل عيب ونقص سوف يحول قلب وروح الإنسان ويزينه بصفات متعالية.
والآن أيها الأكارم نستمع الى تلاوة الآية السادسة والخمسين من سورة غافر:
إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ إِن فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَّا هُم بِبَالِغِيهِ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ{56}
إخوتنا الأفاضل؛ تشير هذه الآية الى جذور إنكار الدين ومحاربته حيث يقول تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ إِن فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَّا هُم بِبَالِغِيهِ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ.
هؤلاء المعاندين يرون أنفسهم كبراء ويرون أهل الإيمان صغار، لذلك ليس فقط هم من يرفضوا دعوة الأنبياء بل يسعون أن يصدوا سائر الناس عن الهداية.
إخوة الإيمان، بهذا وصلنا وإياكم الى ختام حلقة أخرى من برنامج (نهج الحياة) وتفسير آي أخر من القرآن الكريم فحتى الملتقى نستودعكم الرحمن الرحيم والسلام خير ختام.