هو انتصار لليمين بكل تشكيلاته، الصهيونية الدينية والأصولية الدينية ("شاس" و"يهودوت هتوراه") و"الليكود"، وهزيمة كبيرة لأحزاب "العمل" و"ميرتس" و"المعسكر الوطني"؛ "العمل" تراجع إلى 4 مقاعد في ذيل قائمة الأحزاب، بينما "ميرتس" لا زال لم يتجاوز نسبة الحسم، هو قريب جدًا منها وقد يتجاوزها، لكن حتى لو تجاوزها فهذا يعتبر تراجعًا كبيرًا ودخولًا للعتبة بشق الأنفس.
أما العرب، فرغم زيادة نسبة تصويتهم بشكل كبير عن الانتخابات السابقة، فلم ينجح حزب "التجمع" في دخول الكنيست، وهذا ما كانت تؤكده دومًا استطلاعات الرأي، وبانتصار اليمين فإن منصور عباس يفقد مكانته كبيضة قبان.
سواءٌ دخل حزب "ميرتس" الكنيست أو لم يدخل، فإن كتلة نتنياهو حصلت على عدد المقاعد المطلوب لتشكيل الحكومة، ويتراوح عدد ما ستحصل عليه بعد الانتهاء من فرز النتائج ما بين 62-66 مقعدًا، وبناءً عليه قام جهاز "الشاباك" المسؤول عن تأمين الشخصيات الرسمية بتوفير حراسات لنتنياهو بما يماثل حراسات رئيس الوزراء، ولبيد الذي سلّم بالهزيمة ينتظر النتائج النهائية للاتصال بنتنياهو لتهنئته رسميًا.
نتنياهو من جانبه لم يقدم خطاب نصر قوي ولم يحتفل كما كان يفعل سابقًا، واكتفى بخطاب حذر، وكأنه يدرك أنه ليس نجم تلك الليلة وليس هو أكبر الرابحين؛ بل تحالف بن غفير وسموتريتش وما يمثلانه من توجهات وأيديولوجيا استقطبت الكثير من القاعدة اليمينية؛ وهو بذلك يدرك حجم الإشكالية التي سيواجهها داخل حكومته، والتي سيصارع فيها كثيرًا لتأكيد من هو صاحب البيت، كما أن الأسوأ بالنسبة له أن يكون هو صمام الأمان اليساري داخل حكومة كلها على يمينه، سيكون سعيدًا جدًا إن نجح في استقطاب غانتس وايزنكوت لحكومته، حتى بثمن وزاري كبير، فهو بحاجة لمن يوازن حضور بن غفير وسموتريتش جلسات المجلس الأمني - السياسي المصغر، ولمن يفرمل توجهاتهم ومطالبهم.
فوز اليمين الفاشي ستكون له ترجمات على جبهات الصراع المختلفة تجاه الضفة والقطاع، وتجاه فلسطينيي الداخل، فضلًا عن الإقليم؛ الأمر الذي سيشكّل انعطافة كبيرة ومرحلة جديدة، وهو في ذات الوقت يشكّل فرصة أمام الفلسطينيين والعرب؛ فمن جهة لم يبقَ أمام الفلسطينيين ما يُمكن المراهنة عليه سوى خيار التوحد على خيار المقاومة واستثمار صعود اليمين الفاشي للحكم في الحلبة الدبلوماسية الدولية، وهذا سيسهل علينا استقطاب الرأي الدولي ومطالبته باتخاذ مواقف مؤيدة، والانتقال من موقف المتردد والمحايد إلى موقف أكثر حسمًا. كما أنه من الصعب رؤية انفتاح دول التطبيع على حكومة فاشية عنصرية، وزير أمنها سموتريتش ووزير أمنها الداخلي بن غفير، حسبما يطالبون.
هذا الانتصار الكبير لليمين الفاشي وكسر حاجز التعادل الذي استمر خمس سنوات بين المعسكريْن، يعود بشكل كبير إلى أمرين؛ الأول: زيادة نسبة التصويت الكلية بشكل كبير، حيث وصلت إلى 71,3% مقارنة بـ67,4% في الانتخابات السابقة، والزيادة الكبيرة جاءت من التجمعات السكانية اليمينية التي استطاع بن غفير - عبر حملته الغوغائية العنيفة - أن يثير حماسهم ويستقطبهم، عبر خطاب واضح غير متلعثم وهوية أيديولوجيا حاسمة غير مترددة، وعبر إثارة الكراهية وركوب موجتها، فشكّل بالنسبة لهم القائد الموثوق للتصدي لأعداء إسرائيل من الداخل ومن الخارج (اليسار والفلسطينيين على جانبي حدود الـ48)، بينما خسر كل من لم تكن له راية سوى راية "لا لنتنياهو" ("العمل" و"ميرتس") ومن تميزوا بميوعة الموقف (المعسكر الوطني) أو انقلبوا على شعاراتهم الانتخابية ("البيت اليهودي" - شاكيد).
العرب وعلى غير المتوقع رفعوا نسبة تصويتهم بشكل أكبر بكثير من السابق، والتي ربما تحققت بفعل خوفهم على التجمع (بلد)، لكن مع ذلك فشلت هذه الزيادة التصويتية في إدخال التجمع للكنيست بفارق الآلاف من الأصوات بسبب الزيادة الكبيرة في نسبة تصويت اليهود، والتي أدت إلى زيادة عدد الأصوات المطلوبة لتجاوز نسبة الحسم.
مركز أطلس للدراسات