البث المباشر

أتباع الرسولِ (ص) رحماء فيما بينهم وأشداء على الكفار

الأربعاء 12 أكتوبر 2022 - 15:41 بتوقيت طهران
أتباع الرسولِ (ص) رحماء فيما بينهم وأشداء على الكفار

يقول تعالى في كتابه الكريم، وهو يصف رسوله المصطفى محمّداً (ص):

 

{ مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ... }[الفتح: 29].

{مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ}.

لاحظوا ـــ أيّها الأحبّة ـــ أنّنا نأخذ من هذا التَّعبير المنهج في علاقة القائد بالنَّاس الذين يتّبعونه، فهو سيّدُ ولد آدم، ولكنّه معهم.

{وَالَّذِينَ مَعَهُ}، فهو ليس فوقهم في حركته، وإن كان فوقهم في درجته، فلا يعيش الفوقيَّة "كان فينا كأحدنا"، يجلس معهم، فليس هناك كرسيّ يجلس عليه يميِّزه عنهم، وليس هناك مظاهر تفصله عنهم، ويأتي القادم ويجدهم حلقة، ويقول: أيّكم محمد؟!

لأنّه لم يميّز نفسه عن أصحابه، حتى أقنعه أصحابه ـــ كما تقول السِّيرة ـــ بأن يضعوا له حجراً يجلس عليه، حتى لا يتحيّر القادم عندما يريد أن يتحدَّث إليه؛ إنّه يعيش مع أصحابه وأتباعه، فهم معه في الرِّسالة وفي الدَّعوة وفي الجهاد وفي كلِّ التحديات.

ولذلك، قد نستوحي من ذلك أن لا ينطلق الإنسان في موقع قياديّ، أيّاً كان الموقع، سواء كان دينياً بالمعنى التقليديّ للدِّين، أو سياسياً أو اجتماعياً، ليعيش فوقيَّة الإحساس والشعور على النَّاس معه، وأنْ لا تتحوَّل الحالة الشعورية أو الواقعية لديه إلى حالة طبقيَّة، بل يبقى القائدُ والمرجعُ والزَّعيمُ والوجيه والشخصيَّة مع الناس.

وإذا أردنا أن نسحب الآية إلى واقعنا، فنستطيع أن نكون معه. كان الصحابة معه ممّن سار في خطِّه المستقيم، وكان التَّابعون معه ممّن سار في خطِّه المستقيم، وإذا وفَّقنا الله لأن نسير في الخطِّ المستقيم، فسندخل في عمق الآية، لأنَّ الرسول (ص) ليس إنساناً يعيش في مرحلة زمنيَّة من خلال الجمهور الَّذي يريد أن يحتويه، ولكنَّه إنسان يعيش للزمن كلّه: "حلال محمّد حلال إلى يوم القيامة، وحرامه حرام إلى يوم القيامة"، "إلَّا أنَّه لا نبيَّ بعدي"، فهو خاتم النبيّين.

{أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ}، فعندما ينطلق الكفر ليسقط الإيمان وليضغط عليه، وليحتلّ أرضه وليحرِّف خطَّه، ومن أجل أن يشوِّه صورته، فإنّهم لا يضعفون ولا يهنون ولا يحزنون، بل تبقى لديهم الشدّة على الكفر، وشدّة الموقف الَّذي لا ينطلق من عقدة، بل من رسالة منفتحة تتحدَّى كلّ الذين يقفون في طريقها.

{أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ} شدّة الموقف، وشدَّة المواجهة، وشدّة التحدّي، لأنّهم قرأوا قول الله: { وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ }...

{رُحَمَاء بَيْنَهُمْ}، يرحمون بعضهم بعضاً، ويرحم بعضهم ظروف بعض، ويرحمون المستوى الفكريّ بعضهم لبعض، ويرحمون المشاكل الَّتي يعيشها هذا البعض أو ذاك، يرحمون كلَّ آلامهم وكلَّ أحلامهم وكلَّ أوضاعهم.

فذلك ـــ أيّها الأحبَّة ـــ هو مجتمع المسلمين، فأيّ مجتمع هو المجتمع الذي نعيشه الآن؟! وأين هي الرَّحمة التي تجعلنا نرحم الفكر الضَّعيف لنقدِّر ظروفه، فنعطيه القوَّة بكلّ حنان ومحبَّة، ونرحم نقاط الضّعف فينا، ومن منَّا لا يعيش نقطة ضعف؟!...

{رُحَمَاء بَيْنَهُمْ}، رحمة العقل، ورحمة القلب، ورحمة الإحساس، ورحمة الحكم على الآخر، ورحمة الانطباع الَّذي نكوّنه عن الآخر.

{تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللهِ وَرِضْوَان}، وعند ذلك، يستمدّون من الله في ركوعهم وسجودهم كلَّ القوَّة، لأنَّ الله هو القويّ العزيز، وكلَّ الرَّحمة، لأنّه الرَّحمن الرَّحيم، وتنطلق العبادة لتغرس في نفس العابد كلَّ القيم، من خلال تخلّقه بأخلاق الله، كما ورد في الحديث: "تخلّقوا بأخلاق الله"، وذلك عندما يعيش مع الله.

 

* من كتاب "النَّدوة"، ج3.

السيد محمد حسين فضل الله

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة