والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا الانبياء وخاتم المرسلين المصطفى ابي القاسم محمد صلى الله عليه وعلى اهل بيته الطيبين الطاهرين.
قال احد الرواة: كنت عند ابي الحسن الامام موسى بن جعفر(ع) اذ دخل عليه ثلاثون مملوكاً من الحبش وقد اشتروهم له، فكلم الامام غلاماً منهم وكان غلاماً جميلاً من الحبش فكلمه الامام بكلامه اي بلغته ساعة حتى اتى على جميع ما يريد وبين له كل ما يقصد واعطاه مبالغ من الدراهم فقال اعطى لاصحابك هؤلاء كل غلام منهم كل شهر ثلاثين درهماً ثم خرج اولئك الغلمان والمماليك. يقول الراوي: فقلت للامام موسى بن جعفر(ع) مولاي جعلت فداك لقط رأيتك تكلم هذا الغلام بالحبشية فماذا امرته؟ قال: امرته ان يستوصي باصحابه خيراً امرته بان يعتني بهؤلاء الغلمان والمماليك من اصحابه واصدقائه ويعتني بهم ويحافظ عليهم حتى لا يصيبهم سوء، كما امرته بان يعطيهم في كل شهر ثلاثين درهماً ليقضوا بذلك حوائجهم ويقتنوا بذلك ما يحتاجون اله وانا اخترت ذلك الغلام وكلمته وامرته بهذا لاني لما نظرت اليه عرفت وعلمت انه غلام عاقل، وهو من ابناء ملكهم وقد اسر فيمن اسر في حرب بين المسلمين وتلك البلاد فاوصيته بجميع ما احتاج اليه فقبل وصيتي وانا مطمئن بانه غلمان صادق القول وسينفذ ما اقول.ثم قال الامام(ع) لذلك الراوي: لعلك عجبت من كلامي اياه باللغة الحبشية لا تعجب فما خفي عليك من امر الامام اعجب واكثر، وما هذا من الامام في علمه الا كطير اخذ بمتقاره قطرة من الماء افترى الذي اخذ بمنقاره نقص من البحر شيئاً.
ثم قال الامام(ع) معقباً على كلامه هذا ومضيفاً قال: ان الامام بمنزلة البحر لا ينفد ما عنده و عجائبه اكثر من ذلك، والطير حينما اخذ من البحر قطرة بمنقاره لم ينقص من البحر شيئاً كذلك العالم لا ينقص علمه اذا انفق منه ولا تنفد عجائبه هذا الحديث وهذه الرواية التاريخية التي جاءت في المصادر الموثوق بها تتضمن مسائل المتنوعة ودروساً متعددة. اولاً ان الامام الكاظم(ع) وغيره من الائمة انما كانوا يقدمون على شراء العبيد من الاسواق، من اسواق النخاسة لاجل تربيتهم ثم عتقى رقابهم في سبيل الله بعد ان يربونهم، ولاشك ان مثل هذا العمل عمل مهم جداً ويعد من الاعمال الجليلة والحسنة للمؤمن والمسلم وهو ان يعتق رقبة مؤمنة فأهل البيت(ع) كان من عادتهم ان يشتروا في كل سنة عدداً من الغلمان والعبيد الذين كانوا يباعون في سوق النخاسة في عصورهم، هؤلاء العبيد كانو اما يشترون ويباعون في الاسواق العالمية في ذلك اليوم او كانت تحصل للمسلمين هذه العبيد بسبب الحروب مع بعض البلاد الكافرة والمعتدية على كل حال فاهل البيت(ع) ما كانوا من الذين يحبون ان تكون عندهم حذم وحشم ومماليك كما كان عادة خلفاء الجور والسلاطين ذلك العصر، انما كان هدفهم من شراء العبيد هو تربيتهم في مدرستهم الفكرية والاخلاقية ثم اطلاق سراحهم وعتق رقابهم في سبيل الله سبحانه وتعالى وكان هذا العمل نوعاً من انواع العبادة المقربة الى الله. الامر الثاني الذي تتضمنه هذه القصة التاريخية ان الامام(ع) اوصى باولئك العبيد خيراً، خصص لهم مبلغ للانفاق عليهم لاجل ان يشتروا ما يحتاجون اليه وهذا لم يكن متعارفاً عند الاخرين ممن كانوا يقتنون العبيد والارقاء وكانوا يعاملونهم بالخشونة والقسوة اما اهل البيت(ع) الذين كانوا اغصاناً من الشجرة المحمدية الطاهرين وابناءاً لمن وصف الله بانه رحمة للعالمين ما كانت مسالكهم وما كان سلوكهم مع العبيد مسلك السلاطين وبعض اصحاب العبيد والرق، لا انما كان مسلكهم مسلكاً انسانياً هذا ثانياً. وثالثاً تكلم الامام بالحبشية باللغة الحبشية وهو عربي، الامام لما رأى الراوي وذلك الشخص تعجب من حديث الامام بالحبشية قال له يا هذا انت لا تعرف منزلة الامام، الامام الذي جعله الله حجة على العباد على العالمين وهادياً لهم هذا ينبغي ان يكون مزوداً بالامكانات التي يحتاج اليها في الدعوة والارشاد والتبليغ ومن تلك الامكانات اللغة، الله سبحانه وتعالى علم سليمان لغة الطير، منطق الطير حينما جعله حاكماً وسلطاناً على الجن والانس فكيف الامام(ع) وهو من قبل رسول الله خليفة على المسلمين ومن قبل الله حجة على الخلق اجمعين، كيف لا يعرف لغة هذا اوذاك، ولهذا الامام قال له اولاً: لا تنسى ان الامام بحر من العلم وهذا البحر لا ينفذ لانه مرتبط بتعليم الله وبالامداد الالهي ثانياً: الامام مجهز باللغات المختلفة حتى يستطيع من ابلاغ الرسالة الالهية الى الجميع وهدايتهم وارشادهم. وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وآله الطيبين والطاهرين.
*******