وقد يكون في ذلك إيحاءٌ لنا على مستوى المنهج، بأن لا نشغل أنفسنا في الأنبياء والأولياء والعظماء بخصوصيَّاتهم الجسديَّة، لأنَّ تلك الخصوصيات لم تنطلق من ميزة في الموقع الذي يتقرّبون فيه إلى الله فينطلقون في الحياة، فقد خلقوا بشراً كبقيَّة البشر، يخضعون في صفاتهم الجسديَّة لكلّ القوانين التي وضعها الله في ذلك، سواء كانت قوانين الوراثة أو غيرها، ولم يحدِّثنا عن خصوصيَّاته العائليَّة إلاّ بما يتّصل بحركته الرساليّة وحركة النَّاس معه في المنهج الَّذي يريده الله في تعامل الناس مع الرَّسول (ص).
فما حدَّثنا عنه هو أخلاقه الرساليَّة: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ}[القلم: 4]، {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللهِ}، هذه الرحمة التي أفاضها الله على النَّاس من خلالك، باعتبار أنَّك الرَّحمة في عقلك، وأنَّك الرَّحمة في قلبك، وأنَّك الرَّحمة في سلوكك، وأنَّك الرَّحمة في علاقاتك، وأنَّك الرَّحمة في مواقفك ومواقعك... تلك الرَّحمة الَّتي تجمَّعت لتكون تجسيداً لها {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللهِ لِنتَ لَهُمْ}، فلقد كنت اللَّيّن في كلامك، فلا ينطلق منك الكلام إلَّا بكلِّ رقّةٍ وعذوبة ورحمة وانفتاح، ولقد لنت لهم في قلبك، فلست صاحب القلب القاسي، ولكنَّه القلب الَّذي يتفجَّر حناناً وعاطفة ومحبَّة واحتضاناً لكلِّ النّاس من حوله.
{وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ}[آل عمران: 159]. وهذا درس لكلِّ الدعاة إلى الله، فإذا أرادوا أن يقوموا بمهمَّة الدَّعوة، فعليهم أن يربّوا ألسنتهم على الكلمة الطيّبة اللّينة في حروفها، واللّينة في مضمونها، وأن يربّوا قلوبهم على أن تكون تكون قلوب المحبَّة لا قلوب البغضاء، وقلوب الرحمة لا قلوب القسوة، فالإنسان يتأثّر بالمعاني الإنسانيَّة التي تعيش فيه، ويبقى الإنسان إنساناً حتَّى لو كان جبّاراً {اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * فَقُولَا لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً...}. إنّه طغى، لكنّه يملك قلباً يمكن أن يلين للدَّعوة عندما تأتيه الدَّعوةُ بأسلوبٍ ليِّن، ويمكن أن يخشى ويخشع عندما تتحرَّك الدَّعوة بأسلوبها الَّذي ينفتح على القلب ليغمره بكلِّ الخشوع، {لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى}[طه: 43 – 44].
السيد محمد حسين فضل الله